قعَدنا نفرٌ من أصحابِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فتذاكَرنا، فقلنا: لو نعلمُ أيَّ الأعمالِ أحبَّ إلى اللَّهِ لعملناهُ، فأنزلَ اللَّهُ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ، قالَ عبدُ اللَّهِ بنُ سلامٍ: فقرأَها علينا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالَ أبو سلَمةَ: فقرأَها علَينا ابنُ سلامٍ قالَ يحيى: فقرأَها علينا أبو سلمة قالَ ابنُ كثيرٍ: فقرأَها علَينا الأوزاعيُّ قالَ عبدُ اللَّهِ: فقرأَها علينا ابنُ كثيرٍ
الراوي : عبدالله بن سلام | المحدث : الألباني
| المصدر : صحيح الترمذي
الصفحة أو الرقم: 3309 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
كان القرآنُ الكريمُ يَنزِلُ على النَّبيِّ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم بالتَّشريعِ والتَّحليلِ والتَّحريمِ، ومُعالَجة ما يَجِدُّ على المسلِمين مِن أمورٍ؛ حتَّى يَهدِيَهم إلى الصِّراطِ المستقيمِ، ويتَّبِعوا النُّورَ والهُدى والحقَّ الَّذي فيه، كما يقولُ عبدُ
اللهِ بنُ سَلَامٍ رَضِي
اللهُ عَنه في هذا الحديثِ: "قَعَدْنا نفَرٌ مِن أصحابِ رسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم فتَذاكَرْنا"،
أي: جلَسْنا- نحن أصحابَ رسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم- وكنَّا بِضْعةَ رِجالٍ ما بينَ الثَّلاثةِ إلى العشَرةِ، فجعَلْنا نتكلَّمُ في أمورِ الدِّينِ، ونُذاكِرُ العِلمَ، "فقلنا: لو نَعلَمُ أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى
اللهِ لعَمِلْناه"،
أي: لو كان عِندَنا عِلمٌ أيُّ شَيءٍ مِن العَملِ هو أحبُّ إلى
اللهِ لفَعَلْناه تقَرُّبًا إلى
اللهِ، ورغبةً في رحمتِه، "فأنزَل
اللهُ"،
أي: فأنزل
اللهُ الآياتِ الَّتي في سورةِ الصَّفِّ:
{ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ } [
الصف: 1، 2 ]،
أي: لامَهم
اللهُ عزَّ وجلَّ على قَولِهم الشَّيءَ وإلزامِهم أنفُسَهم به، ثمَّ عدَمِ فِعلِهم له؛ وذلك أنَّهم لَمَّا قالوا: لو نَعلَمُ أحبَّ الأعمالِ إلى
اللهِ لفَعَلْناه، فأنزَل
اللهُ قولَه:
{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } [
الصف: 4 ]، فأعلَمَهم
اللهُ أنَّ أحَبَّ الأعمالِ إليه القتالُ في سبيلِه، فشَقَّ على بَعضِ المؤمِنين القِتالُ في سَبيلِ
اللهِ، واستَثقَلوه، فأنزَل
اللهُ قرآنًا يَلومُهم في ذلك، وقد رَوَى ابنُ أبي حاتمٍ وابنُ مَرْدَويهِ وابنُ المُنذِرِ وابنُ عساكِر أنَّ هذه الآياتِ نزَلَت في الأنصارِ؛ عبدِ
اللهِ بنِ رَوَاحةَ وغيرِه، تَمنَّوُا الجهادَ، فلمَّا نزَل فرضُه كَرِهوه؛ وهذا قاله ابنُ عبَّاسٍ ومُجاهدٌ.
وحُكِيَ: أنَّها نزَلَت في المنافقين، والتَّقديرُ على هذا:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا }،
أي: الَّذين حُكِم لهم بحُكمِ الإيمانِ.
قال عبدُ
اللهِ بنُ سَلَامٍ: "فقَرَأها علينا رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم"،
أي: قرَأ علينا النَّبيُّ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم آياتِ سورةِ الصَّفِّ:
{ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } [
الصف: 1- 4 ]، وتَسبيحُ
اللهِ: تقديسُه وتنزيهُه، وكلُّ مَن في السَّمواتِ والأرضِ يُقدِّسونه ويُنزِّهونه عن النَّقائصِ، وقولُه:
{ كَبُرَ مَقْتًا }،
أي: كَرِه
اللهُ هذا الفِعلَ مِنكم كُرهًا كبيرًا، بعدَ أن أعلَمَكم بما يُحِبُّه لكم ومنكم، وهو الجهادُ والقتالُ في سبيلِه، ثمَّ ثَقُلَ عليكُم، والبنيانُ المرصوصُ: هو البناءُ الَّذي يَشُدُّ بعضُه بعضًا، ويتَماسَكُ.
"قال أبو سَلمةَ: فقرَأها علينا ابنُ سَلَامٍ، قال يحيى: فقرَأها علينا أبو سَلمةَ، قال ابنُ كثيرٍ: فقرَأها علينا الأوزاعيُّ، قال عبدُ
اللهِ: فقرَأها علينا ابنُ كثيرٍ"،
أي: إنَّ كلَّ راوٍ مِن رُواةِ الحَديثِ قد قرَأ الآياتِ الَّتي نزَلَتْ مِن سُورةِ الصَّفِّ على مَن كان يَسمَعُ الحديثَ منه، فكلُّ رَاوٍ قد رَواها كما سَمِعها مِن الَّذي قبلَه، وهذا يُسمَّى عند علماءِ الحديثِ بالحديثِ المُسَلْسَل، ومن فوائدِه أنَّه يُظهِرُ اتِّصالَ السَّندِ دون انقطاعٍ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم