قَضاءُ الدُّيونِ من الأُمورِ الَّتي شدَّدَ فيها الإسلامُ، وألْزَمَ بضَرورةِ سَدادِها، وأمَرَ الأولياءَ بسَدادِ دُيونِ مَوتاهم.
وفي هذا الحديثِ يقولُ جابرُ بنُ عبدِ
اللهِ رضِيَ
اللهُ عنهما: "كان ليهوديٍّ على أبي تمْرٌ"،
أي: دَينٌ من تمْرٍ، "فقُتِلَ يومَ أُحدٍ"،
أي: قُتِلَ عبدُ
اللهِ بنُ حَرامٍ والدُ جابرٍ يومَ غَزوةِ أُحدٍ، "وترَكَ حديقتَينِ، وتمْرُ اليهوديِّ يَستوعِبُ ما في الحديقتَين"،
أي: أنَّ دَينَ اليهوديِّ يَستغرِقُ كلَّ إنتاجِ الحديقتَينِ من تمْرٍ، "فقال النَّبيُّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ لليهوديِّ: "هلْ لك أنْ تأخُذَ العامَ نصْفَه وتُؤخِّرَ نصْفَه؟"،
أي: أنْ يُعَجَّلَ له بنِصْفِ الدَّينِ، ويُؤجَّلَ له النِّصفُ الباقي، وكان جابرٌ قدِ استعانَ برسولِ
اللهِ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ على غُرمائِه كما ثبَتَ في الرِّواياتِ، "فأبَى اليهوديُّ"،
أي: رفَضَ طلَبَ النَّبيِّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال النَّبيُّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ لجابرٍ: "هلْ لك أنْ تأخُذَ الجِدادَ، فآذِنِّي"، وفي روايةِ أحمدَ: "إذا حضَرَ الجِدادُ فآذِنِّي"،
أي: أعلِمْني إذا جاء وقْتُ قطْعِ ثِمارِ النَّخلِ وجمْعِه.
قال جابرٌ رضِيَ
اللهُ عنه: "فآذَنْتُه"،
أي: أعلَمْتُ النَّبيَّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، "فجاء هو وأبو بكرٍ، فجَعَلَ يُجَدُّ ويُكالُ من أسفلِ النَّخلِ"،
أي: فبدَأَ النَّاسُ في قطْعِه وجمْعِه وكَيلِه لليهوديِّ، "ورسولُ
اللهِ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ يَدْعو بالبركةِ"،
أي: يَدْعو
اللهَ أنْ يَزيدَ في بركةِ هذا التَّمْرِ، "حتَّى وفَّيْناه جميعَ حَقِّه من أصغرِ الحديقتَينِ- فيما يحسِبُ عمَّارٌ-"،
أي: أعطى لليهوديِّ دَيْنَه بما نتَجَ من أصغرِ الحديقتَينِ بعدَ أنْ كان دَيْنُ اليهوديِّ يشمَلُ إنتاجَ الحديقتَينِ، وهذا ببركةِ دُعاءِ رَسولِ
اللهِ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وقولُ الرَّاوي: "فيما يحسِبُ عمَّارٌ"، يقصِدُ: أنَّ اعتبارَ أصغرِ الحَديقتَينِ هي الَّتي شمَلَت دَينَ اليهوديِّ من ظَنِّ عمَّارِ بنِ أبي عمَّارٍ الرَّاوي عن جابرٍ رضِيَ
اللهُ عنه.
قال جابرٌ رضِيَ
اللهُ عنه: "ثمَّ أتيْتُهم"،
أي: أتيتُ النَّبيَّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ ومَن معه من أصحابِه رضِيَ
اللهُ عنهم، "برُطَبٍ وماءٍ، فأكَلوا وشَرِبوا"، والرُّطَبُ: ثمَرُ النَّخلِ قبْلَ أنْ يُصبِحَ تمْرًا، وهو أجودُ وأطعَمُ من التَّمْرِ، فقال النَّبيُّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: "هذا من النَّعيمِ الَّذي تُسْأَلون عنه"،
أي: هذا الأكْلُ الهنيءُ والشَّرابُ الطَّيِّبُ يُعتبَرُ من نَعيمِ الدُّنيا الَّذي سيُحاسِبُ عليه
اللهُ عِبادَه؛ هل شَكروا
اللهَ وحَمِدوه وأدَّوا حَقَّ هذه النِّعمةِ؟ وهذا إشارةٌ إلى قولِه تعالى:
{ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } [
التكاثر: 8 ].
وفي الحديثِ: بَيانُ بَركةِ دُعاءِ النَّبيِّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: مَشروعيَّةُ التَّوسُّطِ لتأجيلِ الدُّيونِ عن النَّاسِ.
وفيه: قضاءُ النَّبيِّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ حاجةَ أصحابِه، وحُسنُ عِنايتِه بهم.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم