كُنَّا قُعُودًا بالأفْنِيَةِ نَتَحَدَّثُ، فَجَاءَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقَامَ عَلَيْنَا فَقالَ: ما لَكُمْ وَلِمَجَالِسِ الصُّعُدَاتِ؟! اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصُّعُدَاتِ، فَقُلْنَا: إنَّما قَعَدْنَا لِغَيْرِ ما بَاسٍ؛ قَعَدْنَا نَتَذَاكَرُ وَنَتَحَدَّثُ، قالَ: إمَّا لا فأدُّوا حَقَّهَا: غَضُّ البَصَرِ، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَحُسْنُ الكَلَامِ.
الراوي : أبو طلحة الأنصاري زيد بن سهل | المحدث : مسلم
| المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 2161 | خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ]
حذَّر النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ المُسلِمينَ مِن الجُلوسِ على الطَّريقِ؛ وذلكَ لأنَّ الجُلوسَ على الطُّرُقاتِ يُؤدِّي إلى أذيَّةِ النَّاسِ، وذلكَ بإحراجِهم بمُلاحقتِهم بالنَّظَراتِ؛ ولأنَّ الجالِسَ في الطَّريقِ قدْ يَتعَرَّضُ للفِتنةِ وإلى غيرِ ذلك مِن المفاسدِ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أبو طَلْحَةَ الأنصاريُّ رَضيَ
اللهُ عنه أنَّهم كانوا «
قُعودًا بالأَفْنِيَةِ» جمعُ فِناءٍ، وهو ما كان في جَوانبِ الدَّارِ وقريبًا منها، والمرادُ: أنَّهم ربَّما تَجالَسوا على طُرقاتِ بُيوتِهم يَتحدَّثون مع بَعضِهم، فجاء رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ ووَقَفَ عندهم، وقال: «
ما لكم ولِمَجَالِسِ الصُّعُدَاتِ؟!» جمعُ صَعيدٍ، وهو المكانُ الواسعُ، وفي الصَّحيحينِ: «
الطُّرُقاتِ»، ثمَّ أمَرَهم صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَجتنِبوا تلكَ المجالسَ والابتعادَ عنها، فقال الصَّحابةُ رَضيَ
اللهُ عنهم: «
إنَّما قَعَدْنا لغيرِ ما بَاسٍ»
أي: جَلَسْنا لغيرِ أمرٍ مَكروهٍ، وإنَّ حُضورَنا فيه يَتناوَلُ مَصالحَ عامَّةً، وأُمورَنا الجاريةَ في مُجتمعِنا؛ إذْ لا يُمكِنُ ذلك إلَّا في مِثلِ هذا الموضعِ؛ لكَونِه مُشترِكًا بيْن الجميعِ، وكأنَّهم فَهِموا مِن كَلامِه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه للتَّحذيرِ، وليْس للنَّهيِ الصَّريحِ، وإلَّا فإنَّ الصَّحابةَ رَضيَ
اللهُ عنهم أسرَعُ النَّاسِ إجابةً لأوامرِ
اللهِ ورَسولِه؛ ولذلك كانتْ مُراجعتُهم للنَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ استفسارًا عمَّا فَهِموه منه، وليْس مُعارَضةً له، فأجابَهُم النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بما يدُلُّ على أنَّ النَّهيَ ليْس لذاتِ المَجالِسِ، وإنَّما هو مِن أجْلِ حُقوقِ الطَّريقِ الَّتي يَتعرَّضُ لها الجالِسُ؛ فقال: «
إمَّا لا»
أي: فإنْ كان ولا بُدَّ مِن الجلوسِ فيها، «
فأدُّوا حقَّها» تَأكيدًا لِما للطَّريقِ مِن آدابٍ وحُقوقٍ، ومِن تِلكَ الآدابِ: «
غَضُّ البصرِ» ويَكونُ بكَفِّه عمَّا لا يَحِلُّ النَّظَرُ إليهِ، وكَفِّه عن كلِّ ما تُخشَى الفِتنةُ مِنهُ؛ فلا يَنظُرُ إلى ما لا يَجوزُ له النَّظرُ إليه، كالنَّظرِ إلى النِّساءِ، وأشارَ بغَضِّ البَصرِ إلى السَّلامةِ مِن التَّعرُّضِ للفِتنةِ بمَن يمُرُّ مِن النِّساءِ وغَيرِهنَّ، وخَوفِ ما يَلحَقُ منَ النَّظَرِ إليهِنَّ مِن ذلك إذا مرَّ النِّساءُ في الشَّوارِعِ لحَوائجِهِنَّ، «
ورَدُّ السَّلامِ»؛ وذلك لأنَّ المطالَبَ بإلقاءِ السَّلامِ هو الشَّخصُ المارُّ بهم، وعلى الجالسِ الرَّدُّ، والسَّلامُ ورَدُّه رَسولُ الأُلفةِ وداعِيةُ المَحبَّةِ؛ فعلى الجالِسِ ألَّا يَسأمَ كَثْرَتَه مِن المارِّين؛ فإنَّ المارَّ يَتحبَّبُ به إلى الجالِسِ ويُحيِّيهِ ويُكرِمُه؛ فعلى الجالِسِ أنْ يَرُدَّ السَّلامَ والتَّحِيَّةَ بمِثلِها أو أحسَنَ مِنها، ويَوَدُّ مَن وادَّه، ويُكرِمُ مَن أكرَمَه، «
وحُسْنُ الكلامِ»؛ فيكونُ الكلامُ بيْنهم في كلِّ ما هو خَيرٌ، فلا غِيبَةَ ولا نَمِيمَةَ ولا كَذِبَ ولا كلامَ يَنقُص المُروءَةَ، وزادَ في رِوايةٍ في الصَّحيحينِ مِن حَديثِ أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضيَ
اللهُ عنه: كَفَّ الأذى، والأمرَ بالمعروفِ، والنَّهيَ عن المنكَرِ.
وفي الحديثِ: أنَّ مِن هَديِه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ ترْكَ الجلوسِ في الطَّرِيقِ.
وفيه: أنَّ مَن جَلَس في الطَّريقِ فعليه غَضُّ البصرِ، وردُّ السلام، وحُسنُ الكلام.
وفيه: بَيانُ تَعليمِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ لأصحابِه وتَعاهُدِهم بالمَوعظةِ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم