شرح حديث غلظ القلوب والجفاء في أهل المشرق والإيمان يمان والسكينة في
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
خَصَّ اللهُ سُبحانه وتَعالى بعضَ بِقاعِ الأرضِ ببَركاتٍ لم يَجعَلْها في غيرِها، وقد مدَحَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أهلَ اليَمنِ؛ لِمُسارَعتِهِم إلى الدَّعوَةِ ومُبادرتِهِم إلى قَبولِ الإيمانِ؛ فإنَّهمُ استَجابوا للإسلامِ بدُونِ مُحارَبةٍ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "غِلَظُ القُلوبِ"، أي: قَسْوتُها وعدَمُ فَهْمِها، "والجَفاءُ"، أي: الكُفْرُ وعَدمُ الإيمانِ، "في أهْلِ المَشرِقِ"، والمقصودُ: جميعُ المَشرقِ الأدنى والأقْصى والأوسطِ، وقد ظهَرَ فيهم فِتنةُ مُسَيلِمَةَ، وفِتنةُ المُرتدِّينَ؛ مِن رَبيعةَ ومُضَرَ وغيرِهما في الجزيرةِ العربيَّةِ، والمُرادُ اختصاصُ المَشرِقِ بمَزيدٍ مِن تَسلُّطِ الشَّيطانِ ومِن الكُفْرِ، "والإيمانُ يَمانٍ"، أي: إنَّ الإيمانَ يُنسَبُ إلى أهلِ اليَمنِ؛ لِانقيادِهِم إلى الإيمانِ مِن غَيرِ تَكلُّفٍ، فيكونُ صَفاءُ القلْبِ ورِقَّتُه ولِينُ جَوهَرِه مُوصلًا للعَبْدِ إلى عِرفانِ الحقِّ والتَّصديقِ به، وهو الإيمانُ والانقيادُ لِمَا يُوجِبُه ويَقْتضيهِ، فتكونُ قُلوبُهم مَعادنَ الإيمانِ، ويَنابيعَ الحِكمةِ، وهي قُلوبٌ مَنْشَؤها اليمَنُ، نُسِبَ إليه الإيمانُ والحِكمةُ معًا لانتسابِها إليه؛ تَنْويهًا بذِكْرِها، وتَعظيمًا لشأْنِها، و"يمانٍ": مَنسوبٌ إلى اليمنِ.
وقيل: معنى "الإيمانُ يمانٍ" أنَّه مكِّيٌّ؛ لأنَّه بدَأَ مِن مكَّةَ ونشَأَ منها، وإنَّما أضافَهُ إلى اليمنِ؛ لأنَّ مكَّةَ يَمانيَّةٌ؛ فإنَّها مِن تِهامةَ، وتِهامةُ مِن أرْضِ اليمَنِ.
وقيل: أرادَ به النِّسبةَ إلى مكَّةَ والمدينةِ، وهما كانا مِن ناحيةِ اليمنِ حيث قال ذلك؛ فإنَّه عليه السَّلامُ إنَّما قاله وهو بتَبوكَ مِن ناحيةِ الشَّامِ.
وقيل: أرادَ به النِّسبةَ إلى الأنصارِ؛ فإنَّهم نَصَروا الحقَّ وأظْهَروا الدِّينَ، وهم يَمانيَّةٌ، "والسَّكينةُ في أهْلِ الحِجازِ"، أي: السُّكونُ والطُّمأنينةُ والوَقارُ في أهْلِ الحِجازِ، وهم أهْلُ مكَّةَ والمدينةِ؛ مُبتدَأِ الدِّينِ ومُستقَرِّه وظُهورِه.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم