شرح حديث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض وعن بيعها
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
كانتِ الجاهِليَّةُ يَسودُ فيها أنواعٌ من البُيوعِ تَمتلِئُ ظُلمًا وإجحافًا، فلمَّا جاء الإسلامُ أقرَّ البَيعَ العادلَ، ونهَى عن كلِّ ما فيه ظُلمٌ؛ فمَنعُ الغِشِّ في البُيوعِ وقَطْعُ النِّزاعِ والخُصومةِ بيْن البائعِ والمُشتَرِي، مَقصِدٌ مِن المَقاصِدِ الشَّرعيَّةِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضِي اللهُ عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم نَهى عن «كِراء الأرضِ» وهو تَأجيرُها، والإجارةُ المنهِيُّ عنها هي ما كان على بَعضِ ما يَخرُجُ مِنها؛ فالمرادُ: أنْ يكونَ الأجْرُ بيْن المالِكِ والمُستأجِرِ مِقدارًا مُحدَّدًا ابتداءً مِن الثِّمارِ الَّذي تُخرِجُهُ تِلكَ الأرضُ، وقدْ تُنبِتُ الأرضُ هذا القَدْرَ، وقدْ لا تُنبتُه؛ فلا يَقدِرُ زارِعُها عَلى الوَفاءِ بعَقدِهِ، أمَّا الإجارةُ بالذَّهبِ والفِضَّةِ والنَّقدِ، فلا بأسَ به؛ ففي الصَّحيحينِ، عن حَنْظلةَ بنِ قَيسٍ: «أنَّه سَأل رافعَ بنَ خَديجٍ عن كِراءِ الأرضِ، فقال: نَهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عن كِراءِ الأرضِ، قال: فقلْتُ: أبِالذَّهبِ والوَرِقِ؟ فقال: أمَّا بالذَّهبِ والوَرِقِ فلا بأسَ به»، وفي الصَّحيحينِ أيضًا، عن ابنِ عمَرَ رَضِي اللهُ عنهما، قال: «عامَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم خَيبَرَ بشَطرِ ما يَخرُجُ منها مِن ثمَرٍ أو زرْعٍ».
وعليه فإنَّ للمالكِ أنْ يُؤجِّرَها بنِسبةٍ شائعةٍ ممَّا يُزرَعُ فيها، كالرُّبعِ والثُّلثِ مِن إنتاجِها.
ونَهى أيضًا عن «بَيعِها السِّنينَ» وفي رِوايةٍ عندَ مُسلمٍ: «بَيعِ الثَّمَرِ سِنينَ»، وهوَ بَيعُ ثَمارِ الأشجارِ والنَّخيلِ سَنَتينِ أوْ أكثر، ومِنَ المعلومِ أنَّ هذا الثَّمرَ لم يُخلَقْ بَعدُ، وهو بَيعُ غرَرٍ؛ لأنَّه بَيعُ مَعدومٍ ومَجهولٍ، غيرِ مَقدورٍ على تَسليمِه وغيرِ مَملوكٍ للعاقدِ، فهو بَيعٌ فيه الكثيرُ مِن الغرَرِ والجَهلِ.
ونَهى صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أيضًا عن «بيعِ الثَّمرِ حتَّى يَطِيبَ»، أي: يَبدوَ صَلاحُه، وهو أنْ يُزهِيَ فتَظهَرَ ثَمرتُه ويَحمَرَّ أو يَصفَرَّ؛ وذلك عَلامةُ الصَّلاحِ فيها، ودَليلُ صَلاحِها مِن الآفةِ، فيَطيبُ أكلُه وبَيعُه بذلك.
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن كلِّ بَيعٍ فيه جَهالةٌ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم