شرح حديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينسخ حديثه بعضه بعضا كما
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
جاءَت أحكامُ الإسلامِ للأُمَّةِ بما يَتَناسَبُ معها، وخاصَّةً مع مَن عاشوا زَمَنَ الجاهليَّةِ وتَرَبَّوا فيها، فتَدرَّجَ الشَّرعُ معهم في بَعضِ الأحكامِ، وكانت هذه هي الحِكمةَ منَ النَّسخِ، والنَّسخُ: إزالةُ ما استَقرَّ منَ الحُكمِ الشَّرعيِّ بخِطابٍ آخَرَ منَ
اللهِ أو رَسولِه لولاه لَكان الحُكمُ السَّابقُ ثابتًا.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ التَّابعيُّ أبو العَلاءِ بنُ الشِّخِّيرِ -وهو من عُلماءِ البصرةِ-: «
كانَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَنْسَخُ حَديثُهُ بعضُهُ بعضًا»،
أي: يَقَعُ في بعضِ الأحاديثِ الَّتي وَرَدَت عَنِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ في آخِرِه ما يُلغي ما سَبَق من أحكامٍ جاءت في أحاديثَ أُخَرَ، مِثلُ الَّذي وَرَدَ في الغُسلِ مِنَ الجَنابةِ؛ فقد كان الأمرُ في أوَّلِ الإسلامِ أنَّ الوُضوءَ يَكفي لِمَن جامَعَ زوجتَه دونَ إنزالٍ، وليس عليه غُسلٌ، كما في الصَّحيحَينِ عن أُبَيِّ بنِ كَعبٍ، قَالَ: سَألتُ رَسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يُصيبُ مِنَ المَرأةِ، ثُمَّ يُكسِلُ، فَقَالَ: يَغسِلُ ما أصَابَه مِنَ المَرأةِ، ثُمَّ يَتوَضَّأُ ويُصَلِّي»، ثمَّ نُسِخَ هذا الحُكمُ بأنَّ مُجَرَّدَ الجِماعِ يُوجِبُ الغُسلَ، سَواءٌ تَرتَّبَ عليه إنزالُ مَنيٍّ أو لم يَترتَّب، وفي ذلك يقولُ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
إذا جَلَسَ بيْن شُعَبِها الأَرْبَعِ، ثمَّ جَهَدَها، فقدْ وَجَبَ الغُسْلُ» مُتَّفَقٌ عليه، وهذا ما استَقرَّ عليه العَمَلُ، وهذا النَّسخُ والتَّغييرُ والإلغاءُ الذي وقَعَ في السُّنَّةِ، وَقَعَ في القرآنِ، ومِن أمثلةِ نَسخِ
القُرآنِ بالقرآنِ: حَدُّ الزِّنا للمرأةِ، فكان الحدُّ في البِدايةِ الحَبسَ في البيوتِ، كما قال تَعالَى:
{ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا } [
النساء: 15 ]، حتَّى نزَلَ قولُه تَعالَى:
{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } [
النور: 2 ]، ثمَّ وضَّح النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ ما جاءَ في القرآنِ، فقال: «
خُذوا عنِّي؛ قدْ جَعَل اللهُ لهنَّ سَبيلًا: البِكرُ بِالبِكرِ جَلدُ مِائةٍ وتَغريبُ عامٍ، والثِّيبُ بالثيِّبِ جَلْدُ مِائةٍ والرَّجْمُ»، وذلك فيما أخرَجَه مُسلِمٌ.
وفي الحَديثِ: بيانُ اهتمامِ عُلماءِ التَّابِعينَ بدراسةِ السُّنَّةِ النَّبويَّةِ، وما وقَعَ فيها من أحكامٍ، وبيانِ النَّاسِخِ والمنسوخِ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم