سألتُ ابنَ عباسٍ ! فقلتُ : ما شيءٌ أجدُه في صدري ؟ قال : ما هو ؟ قلتُ : واللهِ ما أتكلمُ به ! قال : فقال لي : أشيءٌ من شكٍّ ؟ قال : وضحِك، قال : ما نجا من ذلك أحدٌ، قال : حتى أنزل اللهُ عز وجل { فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِك } الآية، قال : فقال لي : إذا وجدتَ في نفسِك شيئًا فقلْ : { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
الراوي : سماك بن الوليد أبو زميل | المحدث : الألباني
| المصدر : صحيح أبي داود
الصفحة أو الرقم: 5110 | خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن
الإيمانُ ب
اللهِ سُبْحانَه يَتطلَّبُ قلبًا واعيًا، وتَسليمًا وانقِيادًا كامِلًا للهِ تعالى؛ لأنَّ كثيرًا مِنَ الأمورِ الغَيبيَّةِ وغيرِها لا يُمكِنُ للعَقْلِ أنْ يَتصوَّرَها، وربَّما يَتشَكَّكُ الإنسانُ ويَعْتريه الفِكْرُ السَّقيمُ، وهنا لا بُدَّ للمؤمِنِ أنْ يَرْجِعَ سَريعًا إلى إيمانِه ب
اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ أبو زُمَيلٍ سِماكُ بنُ الوليدِ: سأَلتُ ابنَ عبَّاسٍ، فقُلتُ: "ما شيءٌ أَجِدُه في صَدْري؟"،
أي: هناك شيءٌ يأتي في صَدْري مِنَ الفِكْرِ وما أَشْبَهَه، فقال عبدُ
الله بنُ عبَّاسٍ رَضِيَ
اللهُ عَنْهما: "ما هو؟" قلتُ: و
اللهِ ما أَتكلَّمُ بِه"،
أي: لا أَسْتطيعُ أَنْ أَنْطِقَ به؛ لِما فيه ممَّا يَتعلَّقُ بالعقيدةِ، وهي ظنونٌ تَحصُل من الشَّيطانِ يُشوِّش بها على المؤمِن، والمؤمنُ يَردُّها ويَدفعُها ويَكرهُها ويُبغضها، فقال ابنُ عبَّاسٍ: "أشيءٌ مِنْ شَكٍّ؟" قال أبو زُمَيلٍ: "وضَحِكَ"،
أي: ابنُ عبَّاسٍ؛ وذلك لأنه فَهِم أنها شكوكٌ وأوهامٌ من إلقاءِ الشَّيطانِ عليه.
ثمَّ قال له ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ
اللهُ عنهما: "ما نجا مِنْ ذلك أَحَدٌ"،
أي: اسْتَشْعَرَ ابنُ عبَّاسٍ ما يَدورُ في عَقْلِه وقَلْبِه من الشَّكِّ، فضَحِكَ، وبيَّنَ له أنَّ مِثْلَ تِلْكَ الأشياءِ وارِدةٌ في حَقِّ العَقْلِ البَشريِّ، وأنَّه ما نَجَا مِن هذا الفِكرِ أحدٌ، "حتَّى أَنْزَلَ
الله عزَّ وجلَّ:
{ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } [
يونس: 94 ]"، والمُرادُ: أنَّ
اللهَ سُبْحانَه قال لنبيِّه: إنْ كُنْتَ في شَكٍّ من الوَحْي وما أَنْزَلَه
اللهُ عليكَ، فاسْأَلْ أَهْلَ الكتابِ مِنَ اليهودِ والنَّصارى الَّذين أَرْسَلَ
اللهُ إليهِم رُسلًا وأنبياءَ، ولم يَكُنِ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم في شَكٍّ مِنْ أَمْرِه، ولكنَّه افْتِراضٌ للبيانِ والتَّوضيحِ، ولم يَكُن النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم ليَشُكَّ في
اللهِ ثُمَّ يسأَلَ أَهْلَ الكتابِ ويُصدِّقَهُم، وقيل: هذا خِطابٌ للرَّسولِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم، والمُرادُ بِه غيرُه على عادةِ العَرَبِ؛ فإنَّهم يُخاطِبونَ الرَّجُلَ ويُريدونَ بِه غيرَه، وقيل: كان النَّاسُ على عَهْدِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم بين مُصدِّقٍ ومُكذِّبٍ وشاكٍّ، فهذا الخطابُ مع أَهْلِ الشَّكِّ، ومَعْناه: إنْ كُنتَ أيُّها الإنسانُ في شَكٍّ ممَّا أَنْزَلنا إليكَ مِنَ الهُدى على لِسانِ رَسولِنا مُحمَّدٍ.
ثم قال ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ
اللهُ عَنْهما لأبي زُمَيلٍ: "إذا وَجَدتَ في نَفْسِك شيئًا"،
أي: بمِثْلِ ما أشَرتَ إليه مِنَ التَّفكُّرِ والشُّكوكِ، فَقُلْ:
{ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [
الحديد: 3 ]،
أي: اقرأْ هذه الآيةِ؛ ففيها شِفاءٌ للشُّكوكِ التي في نفْسِك، والذي يَنقدِحُ في الذِّهنِ ويُلقِيه الشيطانُ عنِ
اللهِ عزَّ وجلَّ، يُدْفَع بهذِه الأسماءِ الحُسنَى للهِ سبحانه وما تَضمَّنَتْه من الصفات العُلَا؛ فإنَّه الأوَّلُ الذي ليس قَبْلَه شيءٌ، وهو الآخِرُ ليس بَعدَه شيءٌ، كما أنَّه الظَّاهِرُ الذي ليس فوقَه شيءٌ، والباطِن المحيطُ بكلِّ شيءٍ، ولا يكونُ دونه شيءٌ، ولو كان قَبْلَه شَيءٌ يكون مؤثرًا فيه لكان ذلك هو الربَّ الخَلَّاق، ولا بدَّ أن يَنتهيَ الأمرُ إلى خالقٍ غيرِ مخلوقٍ، وقائمٍ بنَفْسِه غنيٍّ عن غيرِه، وكلُّ شيءٍ فقيرٌ إليه.
وفي الحَديثِ: إشارةٌ إلى أنَّ الشَّيطانَ يُوسوسُ في صُدورِ المؤمنِينَ؛ ليُلقي فيها الشَّكَّ، وأنَّه على المؤمِنِ اللُّجوءُ إلى
اللهِ تعالى والأخْذُ بأسبابِ السَّلامةِ مِن هذِه الوساوسِ والشُّكوكِ.
وفيه: بيانُ العِلاجِ للمُؤمنِ إذا وَجَدَ في نَفْسِه شكًّا في العَقيدةِ
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم