حديث هذا من تمر أهل يثرب فاتبعوا آثارهم حتى لحقوهم فلما آنسهم عاصم

أحاديث نبوية | تخريج صحيح ابن حبان | حديث أبو هريرة

«بعَث رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَريَّةً عينًا وأمَّر عليها عاصمَ بنَ ثابتٍ فانطلَقوا حتَّى إذا كانوا ببعضِ الطَّريقِ بَيْنَ عُسْفانَ ومكَّةَ نزولًا فذُكِروا لِحَيٍّ مِن هُذَيْلٍ يُقالُ لهم : بنو لِحيانَ فاتَّبَعوهم بقريبٍ مِن مئةِ رجُلٍ رامٍ فاقتصُّوا آثارَهم حتَّى نزَلوا منزِلًا نزَلوه فوجَدوا فيه نوَى تمرٍ مِن تمرِ المدينةِ فقيل : هذا مِن تمرِ أهلِ يثرِبَ فاتَّبَعوا آثارَهم حتَّى لحِقوهم فلمَّا آنسَهم عاصمُ بنُ ثابتٍ وأصحابُه لجَؤوا إلى فَدْفَدٍ وجاء القومُ فأحاطوا بهم فقالوا : لكم العهدُ والميثاقُ إنْ نزَلْتُم إلينا ألَّا نقتُلَ منكم رجُلًا فقال عاصمٌ : أمَّا أنا فلا أنزِلُ في ذمَّةِ قومٍ كافرينَ اللَّهمَّ أخبِرْ عنَّا رسولَك فقاتَلوهم في بيوتِهم حتَّى قتَلوا عاصمًا في سبعةِ نفَرٍ وبقي خُبَيبُ بنُ عديٍّ وزيدُ بنُ الدَّثِنَةِ ورجُلٌ آخَرُ فأعطَوْهم العهدَ والميثاقَ أنْ ينزِلوا إليهم فلمَّا استمكَنوا منهم حلُّوا أوتارَ قِسِيِّهم فربَطوهم بها فنادى الرَّجُلُ الثَّالثُ الَّذي معهما هذا أوَّلُ الغدرِ فأبى أنْ يصحَبَهم فجَرُّوه فأبى أنْ يتبَعَهم وقال : لي في هؤلاءِ أُسوةٌ فضرَبوا عُنقَه وانطلَقوا بخُبَيبِ بنِ عَديٍّ وزيدِ بنِ الدَّثِنَةِ حتَّى باعوهما بمكَّةَ فاشترى خُبَيبًا بنو الحارثِ بنِ عامرٍ وكان الحارثُ قُتِل يومَ بدرٍ فمكَث عندَهم أسيرًا حتَّى إذا اجتمَعوا على قتلِه استعار مُوسَى مِن إحدى بناتِ الحارِثِ يستحِدُّ به فأعارَتْه قالت : فغفَلْتُ عن صبيٍّ لي حتَّى أتاه فأخَذه فأضجَعه على فخِذِه والمُوسَى في يدِه فلمَّا رأَيْتُه فزِعْتُ فزَعًا شديدًا فقال : خشِيتِ أنْ أقتُلَه ؟ ما كُنْتُ لِأفعَلَ إنْ شاء اللهُ قال : فكانت تقولُ : ما رأَيْتُ أسيرًا قطُّ خيرًا مِن خُبَيبٍ لقد رأَيْتُه يأكُلُ مِن قِطْفِ عِنَبٍ وما بمكَّةَ يومَئذٍ ثمرةٌ وإنَّه لَمُوثَقٌ في الحديدِ وما كان إلَّا رِزقًا رزَقه اللهُ إيَّاه ثمَّ خرَجوا به مِن الحرَمِ لِيقتُلوه فقال : دعوني أُصلِّي ركعتَيْنِ فصلَّى ركعتَيْنِ ثمَّ قال : لولا أنْ ترَوْا أنَّ ما بي جزَعٌ مِن الموتِ لَزِدْتُ فكان أوَّلَ مَن سنَّ الركعتَيْنِ عندَ القتلِ ثمَّ قال : ولَسْتُ أُبالي حينَ أُقتَلُ مُسلِمَا = على أيِّ شِقٍّ كان للهِ مَصرعي ثمَّ قام إليه عُقبَةُ بنُ الحارِثِ فقتَله وبعَثَتْ قُرَيشٌ إلى موضِعِ عاصمٍ تُريدُ الشَّيءَ مِن جسدِه ليعرِفوه وكان قتَل عظيمًا مِن عُظائمِهم يومَ بدرٍ فبعَث اللهُ عليه مِثْلَ الظُّلَّةِ فلَمْ يقدِروا على شيءٍ منه هكذا حدَّثنا ابنُ قُتَيبةَ مِن كتابِه : ( فقاتَلوهم في بيوتِهم ) وإنَّما هو : ( فقاتَلوهم مِن ثُبوتِهم )»

تخريج صحيح ابن حبان
أبو هريرة
شعيب الأرناؤوط
صحيح

تخريج صحيح ابن حبان - رقم الحديث أو الصفحة: 7039 -

شرح حديث بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية عينا وأمر عليها عاصم


كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة

بَعَثَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا، وأَمَّرَ عليهم عَاصِمَ بنَ ثَابِتٍ الأنْصَارِيَّ جَدَّ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَانْطَلَقُوا حتَّى إذَا كَانُوا بالهَدَأَةِ -وهو بيْنَ عُسْفَانَ ومَكَّةَ- ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِن هُذَيْلٍ، يُقَالُ لهمْ: بَنُو لَحْيَانَ، فَنَفَرُوا لهمْ قَرِيبًا مِن مِئَتَيْ رَجُلٍ، كُلُّهُمْ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حتَّى وجَدُوا مَأْكَلَهُمْ تَمْرًا تَزَوَّدُوهُ مِنَ المَدِينَةِ، فَقالوا: هذا تَمْرُ يَثْرِبَ.
فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِمٌ وأَصْحَابُهُ لَجَؤُوا إلى فَدْفَدٍ وأَحَاطَ بهِمُ القَوْمُ، فَقالوا لهمْ: انْزِلُوا وأَعْطُونَا بأَيْدِيكُمْ، ولَكُمُ العَهْدُ والمِيثَاقُ، ولَا نَقْتُلُ مِنكُم أحَدًا، قَالَ عَاصِمُ بنُ ثَابِتٍ أمِيرُ السَّرِيَّةِ: أمَّا أنَا فَوَاللَّهِ لا أنْزِلُ اليومَ في ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ.
فَرَمَوْهُمْ بالنَّبْلِ، فَقَتَلُوا عَاصِمًا في سَبْعَةٍ، فَنَزَلَ إليهِم ثَلَاثَةُ رَهْطٍ بالعَهْدِ والمِيثَاقِ، منهمْ خُبَيْبٌ الأنْصَارِيُّ، وابنُ دَثِنَةَ، ورَجُلٌ آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا منهمْ أطْلَقُوا أوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فأوْثَقُوهُمْ، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هذا أوَّلُ الغَدْرِ، واللَّهِ لا أصْحَبُكُمْ، إنَّ لي في هَؤُلَاءِ لَأُسْوَةً.
يُرِيدُ القَتْلَى، فَجَرَّرُوهُ وعَالَجُوهُ علَى أنْ يَصْحَبَهُمْ، فأبَى، فَقَتَلُوهُ، فَانْطَلَقُوا بخُبَيْبٍ وابْنِ دَثِنَةَ حتَّى بَاعُوهُما بمَكَّةَ بَعْدَ وقْعَةِ بَدْرٍ، فَابْتَاعَ خُبَيْبًا بَنُو الحَارِثِ بنِ عَامِرِ بنِ نَوْفَلِ بنِ عبدِ مَنَافٍ، وكانَ خُبَيْبٌ هو قَتَلَ الحَارِثَ بنَ عَامِرٍ يَومَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أسِيرًا، فأخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ عِيَاضٍ، أنَّ بنْتَ الحَارِثِ أخْبَرَتْهُ: أنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ منها مُوسَى يَسْتَحِدُّ بهَا، فأعَارَتْهُ، فأخَذَ ابْنًا لي وأَنَا غَافِلَةٌ حِينَ أتَاهُ، قَالَتْ: فَوَجَدْتُهُ مُجْلِسَهُ علَى فَخِذِهِ والمُوسَى بيَدِهِ، فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ في وجْهِي، فَقَالَ: تَخْشينَ أنْ أقْتُلَهُ؟ ما كُنْتُ لأفْعَلَ ذلكَ، واللَّهِ ما رَأَيْتُ أسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِن خُبَيْبٍ، واللَّهِ لقَدْ وجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِن قِطْفِ عِنَبٍ في يَدِهِ وإنَّه لَمُوثَقٌ في الحَدِيدِ، وما بمَكَّةَ مِن ثَمَرٍ، وكَانَتْ تَقُولُ: إنَّه لَرِزْقٌ مِنَ اللَّهِ رَزَقَهُ خُبَيْبًا، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ في الحِلِّ، قَالَ لهمْ خُبَيْبٌ: ذَرُونِي أرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ.
فَتَرَكُوهُ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أنْ تَظُنُّوا أنَّ ما بي جَزَعٌ لَطَوَّلْتُهَا، اللَّهُمَّ أحْصِهِمْ عَدَدًا
ما أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ...
علَى أيِّ شِقٍّ كانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي
وَذلكَ في ذَاتِ الإلَهِ وإنْ يَشَأْ ...
يُبَارِكْ علَى أوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
فَقَتَلَهُ ابنُ الحَارِثِ، فَكانَ خُبَيْبٌ هو سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لِكُلِّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِعَاصِمِ بنِ ثَابِتٍ يَومَ أُصِيبَ، فأخْبَرَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ وما أُصِيبُوا، وبَعَثَ نَاسٌ مِن كُفَّارِ قُرَيْشٍ إلى عَاصِمٍ حِينَ حُدِّثُوا أنَّه قُتِلَ، لِيُؤْتَوْا بشَيءٍ منه يُعْرَفُ، وكانَ قدْ قَتَلَ رَجُلًا مِن عُظَمَائِهِمْ يَومَ بَدْرٍ، فَبُعِثَ علَى عَاصِمٍ مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِن رَسولِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا علَى أنْ يَقْطَعَ مِن لَحْمِهِ شيئًا.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري
| المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 3045 | خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ]



غَزوةُ الرَّجيعِ كانتْ في صَفَرٍ سَنةَ أربَعٍ مِنَ الهِجرةِ، والرَّجيعُ اسمٌ لِماءٍ بيْنَ مَكَّةَ وعُسْفانَ، وهو أقرَبُ إلى عُسفانَ، وهي قَريةٌ على مَسافةِ ثَمانينَ مِيلًا ( 128 كم تَقريبًا ) مِن مَكَّةَ شَمالًا على طَريقِ المَدينةِ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَ عَشَرةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَينًا، والرَّهْطُ: الجَماعةُ مِنَ الرِّجالِ ما دُونَ العَشَرةِ، وقيلَ: ما دُونَ الأربَعينَ، والسَّرِيَّةُ: هي القِطعةُ مِنَ الجَيشِ يَبلُغُ أقصاها أربَعَ مِئةِ رَجُلٍ، والمُرادُ بالعَينِ: الذين يَستَطلِعونَ أخبارَ العَدُوِّ، وجَعَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أميرَهم عاصِمَ بنَ ثابِتٍ الأنصاريَّ رَضيَ اللهُ عنه جَدَّ عاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ لِأُمِّه، فانطَلَقوا حتَّى بَلَغوا مَوضِعًا اسمُه الهَدأةُ، وهو بيْنَ عُسفانَ ومَكَّةَ، وهو على سَبعةِ أميالٍ مِن عُسفانَ، وذُكِروا لِحَيٍّ مِن هُذَيلٍ يُقالُ لهم: بَنو لِحيانَ، أي: عَرَفَ هذا الحَيُّ مِن هُذَيلٍ بهذِه السَّرِيَّةِ، فنَفَروا لهم، أي: فخَرَجتْ مَجموعةٌ مِن بَني لِحيانَ لِتِلكَ السَّرِيَّةِ يَتَّبِعونَهم فيما يُقارِبُ مِئَتَيْ رَجُلٍ، كُلُّهم يُحسِنُ رَمْيَ السِّهامِ، فتَتَبَّعوهم على ما يَبقَى مِن آثارٍ لهم حتى وَجَدوا في تلكَ الآثارِ بَقايا مَأْكَلِهم، وكانَ تَمرًا قد تَزوَّدوه مِنَ المَدينةِ قبْلَ خُروجِهم، ويَثرِبُ: اسمُ المَدينةِ المُنوَّرةِ القَديمُ، فلَمَّا عَثَروا على أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورَآهُم عاصِمٌ وأصحابُه رَضيَ اللهُ عنهم، لَجَؤوا إلى فَدْفَدٍ -وهو المَكانُ المُرتَفِعُ- فحاصَرَهم فيه بَنو لِحيانَ، فأعطَى بَنو لِحيانَ لِعاصمٍ ومَن معه عَهدًا ومِيثاقًا أنْ يَستَسلِموا لهم وألَّا يَقتُلوا منهم أحَدًا، فقال عاصِمٌ رَضيَ اللهُ عنه أميرُ السَّرِيَّةِ: «أمَّا أنا فوَاللهِ لا أَنزِلُ اليَومَ في ذِمَّةِ كافِرٍ»، فرَفَضَ أنْ يَكونَ في عَهدِ كافِرٍ؛ لِأنَّه يَعلَمُ أنَّهم سيَغدِرُون به وأصحابِه، ثمَّ دَعا اللهَ قائِلًا: «اللَّهُمَّ أخبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ»، أي: بَلِّغْه خَبَرَنا وما حَدَثَ لنا، فلَمَّا امتَنَعَ عاصِمٌ ومَن معه عن الاستِسلامِ لهم رَمَوْهم بالنَّبْلِ، وهي السِّهامُ، فقَتَلوا عاصِمًا أميرَ السَّريَّةِ في سَبعةٍ مِن رِجالِ السَّرِيَّةِ، ونَزَلَ ثَلاثةٌ مِنهم على العَهدِ والمِيثاقِ الذي أَعطَوْهُ لهم، وهُم: خُبَيْبُ بنُ عَديٍّ الأنصاريُّ، وزَيدُ بنُ الدَّثِنةِ الأنصاريُّ، ورَجُلٌ آخَرُ، قيلَ هو: عَبدُ اللهِ بنُ طارِقٍ، فما أنْ نَزَلَ هؤلاء الثَّلاثةُ على عَهدِهم، واستَمكَنَ بَنو لِحيانَ مِنهم حتَّى أوثَقوهم بأَوتارِ قِسِيِّهم، وهي الحِبالُ المَشدودةُ التي تُستَخدَمُ في رَمْيِ السِّهامِ، فلَمَّا رأَى منهمُ الرَّجُلُ الثَّالِثُ عَبدُ اللهِ بنُ طارِقٍ غَدْرَهم هذا، قال: هذا أوَّلُ الغَدْرِ، وعَلِمَ أنَّهم سيَستَمِرُّونَ في غَدْرِهم لهم، فامتَنَعَ مِنَ الذَّهابِ معهم، فغَصَبوه وجَرُّوه، فامتَنَعَ، فقَتَلوه، وانطَلَقوا بخُبَيبٍ وابنِ دَثِنةَ، حتَّى باعُوهما بمَكَّةَ، وكان ذلك بعْدَ غَزوةِ بَدرٍ؛ إشارةً لِمَا تَرتَّبَ على تلك الغَزوةِ مِن بَعضِ الثَّأْرِ مِنَ المُشرِكينَ مع المُسلِمينَ، واشْتَرى بَنو الحارِثِ بنِ عامِرٍ خُبَيبًا، وهُم: عُقبةُ وأبو سِروَعةَ ابنا الحارِثِ، وأخوهما لِأُمِّهما حُجَيرُ بنُ أبي إهابٍ، وكانَ خُبَيبٌ قد قَتَلَ الحارِثَ بنَ عامِرٍ يَومَ بَدرٍ، فأصبَحَ خُبَيْبٌ عِندَ بَني الحارِثِ أسيرًا، واشتَرى صَفوانُ بنُ أُميَّةَ الأسيرَ الثَّانيَ، وهو ابنُ الدَّثِنَةِ، وقَتَلَه بمَكَّةَ.
ثمَّ أخبَرَ عُبَيدُ اللهِ بنُ عِياضٍ -أحَدُ رُواةِ الحَديثِ- أنَّ زَينَبَ بِنتَ الحارِثِ أخبَرَتْه عن بَعضِ ما حَدَثَ لِخُبَيبٍ عِندَهم؛ فأخبَرَتْه أنَّه لَمَّا اجتَمَعَ بَنو الحارِثِ لِقَتلِ خُبَيبٍ، استَعارَ خُبَيبٌ مِنَها مُوسى يَستَحِدُّ بها، أي: شَفرةً يُزيلُ بها شَعرَ العانةِ، فأعْطَتْه الشَّفرةَ التي طَلَبَها.
وكان قدِ اقتَرَبَ ابنٌ لها مِن خُبَيبٍ رَضيَ اللهُ عنه حالَ وُجودِ الشَّفرةِ بيَدِه، وأمُّهُ غافِلةٌ عنه، فبَحَثتْ عنِ ابنِها فوَجَدَتْه يَجلِسُ على فَخِذِ خُبَيبٍ والشَّفرةُ بيَدِ خُبَيبٍ، فظَنَّتْ أنَّه قاتِلُه، ففَزِعَتْ لِوَلَدِها وخافَتْ، فعَرَفَ خُبَيبٌ ذلك في وجْهِها، فطَمْأنَها، وقال: تَخشَيْنَ أنْ أقتُلَه؟ ما كُنتُ لِأفعَلَ ذلك.
ثمَّ أخبَرَتْ بِنتُ الحارِثِ عن بَعضِ كَراماتٍ حَدَثتْ لِخُبَيبٍ، فقالت: واللهِ ما رَأيتُ أسيرًا قَطُّ خَيرًا مِن خُبَيبٍ؛ لقد وَجَدْتُه يَومًا يَأكُلُ مِن قِطْفٍ -وهو العُنقودُ- مِن عِنبٍ في يَدِه وإنَّه مُقيَّدٌ بالحَديدِ، وما بمَكَّةَ مِن ثَمَرِ العِنَبِ شَيءٌ، وكانت تَقولُ وتَجزِمُ: إنَّهُ لَرِزقٌ مِنَ اللهِ رَزَقَه خُبَيبًا، وهذا مِن كَراماتِه رَضيَ اللهُ عنه.
فلَمَّا عَزَموا على قَتْلِه، خَرَجَ به بَنو الحارِثِ مِنَ الحَرَمِ إلى الحِلِّ؛ لِيَقتُلوه خارِجَ الحَرَمِ المَكِّيِّ، فطَلَبَ منهم خُبَيبٌ أنْ يَدَعوه يُصَلِّي رَكعَتَيْنِ، فتَرَكوه، ثمَّ قال: لَولا أنْ تَظنُّوا أنَّ بي خَوفًا وضَجَرًا مِن قَتلِكم لي، لَطَوَّلتُ صَلاتي، ثمَّ دَعا عليهم بقَولِه: «اللَّهُمَّ أحصِهم عَدَدًا»، أي: استأْصِلْهم بالهَلاكِ وعَدَمِ البَقاءِ على أحَدٍ منهم.
ثمَّ قال:
ولَستُ أُبالي حِينَ أُقتَلُ مُسلِمًا ...
على أيِّ شِقٍّ كانَ للهِ مَصرَعي
والشِّقُّ: الجَنبُ، والمَصرَعُ: المَوتُ والهَلاكُ.
وذلك في ذاتِ الإلهِ وإنْ يَشَأْ ...
يُبارِكْ على أوْصالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
أي: إنَّه لا يُبالي بالمَوتِ ما دامَ في سَبيلِ اللهِ، وإنْ يَشأِ الإلهُ أنْ يُبارِكَ أعضاءَ جَسَدٍ يُقطَّعُ، والأوْصالُ: المَفاصِلُ، والشِّلْوُ: العُضوُ مِن أعضاءِ الجَسَدِ، والمُمَزَّعُ: المُقَطَّعُ، ثمَّ قَتَلَه ابنُ الحارِثِ بالتَّنعيمِ، وصَلَبَه هناك، وكانَ خُبَيبٌ رَضيَ اللهُ عنه هو مِنْ أوَّلِ مَن سَنَّ رَكعتَيْنِ لكُلِّ امرئٍ مُسلِمٍ قُتِلَ صَبرًا، أي: مَحبوسًا لِلقَتلِ.
وقدِ استَجابَ اللهُ لِعاصِمِ بنِ ثابِتٍ رَضيَ اللهُ عنه يَومَ أُصيبَ، فأخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصحابَه خَبَرَهم وما أصابَهُم مِن قَتْلٍ.
وكانَ عاصِمٌ قدْ قَتَلَ مِن قُرَيشٍ رَجُلًا مِن عُظَمائِهم، وهو عُقبةُ بنُ أبي مُعَيطٍ، فلَمَّا أُخبِروا أنَّه قد قُتِلَ بَعَثوا ناسًا لهم لِيَأتوا بقِطعةٍ مِن جَسَدهِ يُعرَفُ بها لِيَتأكَّدوا مِن مَقْتَلِه، فأرسَلَ اللهُ على جَسَدِه مِثلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، والظُّلَّةُ: السَّحابةُ، والدَّبْرُ: ذُكورُ النَّحلِ، والمُرادُ: أنَّ اللهَ حَمَى جَسَدَ عاصِمٍ مِن كُفَّارِ قُرَيشٍ بتَظليلِ ذُكورِ النَّحلِ لِجَسَدِهِ، فلم يَقدِروا على أنْ يَقطَعوا مِن لَحمِه شَيئًا.
وفي الحَديثِ: عَلَمٌ مِن أعلامِ نُبُوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: بَيانُ أنَّ اللهَ تَعالى يَحفَظُ عِبادَه المُؤمِنِينَ في الحَياةِ وبعْدَ المَماتِ، وأنَّ المَوتَ شَهادةٌ، ليس هَلاكًا لِلمُسلِمِ، وإنَّما هو كَرامةٌ وفَضلٌ.
وفيه: أنَّ المُسلِمَ الحَقَّ لا يَغدِرُ بمَن غَدَرَ به.
وفيه: مَنقَبةٌ وفَضيلةٌ ظاهِرةٌ لِعاصِمِ بنِ ثابِتٍ الأنصاريِّ، وخُبَيبِ بنِ عَديٍّ رَضيَ اللهُ عنهما.
وفيه: إثباتُ كَراماتِ الأوْلياءِ، وحِفظِ اللهِ تَعالى لِأوليائِه وعِبادِه الصَّالِحينَ، واستِجابَتِه لِدَعوَتِهم.

شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم

قم بقراءة المزيد من الأحاديث النبوية


الكتابالحديث
تخريج سنن الدارقطنيكنا إذا سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعدنا كبرنا
تخريج مشكل الآثارأتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال إني أريد الجهاد فقال أحي
تخريج مشكل الآثارجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبايعك على الهجرة فقال
صحيح أبي داودأن رجلا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن فقال
صحيح الجامعارجع إلى أبويك فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما
تخريج كتاب السنةيامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
صحيح الجامعأيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة أو ثلاثة
النوافح العطرةأيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة أو ثلاثة أو اثنان
عارضة الأحوذيمن شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة فقلنا وثلاثة فقال واثنان ثم
الفتح الربانيمن شهد له أربع أو ثلاثة أو اثنان دخل الجنة
مسند الإمام أحمدأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عنده رجل مات فقالوا خيرا وأثنوا
مسند الإمام أحمدمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة فأثنوا عليها خيرا من


أشهر كتب الحديث النبوي الصحيحة


صحيح البخاري صحيح مسلم
صحيح الجامع صحيح ابن حبان
صحيح النسائي مسند الإمام أحمد
تخريج صحيح ابن حبان تخريج المسند لشاكر
صحيح أبي داود صحيح ابن ماجه
صحيح الترمذي مجمع الزوائد
هداية الرواة تخريج مشكل الآثار
السلسلة الصحيحة صحيح الترغيب
نخب الأفكار الجامع الصغير
صحيح ابن خزيمة الترغيب والترهيب

قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Friday, November 22, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب