كان حذيفةُ بالمدائنِ، فكان يَذكُر أشياءَ قالها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأُناسٍ مِن أصحابه في الغَضبِ، فيَنطلقُ ناسٌ ممَّن سمِع ذلك من حذيفةَ، فيأتون سَلمانَ فيَذكُرون له قولَ حُذيفةَ، فيقول سلمانُ: حُذيفةُ أعلمُ بما يقولُ، فيَرجِعون إلى حُذيفةَ فيقولون له: قد ذَكَرْنا قولَك لسَلمانَ فما صدَّقَك ولا كذَّبك، فأتَى حُذيفةُ سلمانَ وهو في مَبْقلةٍ، فقال: يا سلمانُ، ما يَمنعُك أن تُصدِّقَني بما سمعتُ من رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فقال سلمانُ: إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَغضَبُ فيقولُ في الغَضبِ لناسٍ من أصحابِه، ويَرضَى فيقولُ في الرِّضا لناسٍ مِن أصحابِه، أمَا تَنتهي حتى تُورثَ رجالًا حُبَّ رِجالٍ ورِجالًا بُغضَ رِجالٍ، وحتى تُوقِعَ اختلافًا وفُرقةً؟ ولقد عَلمِتَ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خطَب، فقال: أيما رجل من أمتي سببته سبة ، أو لعنته لعنة في غضبي؛ فإنما أنا من ولد آدم ، أغضب كما يغضبون ، وإنما بعثني رحمة للعالمين ، فاجعلها عليهم صلاة يوم القيامة .
والله لتنتهين ! أو لأكتبن إلى عمر.
الراوي : عمرو بن أبي قرة | المحدث : الألباني
| المصدر : صحيح أبي داود
الصفحة أو الرقم: 4659 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
كان النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ أخلاقًا وأرحَمَهم بأمَّتِه، وقد دَعا
اللهَ أَنْ يَجْعَلَ دُعاءَه على أحَدٍ من المُسلِمينَ في حالِ غضَبِه رحْمةً له يَومَ القِيامة.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ التَّابعيُّ عَمرو بْنُ أبي قُرَّة: «
كان حُذَيفةُ بالمَدائِن»، وهي مَدينة كِسْرى في بلادِ فارس، وكانت على نَهْرِ دِجلةَ، «
فكان يَذكُر أشْياءَ قالها رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِأُناسٍ من أصْحابِه في الغَضبِ»،
أي: يَروي أقْوالًا قالها النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ في حالِ غَضبِه، «
فينْطَلِقُ نَاسٌ ممَّن سَمِعَ ذلك من حُذيفة، فَيأتونَ سَلمانَ فَيذكرونَ له قولَ حُذيفةَ، فيقولُ سَلمانُ: حُذيفةُ أعْلَمُ بما يَقولُ»، وهذا مِن وَرَعِ سَلمانَ رضِيَ
اللهُ عنه أنْ يُخَطِّئَ حُذيفةَ بين العَوامِّ في إكثارِه مِن الرِّواية عن النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بين أناسٍ لا يَعرِفونَ مُلابساتِ قَولِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ في غَضبِه؛ لأنَّه قد يقولُ الشَّيءَ وهو لا يُريدُه، «
فَيرجِعون إلى حُذيفة فيقولون له: قد ذَكرْنا قَولَك لِـسَلمان فَما صَدَّقَكَ ولا كَذَّبَكَ، فَأتى حُذيفةُ سَلمانَ وهو في مَبْقَلةٍ»، والمبْقَلةُ: مَكانٌ أو مَزرَعةٌ فيها بَقْلٌ، والبَقْلُ هو نَوعٌ من النَّباتِ، فقال له حُذيفةُ رضي
الله عنه: «
يا سَلمانُ! ما يَمنَعُكَ أن تُصدِّقَني بما سَمعْتُ من رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟! فقال سلمانُ: إنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَغضَبُ، فيقولُ في الغَضَبِ لنَاسٍ من أَصحابِه»،
أي: أقْوالًا فيها ذَمٌّ لهم في حالِ غَضبِه عليهم لِأمورٍ يسْتَحقُّونَ عليها الذَّمَّ، «
ويَرضَى فَيقولُ في الرِّضا لِنَاسٍ من أصْحابِه»،
أي: أقوالًا فيها مَدحٌ لهم في حالِ الرِّضا عنهم لأمورٍ يَستَحقُّون عليها المَدحَ، «
أمَا تَنْتَهي حتى تُورِثَ رِجالًا حُبَّ رِجالٍ، ورِجالًا بُغْضَ رِجالٍ، وحتى توقِعَ اخْتِلافًا وفُرقةً؟»؛ وذلك لأنَّ ذِكرَها للنَّاسِ يَجرُّ إلى حُبِّ بعضِ الصَّحابة وكَراهةِ بَعضِهم؛ وذلك بِسبَبِ تَعصُّبِ بَعضِ النَّاسِ لبَعضٍ ممَّن قال فيهم رَسولُ
الله صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ في حالِ الرِّضا أو الغَضَبِ.
ثُمَّ قال سَلمانُ: «
ولقد عَلِمتَ أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَطبَ، فقال: أَيُّما رَجُلٌ من أُمَّتي سَبَبْتُه سُبَّةً أو لَعَنْتُه لَعْنةً في غَضَبي»،
أي: بسَببِ فِعلٍ أو قَولٍ أغْضَبَني منه، «
فَإنَّما أنا من وَلَدِ آدَمَ؛ أَغْضَبُ كما يَغْضَبونَ»،
أي: إنَّ غَضبي صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ مِن صِفَتِه البَشَرِيَّة كما هو حالُ بَني آدَمَ، فَيخرُج في حالِ الغَضبِ بَعضُ الدُّعاءِ على بَعضِ النَّاسِ، «
وإنَّما بَعَثَني رَحمةً للعالَمين، فأَجْعَلُها عليهم صَلاةً يَومَ القِيامةِ»؛ فبَيَّنَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ دعا
اللهَ أن يُحوِّلَ دُعاءَه على البَعضِ في حالِ الغَضبِ إلى رَحمةٍ لهم يومِ القِيامةِ.
ثُمَّ حذَّر سَلمانُ حُذيفةَ، فقال: «
واللهِ، لَتنْتَهينَّ أو لَأكْتُبنَّ إلى عُمَرَ»،
أي: لأَكْتُبنَّ بِأمرِكَ إلى عُمرَ بْنِ الخَطَّابِ رضِيَ
اللهُ عنه وهو الخَليفةُ، والذي كان يُشدِّدُ على الصَّحابة في كَثرةِ الرِّوايةِ عن النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وخاصَّةً بينَ العَوامِّ وفي الأسْفارِ والمغازي؛ لأنَّ كَثيرًا من النَّاسِ لا تَفقَهُ الحَديثَ لقُربِ عَهدِها بالإسلامِ ولَربَّما وقَعَ لأحَدِهم فِتنةٌ.
وفي الحديث: بَيانُ ضَرورةِ التَّحرُّز عند رِوايةِ الحَديثِ؛ حتَّى لا يُساءَ فَهمُه.
وفيه: أخْذُ الصَّحابةِ بَعضِهم على يَدِ بَعض إذا ظَهَرَ مِن أحَدِهم خِلافُ الأَولى، وتَذكِيرُ بَعضِهم بِسُنَّةِ رَسولِ
الله صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ
( ).
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم