لمَّا كان يومُ فتحِ مكةَ اختبأَ عبدُاللهِ بنُ سعدِ بنِ أبي السرحِ عِندَ عثمانَ بنِ عفانَ فجاءَ به حتى أوقفَهُ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقال يا رسولَ اللهِ بايعْ عبدَاللهِ فرفعَ رأسَهُ فنظرَ إليه ثلاثًا كلُّ ذلك يأبَى فبايعَهُ بعدَ ثلاثٍ ثم أقبلَ على أصحابِهِ فقال أما كان فيكم رجلٌ رشيدٌ ، يقومُ إلى هذا حيث رآني كففْتُ يَدي عن بيعتِهِ فيقتلُهُ ؟ فقالوا : ما نَدري يا رسولَ اللهِ ما في نفسِكَ ألَّا أومأتَ إلينا بعينِكَ ! قال : إنَّهُ لا يَنبغي لنبيٍّ أن تكونَ له خائنةُ الأعينِ
الراوي : سعد بن أبي وقاص | المحدث : الألباني
| المصدر : صحيح أبي داود
الصفحة أو الرقم: 4359 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
كان النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم أحسن الناس خلقًا، وليس له خائنَةُ الأعْيُنِ، ولا يَليقُ بِمقامِهِ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم أن يُشيرَ بعَيْنِه إشارَةً خفيَّةً ولو إلى شيءٍ مُباحٍ؛ مِثلَ قتْلِ شخْصٍ مهْدورِ الدَّمِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ سعْدُ بنُ أبي وقَّاصٍ: "لمَّا كان يوْمُ فتْحِ مكَّةَ"،
أي: حين كان اليومُ الَّذي فتَحَ فيهِ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم مكَّةَ، "اخْتبَأَ"،
أي: اخْتَفى عبدُ
اللهِ بنُ سعْدِ بنِ أبي السَّرْحِ عند عُثمانَ بنِ عفَّانٍ؛ وكانوا إخْوةً من الرَّضاعِ، وكان عبدُ
اللهِ بنُ أبي السَّرحِ يَكتبُ الوحْيَ للنَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ثمَّ ارتَدَّ عن الإسْلامِ، فأمَرَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم بقتْلِه، "فَجاء بهِ"،
أي: جاء بهِ عُثمانُ رضِيَ
اللهُ عنه "حتَّى أوْقَفَه"،
أي: أَقامَه على النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال عُثمانُ رضِيَ
اللهُ عنه: يا رسولَ
اللهِ "بايِعْ عبدَ
اللهِ"،
أي: خُذْ منه البيْعَةَ على الإسْلامِ فإنَّه يُريدُ أنْ يَتوبَ، "فرفَعَ رأْسَه"،
أي: النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم "فنَظَرَ إليهِ"،
أي: صوَّبَ نظَرَه إلى عبدِ
اللهِ بنِ أبي السَّرْحِ "ثلاثًا"،
أي: ثلاثَ مرَّاتٍ، "كلُّ ذلك يأْبَى"،
أي: يرفُضُ أنْ يُبايِعَه، "فبايَعَه" النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم بعْد ثلاثٍ، "ثمَّ أقْبَلَ على أصْحابِه"،
أي: توجَّهَ إليهم، فقال لهم: "أَما كان فيكم رجَلٌ رَشيدٌ"،
أي: أَليس يوجَدُ بيْنكم رجلٌ لَبيبٌ ذو عقْلٍ يَفْهم ما أُريدُ بامتِناعي عن مُبايعَتِه، "يَقومُ إلى هذا"،
أي: إلى عبدِ
اللهِ بنِ أبي السَّرْحِ، "حيثُ رآني كففْتُ يَدي"،
أي: حيثُ رآني أمسَكْتُ يَدي وامتنَعتُ عن بيْعتِه، "فيَقْتُلُه؟"؛ وفي هذا دَليلٌ على عدَمِ رِضا النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم على بيْعَةِ عبدِ
اللهِ بنِ أبي السَّرْحِ، "فقالوا"،
أي: الصَّحابةُ رِضوانُ
اللهِ عليهم: "ما نَدْري"،
أي: لا نعْرِفُ يا رسولَ
اللهِ "ما في نفْسِك"،
أي: ما يَدورُ في نفْسِك "ألَا أوْمَأْتَ إلينا بعيْنِك"،
أي: أشرْتَ إلينا بعيْنِك، فقال لهم النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم: "إنَّه لا ينْبَغي لِنبيٍّ"،
أي: إنَّه لا يَليقُ بالنَّبيِّ "أنْ تَكونَ له خائنَةُ الأعْيُنِ"؛ ومعنى خائنةُ الأعيُنِ: أنْ يُخفِيَ في قلْبِه غيرَ الَّذي يُظهِرُه للنَّاسِ، أو يُظهِرَ للنَّاسِ أو بسببِ بعْضِ النَّاسِ أمانًا ثمَّ يلْتفِتَ إلى غيرِه ويومِئَ له بعيْنِه أو بأَيِّ إشارةٍ فيها الغدْرُ بمَن أمَّنَه النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم فيكونُ ذلك خِيانةً، والنَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم منزَّهٌ عنِ الخيانَةِ مُطلَقًا.
وفي الحَديثِ: بيانٌ لأخْلاقِ الأنْبياءِ الحَسنةِ صلَواتُ
اللهِ وسَلامُه عليهم.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم