من أين لَكُمْ هذا ؟ .
فقُلْتُ : خَرَجْنا بهِ يا رسولَ اللهِ ! مِنَ المدينةِ ، قال جابرٌ : وعندَنا صاحِبٌ لَنا نُجَهِّزُهُ [ لِيذهبَ ] يَرْعَى ظَهَرْنا ، قال : فَجَهَّزْتُهُ ، ثُمَّ أَدْبَرَ يَذْهَبُ في الظَّهْرِ ، وعليهِ بُرْدَانِ لهُ قد خَلُقَا ، قال : فَنظرَ إليهِ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، فقال : أَما لهُ ثَوْبانِ غيرُ هَذَيْنِ ؟ ! .
قال : فقُلْتُ : [ بلى ] يا رسولَ اللهِ ! لهُ ثَوْبانِ في العَيْبَةِ كَسَوْتُهُ إِيَّاهُما ، قال : فَادْعُهُ فَمُرْهُ فَلْيَلْبَسْهُما ، [ قال : فَدَعَوْتُهُ ، فَلَبِسَهُما ] .
ثُمَّ ولَّى يَذْهَبُ ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ما لهُ ضربَ اللهُ عُنُقَهُ ؟ ! أَليسَ هذا خيرًا ؟ ! .
فَسمعَهُ الرجلُ ، فقال : يا رسولَ اللهِ ! في سبيلِ اللهِ ؟ [ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : في سبيلِ اللهِ ] ، فَقُتِلَ الرجلُ في سبيلِ اللهِ
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : الألباني
| المصدر : صحيح الموارد
الصفحة أو الرقم: 1201 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
التخريج : أخرجه مالك ( 2/910 )، والبزار كما في ( (كشف الأستار )) للهيثمي ( 2962 )، وابن حبان ( 5418 ) واللفظ له
في هذا الحَديثِ يقولُ جابرُ بنُ عبدِ
اللهِ الأنصاريُّ رضِيَ
اللهُ عنهما -كما في تَمامِ الرِّوايةِ عندَ ابنِ حِبَّانَ-: "خرَجْنا مع رسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزوةِ بني أنْمارٍ"، وكانت في ربيعٍ الأوَّلِ سنةَ ثلاثٍ مِن الهـجرةِ، وهي غَزوةُ غَطَفانَ، وتُعرَفُ بذي أَمَرَ، وسبَبُها أنَّ جمعًا مِن بني ثَعلبةَ ومُحاربٍ تَجمَّعوا يُرِيدون أنْ يُصيبوا مِن أطرافِ المدينةِ، فخرَجَ إليهم رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا سَمِعوا بذلك هَرَبوا في رُؤوسِ الجِبالِ خوفًا؛ فكان النَّصرُ بالرُّعبِ، فرجَعَ ولم يَلْقَ حرْبًا، قال جابرٌ رضِيَ
اللهُ عنه: "فبيْنا أنا نازلٌ تحتَ شَجرةٍ"،
أي: جالسٌ تحتَ ظِلِّها، "إذا رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ"،
أي: وجَدَ رسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ يَمُرُّ بجانبِه، "فقلْتُ: يا رسولَ
اللهِ، هَلُمَّ إلى الظِّلِّ"،
أي: دعاهُ لِيَجلِسَ في الظِّلِّ، "قال: فنزَلَ رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، فقُمْتُ إلى غِرارةٍ لنا"، وهي ما يُحفَظُ فيه المتاعُ، "فالْتمسْتُ فيها شيئًا"،
أي: بَحثْتُ فيها عن شَيءٍ يُؤكَلُ أُقَدِّمُه له صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، "فوجَدْتُ فيها جِرْوَ قِثَّاءٍ"،
أي: واحدةً صغيرةً مِن القِثَّاءِ، وقيل: المستطيلةُ، والقِثَّاءُ: اسمٌ لِمَا يُسمِّيه الناسُ الخيارَ والعَجُّورَ، والفقُّوسَ، وبعضُهم يُطلِقُه على نوعٍ يُشبِهُ الخيارَ، "فكسَرْتُه"،
أي: قطَعْتُه له؛ لِيَسهُلَ تَناوُلُه ويَكثُرَ عَددُه، "ثمَّ قرَّبْتُه إلى رسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: مِن أين لكمْ هذا؟" وهذا السُّؤالُ لِمَا علِمَه مِن عدَمِه بذلك الموضعِ وتعذُّرِ وُجودِه، "فقلْتُ: خرَجْنا به -يا رسولَ
اللهِ- مِن المدينةِ"،
أي: أحضَرْناه مَعنا مِن المدينةِ، قال جابرٌ رضِيَ
اللهُ عنه: "وعندنا صاحبٌ لنا نُجهِّزُه"،
أي: نُهيِّئُ له أمْرَه بما يَحتاجُ إليه في تَوجُّهِه؛ "لِيَذهَبَ يَرعى ظَهرَنا"، وهي الإبلُ والدَّوابُّ التي معهم، "فجهَّزْتُه، ثمَّ أدبَرَ يَذهَبُ في الظَّهرِ"،
أي: مَشى لِيَذهَبَ، "وعليه بُردانِ"،
أي: ثوبانِ، "له قد خَلُقَا"،
أي: قَديمانِ ومُقطَّعانِ، "فنظَرَ إليه رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: أمَا له ثوبانِ غيرُ هذينِ؟!" أنكَرَ عليه بَذاذتِه؛ لِمَا يُؤدِّي إلى ذِلَّتِه، "قال: فقلْتُ: [
بلى ] يا رسولَ
اللهِ، له ثوبانِ في العَيبةِ"، وهي ما يُحفَظُ فيه المتاعُ، "كَسوتُه إيَّاهما"،
أي: أعطَيتُهما له لِيَلْبَسَهما، فقال النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: "فادْعُه فمُرْهُ فلْيَلبَسْهما"، أرسَلَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ جابرًا؛ لِيَأمُرَ الرَّجلَ أنْ يَلبَسَ ما عنده مِن الثِّيابِ غيرِ التي عليه، قال جابرٌ رضِيَ
اللهُ عنه: "فدَعَوتُه، فلَبِسَهما"، وقد فُسِّرَ إنكارُ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ على الرَّجلِ هَيئتَه الرَّثةَ؛ لأنَّه قد علِمَ سَعةَ أحوالِ الناسِ في ذلك الوقتِ، فيَنبغي أنْ يُظهِرَ نِعمةَ
اللهِ عليه، ويَحتمِلُ أنَّه كرِهَ ذلك؛ لِمَا يُخافُ أنْ يُعتقَدَ أنَّ ذلك شَرعٌ أو مُباحٌ مع القُدرةِ على اللِّباسِ المُعتادِ، وقيل: كَرِهَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ هذا الملبَسَ؛ لأنَّه غيرُ المُعتادِ، فيكونُ لِباسَ شُهرةٍ، وقيل: يَحتمِلُ أنَّه لمَّا كان في غزْوٍ، وكان بقُربِ المشركينَ، ولهم عَيونٌ فيَرَون عليهم مِثلَ هذا الملبَسِ، فيَعتقِدون فيهم مِن ضَعفِ الحالِ ما يُقوِّي نُفوسَهم ويُؤكِّدُ طمَعَهم في المسلمينَ؛ فأراد إظهارَ القُوَّةِ وصلاحَ الحالِ؛ لِتَضعُفَ نُفوسُهم ويَقِلَّ طمَعُهم.
"ثمَّ ولَّى يَذهَبُ"،
أي: ذهَبَ لِيَرعى الظَّهرَ، "فقال رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: ما له! ضرَبَ
اللهُ عُنقَه؟!" وهذه كلمةٌ تقولُها العَربُ عندَ إنْكارِ أمْرٍ ولا تُرِيدُ بذلك الدُّعاءَ على مَن تُقال له، ويُرِيدُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بذلك الدُّعاءَ له بالشَّهادةِ، وكان صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ قلَّما يقولُ مِثلَ هذا إلَّا كان، "أليس هذا خيرًا؟!" بمعنى: أليستْ هذه الهَيئةُ النَّظيفةُ الطَّيِّبةُ خيرًا مِن الهيئةِ القبيحةِ الرَّثةِ؟ "فسمِعَه الرَّجلُ"،
أي: سمِعَ قولَ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ:
( ضرَبَ اللهُ عُنقَه )، فقال الرَّجلُ: "يا رسولَ
اللهِ، في سَبيلِ
اللهِ؟" وهذا استفهامٌ أراد به أنْ يُوجِّهَ قولَ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لِيَكونَ دُعاءً له بالقتْلِ في سَبيلِ
اللهِ، وكأنَّه لمَّا سمِعَ ذلكَ تيقَّنَ وُقوعَ ما يَقولُه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، فسَأَلَ أنْ يكونَ في سَبيلِ
اللهِ، فقال رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: "في سَبيلِ
اللهِ"، فأقَرَّه النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ على فَهمِه ورَغبتِه، قال جابرٌ رضِيَ
اللهُ عنه: "فقُتِلَ الرَّجلُ في سَبيلِ
اللهِ"، كما قال عنه النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحديثِ: أنَّ دعوةَ رسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ مُستجابةٌ.
وفيه: الحثُّ على الاهتمامِ بالمَظهرِ الطَّيِّبِ عندَ النِّعمةِ
( ).
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم