حديث المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها

أحاديث نبوية | صحيح البخاري | حديث جابر بن عبدالله

«جَاءَ أعْرَابِيٌّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَبَايَعَهُ علَى الإسْلَامِ، فَجَاءَ مِنَ الغَدِ مَحْمُومًا فَقالَ: أقِلْنِي، فأبَى ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَقالَ: المَدِينَةُ كَالكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا ويَنْصَعُ طَيِّبُهَا.»

صحيح البخاري
جابر بن عبدالله
البخاري
[صحيح]

صحيح البخاري - رقم الحديث أو الصفحة: 1883 - أخرجه البخاري (1883)، ومسلم (1383)

شرح حديث جاء أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه على الإسلام فجاء من


كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة

المدينةُ النَّبويَّةُ بُقعةٌ مِن الأرضِ مُبارَكةٌ، طَهَّرَها اللهُ مِن الأدناسِ، واختارَها لتَكونَ مُهاجَرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وحاضنةَ دَعوتِه، ومَلاذَ الصَّالحينَ مِن عِبادِه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه جاء أعرابيٌّ -وهو الَّذي يَسكُنُ الصَّحراءَ- مُهاجِرًا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأعطاهُ البَيعةَ على الإسلامِ، والمُبايَعةُ هي المعاقَدةُ والمُعاهَدةُ، وسُمِّيتْ بذلك تَشبيهًا بالمُعاوَضةِ الماليَّةِ، كأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَبيعُ ما عِندَه مِن صاحبِه؛ فمِن طرَفِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وَعْدٌ بالثَّوابِ، ومِن طَرَفِهم: الْتزامُ الطَّاعةِ.
ثمَّ إنَّ الرَّجُلَ أصابَتْه الحُمَّى في اليومِ التَّالي، فرجَعَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُريدُ أنْ يَرجِعَ عن بَيعتِه، فطلَبَ أنْ يُقِيلَه مِن بَيعَتِه، والظَّاهرُ -واللهُ أعلَمُ- أنَّه لم يُرِدْ بذلك الخُروجَ عن الإسلامِ، وإلَّا لم يكُنْ لِيَستأذِنَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في ذلك، وإنَّما أراد الرُّجوعَ عن الهِجرةِ، فلمْ يُرِدِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك؛ لأنَّ الارتدادَ عن الهِجرةِ مِن أكبرِ الكَبائرِ؛ ولذلك دَعا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَديثٍ آخرَ في الصَّحيحَينِ لأصحابِه، فقال: «اللَّهمَّ أَمْضِ لأصحابي هِجرتَهم، ولا تَرُدَّهم على أعقابِهم».
وهذا سُوءُ ظَنٍّ مِن الأعرابيِّ، حيثُ تَوهَّمَ أنَّ ما أصابَه مِن الحُمَّى إنَّما هو بسَببِ البَيعةِ، فتَوهَّمَ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لو أقالَهُ لذَهَبَ ما لَحِقَه مِن الحُمَّى.
فراجَعَ الرَّجُلُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثَلاثَ مرَّاتٍ، وهذا يُبيِّنُ حِرصَ الرَّجُلِ على طَلَبِه، فلمْ يُوافِقْ على ذلك النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فخَرَجَ الرَّجُلُ مِن المَدينةِ، فأَخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ المدينةَ كالكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا ويَنْصَعُ طَيِّبُهَا، والكِيرُ هو الجِلدُ الَّذي يَنفُخُ به الحَدَّادُ على النَّارِ، أو دُكَّانُ الحَدَّادِ، فكما أنَّ الكِيرَ يكونُ به تَنقيةُ الحديدِ مِن وَسَخِه بالنَّارِ، وكذلك تَفعَلُ المدينةُ، فتُنقِّي نفْسَها مِن أمثالِ هذا، ويَنصَعُ طَيِّبُها، أي: يَخلُصُ ويفُوحُ، وهو مثَلٌ لإيمانِ المؤمنينَ فيها ممَّن سَكَنَها مِن المُؤمنين الصَّادقينَ.
وهذا تَشبيهٌ حَسنٌ؛ لأنَّ الكِيرَ -بشِدَّةِ نَفْخِه- يَنْفي عن النارِ السَّوادَ والدُّخَانَ والرَّمَادَ حتَّى لا يَبْقى إلَّا خالصُ الجَمْرِ، وهذا إنْ أُرِيدَ بالكِيرِ المِنْفَخُ الَّذي يُنفَخُ به النارُ، وإنْ أُرِيدَ به الموضعُ، فالمعنَى: إنَّ ذلك الموضعَ -لشِدَّةِ حَرارتِه- يَنزِعُ خَبَثَ الحديدِ والفِضَّةِ والذَّهَبِ ويُخرِجُ خُلاصةَ ذلك، والمدينةُ كذلك تَنْفي شِرارَ النَّاسِ بالحُمَّى والتَّعَبِ، وشِدَّةِ العَيشِ وضِيقِ الحالِ التي تُخلِّصُ النَّفْسَ مِن الاسترسالِ في الشَّهواتِ، وتُطهِّرُ خِيارَهم وتُزكِّيهم.
وليس هذا الوَصفُ عامًّا لها في جَميعِ الأزمنةِ، بلْ هو خاصٌّ بزَمَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّه لم يكُنْ يَخرُجُ عنها رَغبةً في عدَمِ الإقامةِ معه، إلَّا مَن لا خَيرَ فيه، وقدْ خَرَجَ منها بعْدَه جَماعةٌ مِن خِيارِ الصَّحابةِ، وقَطَنوا غيرَها، وماتوا خارِجًا عنها.
ولا يَرِدُ على ذلك أنَّ المنافِقينَ قدْ سَكَنوا المدينةَ وماتوا فيها ولم تَنفِهم؛ لأنَّ المدينةَ كانتْ دارَهم أصلًا، ولم يَسكُنوها بالإسلامِ ولا حِبالِه، وإنَّما سَكَنوها لِما فيها مِن أصْلِ مَعاشِهم، ولم يُرِدْ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بضَرْبِ المثَلِ إلَّا مَن عقَدَ الإسلامَ راغبًا فيه، ثمَّ خبُثَ قلْبُه.
وفي الحديثِ: أنَّ مَن عقَدَ على نفْسِه أو على غيرِه عَقْدَ اللهِ، فلا يَجوزُ له حَلُّه؛ لأنَّ في حَلِّه خُروجًا إلى مَعصيةِ اللهِ، وقدْ قال اللهُ تعالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [ المائدة: 1 ].

شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم

قم بقراءة المزيد من الأحاديث النبوية


الكتابالحديث
صحيح البخاريأن أعرابيا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام فأصاب الأعرابي
صحيح البخاريأن أعرابيا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام فأصابه وعك
صحيح البخاريأن أعرابيا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام فأصاب الأعرابي
صحيح البخاريجاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال بايعني على الإسلام فبايعه
صحيح الترمذيأن أعرابيا بايع النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام فأصابه وعك بالمدينة
صحيح النسائيأن أعرابيا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام فأصاب
صحيح مسلمحدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حديثا طويلا عن الدجال فكان
صحيح البخاريحدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا طويلا عن الدجال فكان فيما
صحيح البخاريحدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حديثا طويلا عن الدجال فكان
صحيح ابن حبانحدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدجال فقال فيما حدثنا
صحيح الجامعيأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينزل بعض السباخ
صحيح مسلميخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فتلقاه المسالح مسالح الدجال فيقولون له


أشهر كتب الحديث النبوي الصحيحة


صحيح البخاري صحيح مسلم
صحيح الجامع صحيح ابن حبان
صحيح النسائي مسند الإمام أحمد
تخريج صحيح ابن حبان تخريج المسند لشاكر
صحيح أبي داود صحيح ابن ماجه
صحيح الترمذي مجمع الزوائد
هداية الرواة تخريج مشكل الآثار
السلسلة الصحيحة صحيح الترغيب
نخب الأفكار الجامع الصغير
صحيح ابن خزيمة الترغيب والترهيب

قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Tuesday, November 19, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب