عن سلمانَ الفارسيِّ قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ كاتِبْ فسألْتُ صاحِبي ذلك فلم أزلْ به حتى كاتبَني على أن أُحيِيَ له ثلاثَمائةِ نخلةٍ وبأربعينَ أوقيةً من ذهبٍ فأخبرْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ بذلك فقال لي اذهبْ ففقِّرْ لها فإذا أردْتَ أن تضعَها فلا تضعْها حتى تَأتيَني فتؤذِني فأكونَ أنا الذي أضعُها بِيدي قال فقمْتُ بِتفقيري وأعانَني أصحابي حتى فقرْتُ لها سَرَبَها ثلاثَمائةِ سَريةٍ وجاء كلُّ رجلٍ بما أعانني به منَ الخلِّ ثم جاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فجعلَ يضعُهُ بِيدهِ ويُسوِّي عليْها ترابَها ويُبرِّكُ حتى فرغَ منها فوالذي نفسُ سلمانَ بيدِهِ ما ماتَتْ منها وديةٌ وبقيَتِ الذهبُ فبينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ إذ أتاهُ رجلٌ من أصحابِهِ بمِثلِ البيضةِ من ذهبٍ أصابَها من بعضِ المعادنِ فقال عليْهِ الصلاةُ والسلامُ ما فعل الفارسيُّ المسكينُ المُكاتبُ ادعوهُ لي فدُعيتُ فجئْتُ فقال اذهبْ بهذهِ فأدِّها بما عليكَ منَ المالِ فقلْتُ وأين تقعُ هذه يا رسولَ اللهِ ممَّا عليَّ فقال إنَّ اللهَ سيؤدِّي عنك ما عليكَ منَ المالِ قال فوالذي نفسي بيدِهِ لقد وزَنْتُ له منها أربعينَ أوقيةً حتى أوفيتُهُ الذي عليَّ
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : ابن حزم
| المصدر : المحلى
الصفحة أو الرقم: 9/226 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
في هذا الحديثِ طرفٌ مِن قِصَّةِ الصَّحابيِّ الجَليلِ سلمانَ الفارسيِّ ورحلةِ بحْثِه عن الحقِّ، وقد رواها عبدُ
اللهِ بنُ عبَّاسٍ، عن سلمانَ الفارسيِّ رضِيَ
اللهُ عنهما بطُولِها،
وفيها أنَّ سلمانُ رضِيَ
اللهُ عنه قال: "قال لي رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم: كاتِبْ" والمُكاتَبةُ: هي الاتِّفاقُ بين العبْدِ والمالِكِ على قيمةٍ يَدفَعُها المملوكُ، ثمَّ يَصِيرُ حُرًّا، قال سلمانُ رضِيَ
اللهُ عنه: "فسألْتُ صاحبي ذلك"،
أي: سألتُ مَن يَملِكُ رَقَبتي مُكاتَبتي، "فلم أزَلْ به حتَّى كاتَبَني على أنْ أُحْيِيَ له ثلاثَ مائةِ نخلةٍ"،
أي: أزْرَعُها له وأرعاها حتَّى تصِحَّ وتُصبِحَ حيَّةً في الأرضِ، "وبأربعينَ أُوقِيَّةً مِن ذهبٍ" يَدفَعُها له نقْدًا، والأُوقِيَّةُ تزِنُ وتُعادِلُ 28.35 جرامًا مِن الذَّهبِ الخالصِ بميزانِ الوقتِ الحديثِ، "فأخبرْتُ رسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم بذلك، فقال لي: اذهَبْ، ففَقِّرْ لها"، والتَّفقيرُ: هو حفْرُ حُفرةٍ للفسيلةِ الصَّغيرةِ مِن النَّخلةِ إذا حُوِّلَت مِن مَغرسِها المؤقَّتِ لِتُغرَسَ فيها؛ لتكونَ مكانَها الدَّائمَ، "فإذا أردْتَ أنْ تضَعَها"،
أي: في حُفرتِها، "فلا تضَعْها حتَّى تأْتِيَني فتُؤْذِنني"،
أي: تُعْلِمني بذلك، "فأكونَ أنا الذي أضَعُها بيَدِي، قال: فقمْتُ بتَفْقِيري"،
أي: بحَفْرِ حُفَرِ النَّخلِ كلِّها، "وأعانني أصْحابي"،
أي: ساعَدوني، "حتَّى فَقَّرْتُ لها شِربَها"،
أي: أماكنَها المحفورةَ، "ثلاثَ مِئةِ سَرْبةٍ، وجاء كلُّ رجلٍ بما أعانَني به مِن النَّخلِ، ثمَّ جاء رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم، فجعَلَ يَضَعُه بيَدِه ويُسوِّي عليها تُرابَها ويُبرِّكُ"،
أي: يدْعو بالبركةِ، "حتَّى فرَغَ منها، فوالَّذي نفْسُ سلمانَ بيَدِه، ما ماتَتْ منها وَدِيَّةٌ"، وهي النَّخلةُ الصَّغيرةُ، "وبقِيَت الذَّهبُ، فبيْنا رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم، إذ أتاهُ رجلٌ مِن أصحابِه بمِثلِ البيضةِ مِن ذهبٍ أصابَها مِن بعضِ المعادنِ"،
أي: أتاهُ بها زكاةً لِمَا وجَدهُ مِن مَعدنِ في الأرضِ، "فقال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ما فعَلَ الفارسيُّ المسكينُ"،
أي: الفقيرُ الذي لا يَملِكُ شيئًا، أو المسكينُ الذي يَستحِقُّ الشَّفقةَ، "المكاتَبُ؟"
أي: الذي واعَدَ مَن يَملِكُ رَقبتَه على تَحريرِه مِن الرِّقِّ، "ادْعُوه لي"،
أي: اسْتَدعوه ليأتِيَ، قال سلمانُ رضِيَ
اللهُ عنه: "فدُعِيتُ فجِئْتُ، فقال: اذهَبْ بهذه فأَدِّها"،
أي: ادْفَعْها، "بما عليك مِن المالِ، فقلْتُ: وأين تقَعُ هذه يا رسولَ
اللهِ ممَّا عليَّ؟! فقال: إنَّ
اللهَ سَيُؤدِّي عنك ما عليك مِن المالِ، قال: فوالَّذي نَفْسي بيَدِه، لقد وزَنْتُ له منها أربعينَ أُوقِيَّةً حتَّى أَوفَيْتُه الذي عليَّ"،
أي: أعْطَيْتُه منها ما طلَبَه؛ أربعينَ أُوقِيَّةً مِن الذَّهبِ، وهذا مِن قُدرةِ
اللهِ سُبحانه وتعالى وبركةِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم.
وفي الحديثِ: مَنقبةٌ للصَّحابيِّ الجليلِ سلمانَ الفارسيِّ رضِيَ
اللهُ عنه.
وفيه: بيانُ بركةِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه: سُرعةُ تَنفيذِ الصَّحابةِ رضِيَ
اللهُ عنهم لأمْرِ رَسولِ
اللهِ، وإعانتُهم لإخوانِهم .
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم