إنَّ اللهَ جَلَّ وعَزَّ لمَّا خَلَقَ آدَمَ مَسَحَ ظَهرَه، فجَرَتْ من ظَهْرِه كلُّ نَسَمَةٍ هو خالِقُها إلى يومِ القيامةِ، ونَزَعَ ضِلَعًا من أضلاعِه، فخَلَقَ منه حَوَّاءَ، ثم أَخَذَ عليهم العَهدَ والميثاقَ: { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ } قال ثمَّ أقبَسَ كُلَّ نَسَمةِ رجُلٍ مِن بني آدَمَ بنورِه في وجهِه، وجَعَلَ فيه البلوى الذي كَتَبَ أنَّه يبتليه بها في الدُّنيا من الأسقامِ، ثم عَرَضَهم على آدَمَ، فقال: يا آدَمُ، هؤلاءِ ذُريَّتُك، فإذا فيهم الأجذمُ والأبرصُ والأعمى وأنواعُ الأسقامِ، فقال آدَمُ: لِمَ فَعَلتَ هذا بذُريَّتي؟ قال: كي يَشكُروا نِعْمَتي يا آدَمُ، فقال آدَمُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: يا رَبِّ، مَن هؤلاء الذين أراهم أظهَرَ النَّاسِ نورًا؟ قال: هؤلاء الأنبياءُ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ يا آدَمُ مِن ذُرِّيَّتِك، قال: فمَن هذا الذي أراه أظهَرَهم نورًا؟ قال: هذا داودُ يكونُ في آخرِ الأُمَمِ، قال: يا رَبِّ، كم جعَلْتَ عُمُرَه؟ قال: ستِّين سنةً، قال: يا رَبِّ كم جعَلْتَ عُمُري؟ قال: كذا وكذا، قال: يا رَبِّ، فزِدْه مِن عُمُري أربعينَ سَنةً حتى يكونَ عُمُرُه مائةَ سَنةٍ، قال: أتفعَلُ يا آدَمُ؟ قال: نعَمْ يا رَبِّ، قال: نكتُبُ ونختِمُ؟ إنَّا إنْ كَتَبْنا وخَتَمْنا لم نُغَيِّرْ، قال: فافعَلْ يا رَبِّ، قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فلمَّا جاء مَلَكُ الموتِ إلى آدَمَ لِيَقبِضَ رُوحَه قال: ماذا تريدُ يا مَلَكَ الموتِ؟ قال: أُريدُ قَبْضَ رُوحِك، قال: ماذا تريدُ يا مَلَكَ الموتِ؟ قال: أُريدُ قَبْضَ رُوحِك، قال: ألم يَبْقَ مِن أجَلي أربعون سنةً، قال: ألم تُعْطِها ابنَك داودَ؟ قال: لا، قال: فكان أبو هُرَيرةَ يقولُ: فنَسِيَ آدَمُ؛ فنَسِيَت ذُرِّيَّتُه، وجَحَد آدَمُ؛ فجَحَدت ذُرِّيَّتُه، قال محمَّدُ بنُ شُعَيبٍ: وأخبرني أبو الحَفصِ عُثمانُ بنُ أبي العاتِكةِ أنَّ عُمُرَ آدَمَ كان ألفَ سَنةٍ
الراوي : أبو هريرة | المحدث : ابن منده
| المصدر : الرد على الجهمية
الصفحة أو الرقم: 50 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
خَلَقَ
اللهُ تَعالى آدَمَ عليه السَّلامُ بيَدِه، وكَرَّمَه وأسجَدَ له مَلائِكتَه، وخَلَقَ مِنه حوَّاءَ، وجَعَلَ مِنهما الذُّرِّيَّةَ والنَّسلَ، وأجْرَى عليهِم المقاديرَ بحِكمَتِه، وكما فَعَلَ آدمُ عليه السَّلامُ فعَلَتْ ذُرِّيَّتُه مِن بَعدِه؛ مِن النِّسيانِ وغيرِ ذلك، كما يقولُ رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحديثِ: "إنَّ
اللهَ عزَّ وجلَّ لَمَّا خَلَقَ آدمَ مَسَحَ ظَهرَه، فجَرَتْ من ظَهرِه كُلُّ نَسَمةٍ هو خالِقُها إلى يومِ القيامَةِ"، ومَعْناه: أنَّ
اللهَ عزَّ وجلَّ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ من تُرابٍ، مَسَحَ على ظَهرِ آدَمَ بيَمينِه سُبحانَه كما في الرِّواياتِ، فخَرَجَ من ظَهرِه كُلُّ نَفْسٍ ورُوحٍ بَشَريَّةٍ خالِقُها
اللهُ إلى يومِ القيامَةِ، "ونَزَعَ ضِلَعًا من أضلاعِه، فخَلَقَ منه حواءَ"،
أي: ضِلَعًا من آدَمَ عليه السَّلامُ، فخَلَقَ منه حواءَ؛ فحواءُ خُلِقتْ من حَيٍّ وهو آدَمُ، ولعلَّ هذا هو سِرُّ تَسميتِها بحَوَّاءَ، "ثم أَخَذَ عليهم العَهدَ والميثاقَ:
{ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ } [
الأعراف: 172 ]"، والميثاقُ: هو العَهدُ الذي أخَذَه
اللهُ تَعالى من آدَمَ وذُريَّتِه، وحقيقةُ هذا العَهدِ اختُلِفَ فيه؛ فقيل: إنَّ
اللهَ تَعالى استَخْرَجَ ذُريَّةَ آدَمَ من صُلبِه أو من ظَهرِه، وأشهَدَهم على أنْفُسِهم بلِسانِ المَقالِ بأنَّ
اللهَ ربُّهم ثم عاهَدَهم، وأنَّ
اللهَ ميَّزهم إلى أصحابِ اليَمينِ، وإلى أصحابِ الشِّمالِ، فيكونُ العهدُ على هذا: أنَّ
اللهَ سُبحانَه أخرَجَ الأرواحَ قبلَ خَلْقِ الأجسادِ، وأنَّه جَعَلَ فيها من المَعرِفَةِ ما عَلِمَتْ ما خاطَبَها به ربُّها، فشَهِدَتْ ونَطَقَتْ، وقيل: إنَّ
اللهَ استَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ بني آدَمَ بعضَهم من بعضٍ من أصلابِهم بعدَ الولادَةِ، شاهِدينَ على أنْفُسِهم أنَّ
اللهَ ربُّهم ومَلِيكُهم، وأنَّه لا إلهَ إلَّا هو.
ومعنى أشهَدَهم على أنْفُسِهم: أنَّه أشهدَهم بلِسانِ الحالِ لا بلِسانِ المَقالِ،
أي: دَلَّهم على تَوحيدِه وفَطَرَهم عليه؛ بأنْ بَسَطَ لهم الأدِلَّةَ على رُبوبيتِه ووَحْدانيَّتِه، وشَهِدَتْ بها عُقولُهم وبصائِرُهم التي رَكَّبَها
اللهُ فيهم، فكلُّ بالِغٍ يَعلَمُ ضَرورةَ أنَّ له ربًّا واحِدًا، فشَهِدوا جميعًا على هذا العَهدِ وذاك الميثاقِ.
"ثم أقبَسَ كُلَّ نَسَمةِ رَجُلٍ من بني آدَمَ بنورِه في وجهِه"، أقبَسَ مِن القَبَسِ، وهو: العلامَةُ التي تُتَّخَذُ من النُّورِ أو النارِ، والمعنى: جَعَلَ عليهم علامةً من نورٍ، "وجَعَلَ فيه البلوى الذي كَتَبَ أنَّه يَبْتليهِ بها في الدُّنيا من الأسقامِ"،
أي: جَعَلَ في وُجوهِهم الأمراضَ والمصيبةَ التي ستُصيبُ كُلَّ واحِدٍ منهم في الدُّنيا، "ثم عَرَضَهم على آدَمَ"،
أي: جَعَلَ
اللهُ آدَمَ يراهم على تلك الحالِ، "فقال: يا آدَمُ، هؤلاءِ ذُرِّيَّتُك، فإذا فيهم الأجذمُ، والأبرَصُ، والأعمى، وأنواعُ السِّقامِ، فقال آدَمُ: لِمَ فَعَلتَ هذا بذُرِّيَّتي؟"، وهو سؤالُ استِفْهامٍ لا إنكارٍ، "قال: كي يَشْكُروا نِعْمَتي يا آدَمُ"،
أي: إنَّهم إذا ابْتُلوا بهذه الأمراضِ عَرَفوا مِقدارَ نِعمَةِ
اللهِ عليهم، "فقال آدَمُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: يا ربِّ، مَن هؤلاءِ الذين أراهم أظهَرَ الناسِ نورًا؟"،
أي: أكثَرَ بني آدَمَ نورًا وضِياءً، "قال: هؤلاءِ الأنبياءُ -عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ- يا آدَمُ، من ذُرِّيَّتِك"، والمعنى: أنَّه لَمَّا نَظَرَ آدَمُ إلى ذُريَّتِه رأى فيهم قومًا يظهَرُ فيهم النورُ، وكأنَّه صِفةٌ مُميَّزةٌ لهم، فكان هؤلاءِ الأنبياءُ همُ الذين يَظهَرُ نورُهم على العالَمين، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ بهم تكونُ الهِدايةُ وطَريقُ الحَقِّ.
"قال: فمَن هذا الذي أراهُ أظهَرَهم نورًا؟ قال: هذا داوُدُ يكونُ في آخِرِ الأُمَمِ، قال: يا ربِّ كم جَعَلتَ عُمُرَه؟ قال: سِتينَ سَنَةً، قال: يا ربِّ كم جَعَلتَ عُمري؟ قال: كذا وكذا، قال: يا ربِّ، فزِدْهُ من عُمري أربعين سَنَةً حتى يكونَ عُمرُه مِئَةَ سَنَةٍ، قال: أتفعَلُ يا آدَمُ؟ قال: نَعَمْ يا ربِّ، قال: نكتُبُ ونَختِمُ؟ إنَّا إنْ كَتَبْنا وخَتَمْنا لم نُغيِّرْ؟ قال: فافعَلْ يا ربِّ"، وكأنَّ آدَمَ عليه السَّلامُ رَأى أنَّ السِّتينَ سَنَةً عُمرٌ قليلٌ على نَبيِّ
اللهِ داوُدَ، فطَلَبَ مِن ربِّه أنْ يُعطِيَه مِن عُمرِه،
أي: مِن عُمرِ آدَمَ أربعينَ سَنَةً، فيصيرُ بذلك عُمرُ داوُدَ مِئَةَ سَنَةٍ، ويَقِلُّ عُمرُ آدَمَ أربعينَ سَنَةً، وكان عُمُرُ آدَمَ -كما سيأتي في آخِرِ الرِّوايَةِ- ألْفَ سَنَةٍ، قال رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم: "فلمَّا جاءَ مَلَكُ الموتِ إلى آدَمَ؛ لِيَقْبِضَ رُوحَه"،
أي: انتَهى وجاءَ أجَلُه، بعدَ نَقْصِ ما وهَبَه لداوُدَ، "قال: ماذا تُريدُ يا مَلَكَ الموتِ؟ قال: أُريدُ قَبْضَ رُوحِك، قال: ماذا تُريدُ يا مَلَكَ الموتِ؟ قال: أُريدُ قبْضَ رُوحِك"، ولعلَّ التَّكرارَ وَرَدَ منه على التعجُّبِ، "قال: أَلَمْ يبَق مِن أجَلي أربعون سَنَةً؟! قال: أَلَمْ تُعطِها ابنَك داوُدَ؟ قال: لا"، تأكيدًا على نِسيانِه، وإشارةً إلى أنَّ آدَم عليه السَّلامُ لم يَتذكَّرْ سَريعًا ما نَسِيَه.
قال التابعيُّ عطاءُ بنُ يَسارٍ راوي الحديثِ عن أبي هُرَيرَةَ رضِيَ
اللهُ عنه: "فكان أبو هُرَيرَةَ يقولُ: فنَسِيَ آدَمُ، فنَسِيَتْ ذُريَّتُه، وجَحَدَ آدَمُ، فجَحَدتْ ذُريَّتُه"،
أي: أنَّه قد تخلَّق الأبناءُ بخُلُقِ أبيهم آدَمَ في النِّسيانِ، وجَحدُ الذُّريَّةِ ما حَكاهُ
اللهُ عنهم من تَكذيبِ العَهدِ الذي عَهِدَه تَعالى إليهم، والنِّسيانُ من آدَمَ أرادَ به أكْلَه من الشَّجَرةِ، وأمَّا الجُحودُ؛ فلأنَّ ذلِك كان في عالَمِ الذَّرِّ، فلم يَستحضِرْه حالةَ مَجيءِ مَلَكِ الموتِ له، وجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُه؛ لأنَّ الوَلَدَ سِرُّ أبيه.
وفي الحديثِ: أنَّ
اللهَ قدَّر مَقاديرَ الخلائِقِ بما فيها من بَلاءٍ وغيرِه قبلَ خلْقِهم جميعًا.
وفيه: أنَّ الوُقوعَ في البَلاءِ يُشعِرُ بقِيمَةِ المُعافاةِ.
وفيه: أنَّ الإنْسانَ من عادَتِه أنْ يَنْسى عُهودَه إلَّا مَن ثبَّته
اللهُ؛ ولذلك أقَرَّ الشَّرعُ كِتابةَ الحُقوقِ والإشهادَ عليها
( ).
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم