عدلَت شَهادةُ الزُّورِ بالإشراكِ باللَّهِ» قالَها مرَّتين أو ثلاثًا .
وقرأَ قولَه تعالى وَاجْتَنِبوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ
الراوي : - | المحدث : ابن تيمية
| المصدر : مجموع الفتاوى
الصفحة أو الرقم: 27/350 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
الكذبُ وقولُ الزُّورِ مِن كبائرِ الذُّنوبِ ومِن قبائحِ الصِّفاتِ التي نَهى عنها الشرعُ الحنيفُ، وقد بيَّنَ النبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ خطورتَها وحذَّرَنا منها، كما في هذا الحديثِ؛ حيثُ يقولُ النبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: "عدَلَتْ شهادةُ الزُّورِ" وهي الشَّهادةُ الكاذبةُ المخالِفةُ للواقِعِ، وهي مِن الكبائِرِ؛ لأنَّها تَجمَعُ بينَ الكَذِبِ الذي هو من أقبَحِ الخِصالِ، وبينَ التسبُّبِ في إضاعةِ حُقوقِ المسلمينَ؛ "بالإشراكِ ب
اللهِ" بمعنى: جُعِلَتِ الشهادةُ الكاذبةُ مماثلةً للإشراكِ ب
اللهِ في الإثمِ; لأنَّ الشِّركَ كَذِبٌ على
اللهِ بما لا يجوزُ، وشهادةُ الزُّورِ كذبٌ على العبدِ بما لا يجوزُ، وكلاهما غيرُ واقعٍ في الواقعِ، "قالها مرَّتينِ أو ثلاثًا" تأكيدًا على شناعةِ شهادةِ الزُّورِ الكاذبةِ، وللمبالغةِ في الوعيدِ عليها، "وقرَأَ" استشهادًا واعتضادًا على مِصداقِ ذلك "قولَه تعالى:
{ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } [
الحج: 30، 31 ]، وقَولُ الزُّورِ: هو قولُ الكذبِ الشاملُ لشهادةِ الزُّورِ، والمرادُ اجتنِبوا الزُّورَ كلَّه، ولا تَقرَبوا شيئًا منه؛ لتماديهِ في القُبحِ والسَّماجةِ،
{ حُنَفَاءَ لِلَّهِ }،
أي: مائلينَ عن الباطلِ إلى الحقِّ، وقيل: معناه مُسلِمينَ، وفي قولِه:
{ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } دَلالةٌ على قَرْنِ قولِ الزُّورِ بالإشراكِ ب
اللهِ في الرِّجسِ الذي يجبُ أنْ يُجتنَبَ عنه،
{ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ } فوقَعَ منها
{ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ } فتسلُبُ لَحْمَه وتُقطِّعُه بمَخالِبِها وتَذهَبُ به،
{ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ } فتَقذِفُه وتَرْمي به
{ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } بعيدٍ أو عميقٍ لا يَصِلُ إليه أحدٌ بحالٍ، وقد شَبَّهَ في الآيةِ مَن يُشرِكُ ب
اللهِ بالساقطِ مِن السماءِ، وشبَّهَ الأهواءَ التي تَوَزَّعُ أفكارَه بالطيرِ المُختطِفةِ، وشبَّهَ الشيطانَ الذي يُغويهِ ويَطرَحُ به في وادي الضلالةِ بالرِّيحِ الذي هو يَهوي بما عصَفَ به في بعضِ المَهاوي المُتلِفةِ.
وقيل: جُعلَتِ الشَّهادةُ الزُّورُ الكاذبةُ مُقابِلةً للإشراكِ باللَّهِ ومساويةً له في الإثمِ؛ لأنَّ الشِّركَ مِن بابِ الزُّورِ؛ فإنَّ المُشرِكَ زاعمٌ أنَّ الوثَنَ يَحِقُّ له العبادةُ.
وقيل: لأنَّه يقعُ بشهادةِ الزُّورِ الظُّلمُ والفسادُ في الأرضِ، وهو عديلٌ للشِّركِ الذي هو ظلمٌ عظيمٌ.
وقيل: لأنَّ الإشراكَ مِن بابِ الشَّهادةِ بالعبادةِ لغيرِ أهلِها، فهي شهادةٌ بالزُّورِ كالشَّهادةِ الزُّورِ بالمالِ لغيرِ أهلِهِ.
وفي الحديثِ: أنَّ مراعاةَ حقِّ العبادِ مُعادِلةٌ لحقِّ
اللهِ تعالى.
وفيه: الحثُّ على الصدقِ، والتحذيرُ والترهيبُ مِن قولِ الزُّورِ .
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم