أَصَابَنِي جَهْدٌ شَدِيدٌ، فَلَقِيتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، فَاسْتَقْرَأْتُهُ آيَةً مِن كِتَابِ اللَّهِ، فَدَخَلَ دَارَهُ وفَتَحَهَا عَلَيَّ، فَمَشَيتُ غيرَ بَعِيدٍ، فَخَرَرْتُ لِوَجْهِي مِنَ الجَهْدِ والجُوعِ، فَإِذَا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَائِمٌ علَى رَأْسِي، فَقالَ: يا أبَا هُرَيْرَةَ، فَقُلتُ: لَبَّيْكَ رَسولَ اللَّهِ وسَعْدَيْكَ، فأخَذَ بيَدِي، فأقَامَنِي وعَرَفَ الذي بي، فَانْطَلَقَ بي إلى رَحْلِهِ، فأمَرَ لي بِعُسٍّ مِن لَبَنٍ فَشَرِبْتُ منه، ثُمَّ قالَ: عُدْ يا أبَا هِرٍّ، فَعُدْتُ فَشَرِبْتُ، ثُمَّ قالَ: عُدْ، فَعُدْتُ فَشَرِبْتُ، حتَّى اسْتَوَى بَطْنِي فَصَارَ كَالقِدْحِ، قالَ: فَلَقِيتُ عُمَرَ، وذَكَرْتُ له الذي كانَ مِن أمْرِي، وقُلتُ له: فَوَلَّى اللَّهُ ذلكَ مَن كانَ أحَقَّ به مِنْكَ يا عُمَرُ، واللَّهِ لَقَدِ اسْتَقْرَأْتُكَ الآيَةَ، ولَأَنَا أقْرَأُ لَهَا مِنْكَ، قالَ عُمَرُ: واللَّهِ لَأَنْ أكُونَ أدْخَلْتُكَ أحَبُّ إلَيَّ مِن أنْ يَكونَ لي مِثْلُ حُمْرِ النَّعَمِ.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري
| المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 5375 | خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ]
كان النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم رَفيقًا رَحيمًا بأصْحابِهِ، عالِمًا بأحوالِهِم، ومُكْرِمًا لهم، ومُسارعًا في قَضاءِ حَوائجِهم.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي أبو هُرَيرةَ رضِيَ
اللهُ عنه أنَّه نزل به تَعَبٌ ومَشقَّةٌ بِسَبَبِ الجُوعِ، فلَقِيَ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ رَضِيَ
اللهُ عنه، فطلب منه قراءةَ آيةٍ مُعيَّنةٍ مِن كِتابِ
اللهِ، طَلَبًا للاستفادةِ، فدَخَلَ عُمَرُ رضِيَ
اللهُ عنه دارَهُ وفتَحَها علَيَّ،
أي: قَرَأَها له وأَفهَمَهُ إيَّاها، قال: فلَمَّا انْتَهى مُرادُهُ مِن عُمرَ بقِراءتِه للآيةِ الَّتي أرادَها انصَرَفَ، فلمَّا كان على بُعْدٍ منه سقَطَ على الأرضِ مِن شِدَّةِ التَّعَبِ والجُوعِ، فلما أفاق وجد رسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم واقِفًا عِنده وبِجِوارِهِ، فقال النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم له: «
يا أبا هِرٍّ»، فقال أبو هُرَيرة رَضِيَ
اللهُ عنه: «
لبَّيْكَ رسولَ اللهِ وسَعْدَيْكَ»،
أي: أنا مُجيبٌ لنِدائِكَ ودَعْوتِكَ، ومُلازِمٌ لِطاعتِكَ، وساعٍ إلى إسْعادِكَ، فأخذ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم بيده فأقامه، وعَرَفَ سبَبَ سُقوطِهِ على الأرضِ وما به مِن شِدَّةِ الجُوعِ، فأخذه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم وذهب به إلى مَنزِلِهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم، وأمر له بِعُسٍّ فيه لَبَنٌ، والعُسُّ: قَدَحٌ ضَخمٌ كَبيرٌ، قال أبو هُرَيرةَ رَضِيَ
اللهُ عنه: «
فشرِبْتُ منه»، ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم: «
عُدْ» فاشرَبْ «
يا أبا هِرٍّ»،
أي: يطلُبُ منه النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم أنْ يَشرَبَ مرَّةً ثانيةً.
فعاد أبو هُرَيرةَ وشرب ثانيةً، فلمَّا شَرِب ثانيةً، قال له النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم: «
عُدْ» يَعْزِمُ عليه النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم بالشُّرْبِ مرَّةً ثالِثةً، قال أبو هُرَيرةَ: «
فعُدْتُ فشرِبْتُ، حتَّى استوى بَطْني»،
أي: استقامَ بامتِلائِهِ، «
فصار كالقِدْحِ»
أي: كالسَّهْمِ في استِوائِهِ.
فلقي أبو هُرَيرةَ رَضِيَ
اللهُ عنه عُمرَ بنَ الخطَّابِ بعد ذلك، فكلَّمه معاتبًا إيَّاه، وذكر له ما كان من أمرِ سُقوطِهِ على الأرضِ بعْدَ انصرافِهِ مِن عِنده، وما كان به مِن جُوعٍ، وإكرامِ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم له، وقال له: «
فوَلَّى اللهُ ذلك مَن كان أَحَقَّ به مِنْك يا عُمَرُ»،
أي: باشَرَ أمرَ إكرامي بالطَّعامِ والشَّرابِ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم، «
واللهِ لقدِ استقرَأْتُكَ الآيةَ»،
أي: طلَبْتُ منك قِراءتَها، «
وَلَأَنا أَقْرَأُ لها مِنْكَ»،
أي: وهو أحْفَظُ وأعْلَمُ بها مِن عُمرَ رضِيَ
اللهُ عنهما.
فرَدَّ عُمرُ بنُ الخطَّابِ رضِيَ
اللهُ عنه على أبي هُرَيرةَ رَضِيَ
اللهُ عنه مُطيِّبًا خاطِرَه، فقال له: «
واللهِ لَأَنْ أكونَ أَدخلْتُكَ»،
أي: يُريدُ إدْخالَهُ بَيْتَهُ وإطعامَهُ، «
أَحَبُّ إليَّ من أنْ يكونَ لي مِثْلُ حُمْرِ النَّعَمِ»،
أي: الإبلِ الحَمْراءِ، وهي مِنْ أفضلِ أمْوالِ العَربِ.
وفي الحَديثِ: فضْلُ أبي هُرَيرةَ رضِيَ
اللهُ عنه وعِلمُه، وتَعَفُّفُه عن التَّصريحِ بسُؤالِ النَّاسِ.
وفيه: بَيانُ فَطِنةِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم ومَعرفتِه لِحاجَةِ ومَقْصِدِ مَن يَسألُهُ.
وفيه: التعريضُ بالمسألةِ والاستحياءُ.
وفيه: إباحةُ الشِّبَعِ عند الجُوعِ.
وفيه: ما كان السَّلَفُ عليه من الصَّبرِ على شَظَفِ العَيشِ والرِّضا باليسيرِ من الدُّنيا.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم