شرح حديث إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
لقد حَثَّ الشَّرعُ المُطهَّرُ على فعْلِ الخيراتِ والطَّاعاتِ، وأمَرَ المُسلمَ أنْ يجعَلَ دُنياهُ مَزْرعةً لآخِرَتِه، وأوضَحَ له أنَّ مِن الأعمالِ ما يمتَدُّ أجْرُها ويستمِرُّ للعبْدِ بعدَ موتِه، وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّ ممَّا يلحَقُ المُؤمنَ مِن عمَلِه"، أي: يستمِرُّ أثَرُه وجَزاؤه للعبْدِ بعدَ موتِه، وهذا على وجْهِ العُمومِ في الصَّالِحِ والطَّالِحِ، ثمَّ بيَّنَ أنَّه يقصِدُ العمَلَ الصَّالِحَ، فقال: "وحَسَناتِه بعدَ موتِه"، أي: تلحَقُه ويجْري أجْرُها الطَّيِّبُ له، "عِلْمًا نشَرَهُ"، أي: أبرَزَه وأظهَرَه وأوصَلَه للنَّاسِ بأيِّ صُورةٍ من الصُّورِ، سواءٌ بالتَّدريسِ والتَّأليفِ والكِتابةِ، أو غيرِ ذلك، "وولدًا صالِحًا ترَكَه"، أي: وفي رِوايةٍ: "ولدٌ صالِحٌ يَدْعو له"؛ فإذا عمِلَ الولدُ الأعمالَ الصالحةَ، وكان والدُه هو الذي علَّمَه هذه الأعمالَ، فإنَّ الوالدَ يُؤجَرُ على ذلك، "ومُصْحَفًا ورَّثَه"، أي: ترَكَه بعدَ موتِه مملوكًا لوارِثِه، أو موقوفًا على المُسلمينَ، "أو مسجِدًا بَنَاهُ"، أي: بناه مِن مالِه أو بيدِه، "أو بيتًا لابنِ السَّبيلِ بناه"، أي: بنى بيتًا ومنزلًا، وعمَّرَه لعابِرِ الطَّريقِ الغريبِ، "أو نهرًا أجْراه"، أي: أخرَجَه واستنبَطَ ماءَه، وجعَلَه يجري بالخيرِ والماءِ؛ لأنَّ نفْعَه يتعَدَّى بعدَ موتِه، "أو صدقةً أخرَجَها مِن مالِه في صِحَّتِه وحياتِه تلحَقُه مِن بعدِ موتِه"، أي: صدقةً أخرَجَها في حياتِه فيُعاجِلُه الموتُ، فيستمِرُّ أجْرُها له بعدَ موتِه، وبعْضُ هذه الأعمالِ وإنْ لم يقصِدْ بَقاءَها، إلَّا أنَّ مِن فضْلِ اللهِ عليه أنَّ كلَّ ما فيه صلاحٌ وينتفِعُ به العِبادُ بعدَ موتِه وهي أثرُه، يُجْرِي اللهُ ثوابَها له بعدَ موتِه.
وفي الحديثِ: بيانُ فضْلِ اللهِ على عِبادِه المُؤمنينَ، حيثُ جعَلَ بعْضَ أعمالِهم لا تنقَطِعُ بعدَ الموتِ، بل جعَلَها جاريةً ما دام أثرُها قائمًا.
وفيه: التَّرغيبُ في الصَّدقةِ الجاريةِ في الحياةِ؛ لينتفعَ بها بعدَ موتِه.
وفيه: أنَّ كُتُبَ العِلمِ النافعِ المَوْروثةَ مِن الشَّخصِ تكونُ مِن حَسَناتِه الَّتي تبقى بعدَ موتِه.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم