كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذْ أقْبَلَ أبو بَكْرٍ آخِذًا بطَرَفِ ثَوْبِهِ حتَّى أبْدَى عن رُكْبَتِهِ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَّا صَاحِبُكُمْ فقَدْ غَامَرَ، فَسَلَّمَ وقَالَ: إنِّي كانَ بَيْنِي وبيْنَ ابْنِ الخَطَّابِ شَيءٌ، فأسْرَعْتُ إلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أنْ يَغْفِرَ لي فأبَى عَلَيَّ، فأقْبَلْتُ إلَيْكَ، فَقَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لكَ يا أبَا بَكْرٍ، ثَلَاثًا، ثُمَّ إنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فأتَى مَنْزِلَ أبِي بَكْرٍ، فَسَأَلَ: أثَّمَ أبو بَكْرٍ؟ فَقالوا: لَا، فأتَى إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وجْهُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَمَعَّرُ، حتَّى أشْفَقَ أبو بَكْرٍ، فَجَثَا علَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، واللَّهِ أنَا كُنْتُ أظْلَمَ، مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إلَيْكُمْ فَقُلتُمْ: كَذَبْتَ، وقَالَ أبو بَكْرٍ: صَدَقَ، ووَاسَانِي بنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَهلْ أنتُمْ تَارِكُوا لي صَاحِبِي؟ مَرَّتَيْنِ، فَما أُوذِيَ بَعْدَهَا.
الراوي : أبو الدرداء | المحدث : البخاري
| المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 3661 | خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ]
لا شكَّ أنَّ الصَّحابةَ رِضوانُ
اللهِ عليهم بشَرٌ، ويَعْتَريهم ما يَعْتَري البَشرَ مِن غضَبٍ وخِلافٍ، ولكنَّهم سُرْعانَ ما يَرجِعونَ إلى الحقِّ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي أبو الدَّرْداءِ رَضيَ
اللهُ عنه أنَّه كان جالسًا عندَ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ مرَّةٍ، فدَخَل عليهم أبو بَكرٍ رَضيَ
اللهُ عنه وهو مُمسِكٌ بطَرَفِ ثَوبِه، رافِعًا إيَّاه حتَّى أظهَرَ رُكبَتَيْه، فقال النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
أمَّا صاحِبُكم فقدْ غامَرَ»،
أي: خاصَمَ، والمَعنى: دخَل في غَمرةِ الخُصومةِ، فأخبَرَه أبو بَكرٍ رَضيَ
اللهُ عنه أنَّه حَدَث بيْنه وبيْن عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ
اللهُ عنه شَيءٌ،
أي: مُحاوَرةٌ، «
فأسرَعْتُ إليه»،
أي: أغضَب أبو بَكرٍ عُمَرَ، فانصرَفَ عنه مُغضَبًا، ثمَّ إنَّ أبا بَكرٍ رَضيَ
اللهُ عنه نَدِم على ما بَدَر منه تُجاهَ عُمَرَ رَضيَ
اللهُ عنه، فطَلَب مِن عُمَرَ رَضيَ
اللهُ عنه أنْ يَغفِرَ له ويَعْفو ويَصفَحُ، فرفَضَ عُمَرُ؛ ولذلك أقبَلَ أبو بَكرٍ إلى النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا سَمِع النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ ما أخبَرَ به أبو بَكرٍ رَضيَ
اللهُ عنه، قال: «
يَغفِرُ اللهُ لكَ يا أبا بَكرٍ»، ثَلاثَ مرَّاتٍ، تَقْديرًا لأبي بَكرٍ وحُبًّا له، ثمَّ إنَّ عُمَرَ رَضيَ
اللهُ عنه نَدِم على ذلك، فأتَى مَنزِلَ أبي بَكرٍ رَضيَ
اللهُ عنه؛ ليُزيلَ ما وقَعَ بيْنه وبيْن الصِّدِّيقِ رَضيَ
اللهُ عنه، فسَأَلَ أهلَه: «
أَثَمَّ أبو بَكرٍ؟»
أي: أهُنَا أبو بَكرٍ؟ فقالوا له: لا، فأتى إلى النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ فسلَّمَ عليه، فلمَّا رَآه جعَلَ وَجْهُ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ يَتمَعَّرُ،
أي: تَذهَبُ نَضارَتُه مِنَ الغضَبِ، حتَّى «
أشفَقَ»،
أي: خاف أبو بَكرٍ رَضيَ
اللهُ عنه، وخاف أنْ يَنالَ عُمَرَ رَضيَ
اللهُ عنه مِن رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ ما يَكرَهُه، «
فجَثا»،
أي: برَكَ أبو بَكرٍ رَضيَ
اللهُ عنه على رُكبَتَيْه مُتذَلِّلًا، فقال: يا رَسولَ
الله، و
اللهِ أنا كُنتُ أظلَمَ منه في ذلك، وأعادَ أبو بَكرٍ رَضيَ
اللهُ عنه هذا القولَ؛ لأنَّه هو الَّذي بَدأ عُمَرَ رَضيَ
اللهُ عنه، فقال النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ حينَها: «
إنَّ اللهَ بعَثَني إليكم فقُلتُم: كذَبْتَ، وقال أبو بَكرٍ: صدَقْتَ، ووَاسَانِي بنَفْسِهِ ومَالِهِ»، وفي هذا القَولِ ما لا يَخْفى مِن تَعْديدِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ لفَضائلِ أبي بَكرٍ رَضيَ
اللهُ عنه؛ فقدْ صدَّقَه حينَ كذَّبَه النَّاسُ، وسانَدَ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بنفْسِه ومالِه؛ حيث هاجَرَ معَه، وكان المُشرِكونَ يُريدونَ قَتْلَه، وقدَّمَ له المالَ الكَثيرَ مِن أجْلِ نَشْرِ دَعْوةِ الإسْلامِ؛ لذا قال النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ في آخِرِ الحَديثِ: «
فهل أنتم تارِكو لي صاحِبي؟»، وكانت هذه العِبارةُ منَ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ سَببًا في عَدمِ إيذاءِ أبي بَكرٍ رَضيَ
اللهُ عنه بعْدَ ذلك.
وفي الحَديثِ: مَدْحُ المَرءِ في وَجهِه إذا أُمِنَ عليه الاغْتِرارُ.
وفيه: سُؤالُ الاستِغْفارِ، والتَّحلُّلُ منَ الظُّلمِ.
وفيه: مَنقَبةٌ ظاهِرةٌ للصِّدِّيقِ رَضيَ
اللهُ عنه.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم