كُنَّا عِنْدَ أبِي هُرَيْرَةَ وعليه ثَوْبَانِ مُمَشَّقَانِ مِن كَتَّانٍ، فَتَمَخَّطَ، فَقالَ: بَخْ بَخْ، أبو هُرَيْرَةَ يَتَمَخَّطُ في الكَتَّانِ، لقَدْ رَأَيْتُنِي وإنِّي لَأَخِرُّ فِيما بيْنَ مِنْبَرِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى حُجْرَةِ عَائِشَةَ مَغْشِيًّا عَلَيَّ، فَيَجِيءُ الجَائِي فَيَضَعْ رِجْلَهُ علَى عُنُقِي، ويُرَى أنِّي مَجْنُونٌ، وما بي مِن جُنُونٍ ما بي إلَّا الجُوعُ.
الراوي : محمد بن سيرين | المحدث : البخاري
| المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 7324 | خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ]
صَبَرَ الصَّحابةُ رَضيَ
اللهُ عنهم على الفقرِ والجُوعِ، وخاصَّةً في أوَّلِ الدَّعوةِ وأوَّلِ الهِجرةِ، ولكنَّهم ثبَتوا على الحقِّ حتَّى مكَّنَ
اللهُ سُبحانَه لدينِه وفتَحَ عليهمُ الفُتوحَ، فأبلَغوا رسالةَ
اللهِ إلى النَّاسِ.
وفي هذا الحديثِ يَروي التَّابعيُّ مُحمَّدُ بنُ سيرينَ أنَّه كانَ مع النَّاسِ عندَ أبي هُرَيرةَ رَضيَ
اللهُ عنه، وكانَ على أبي هُرَيرةَ رَضيَ
اللهُ عنه ثَوبانِ مُمشَّقانِ،
أي: مَصبوغانِ بالمَشقِ، وهو الطِّينُ الأحمرُ، وهذا الثَّوبُ مَنسوجٌ «
مِن كَتَّانٍ»، وهو نَباتٌ تُتَّخذُ الثِّيابُ من أليافِه المنسوجةِ، وثيابُه مُعتدِلةٌ في الحَرِّ والبَردِ واليُبوسةِ، ولا يَلصَقُ بالبَدنِ، «
فتَمخَّطَ»، أيِ: استنثَرَ وأخرَجَ بعضَ اللُّعابِ من فمِه وجَعَلَه في الثَّوبِ الكَتَّانِ، ولكنَّه لمَّا فَعَلَ ذلك تَعجَّبِ من حالِ نفسِه «
فقالَ: بَخْ بَخْ»، وهي كلمةٌ تُقالُ عندَ الرِّضا والإعجابِ «
أبو هُرَيرةَ يَتمخَّطُ في الكَتَّانِ!» وهو في هذا يَتعجَّبُ من تَبدُّلِ حالِه منَ الفَقرِ إلى الغِنى، فذَكَرَ للحاضِرين معه بعضَ مَظاهِرِ فَقرِه قَديمًا؛ وذلك أنَّه كانَ يَسقُطُ مَغشيًّا عليه في المَسجِدِ النَّبويِّ بين مِنبَرِ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ إلى حُجرةِ عائشةَ، فكانَ يَقَعُ مُغمًى عليه منَ الضَّعفِ وانهيارِ قوَّةِ جَسدِه، وكانَ أبو هُرَيرةَ رَضيَ
اللهُ عنه مُقيمًا في المَسجِدِ مع أصحابِ الصُّفَّةِ الفُقراءِ الذين لا مَأوَى لهُم، ويَعيشونَ على صدقاتِ النَّاسِ وما يُؤتَى به إلى النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ من هَدايا الطَّعامِ.
ثُمَّ ذَكَرَ أنَّه كانَ يأتي الشَّخصُ، فيَضَعُ رِجلَه على رَقبةِ أبي هُرَيرةَ ظَنًّا منه أنَّ أبا هُرَيرةَ رَضيَ
اللهُ عنه مَجنونٌ، وأنَّه صُرِعَ لجُنونِه وفقَدَ عقلَه، وتلك عادتُهم بالمجنونِ حتَّى يُفيقَ، والحقيقةُ أنَّه كانَ يَسقُطُ من شِدَّةِ الجُوعِ، ثُمَّ بعدَ أن فُتِحَتِ الفُتوحُ في عهدِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدين وكَثُرَ المالُ، تَغيَّرَ حالُه وحالُ كثيرٍ غيرِه إلى الغِنى.
وفي الحديثِ: بيانُ كيفَ كانَ أبو هُرَيرةَ رَضيَ
اللهُ عنه يُعاني منَ الجُوعِ والفقرِ، ولو شاءَ لَخَرَجَ يُتاجِرُ في المدينةِ مِثلَ غيرِه، أو يَعمَلُ عندَ أحدٍ من أهلِ المدينةِ فيُطعِمُه ويَسقيه ويُعطيه، ولكن كانَ همُّ أبي هُرَيرةَ رَضيَ
اللهُ عنه أن يَحفَظَ منَ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ ويَتعلَّمَ منه، ويَدعو له النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: مَشروعيَّةُ التَّحديثِ بنِعمةِ
اللهِ على الإنسانِ أمامَ النَّاسِ لتَعليمِهمُ الصَّبرَ على الشَّدائدِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ لُبسِ الرَّجلِ الكَتَّانَ المَصبوغَ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم