أُتِيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بمالٍ وفي روايةٍ بدنانيرَ من أرضِ فقسمَه فجاء رجلٌ مطمومُ الشَّعرِ عليه ثوبانِ أبيضانِ فأعطَى مَن عن يمينِه ومن عن شمالِه ولم يعطِهِ شيئًا فجاء من ورائِه فقال واللهُ يا محمدُ ما عدَلتَ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ واللهِ لا تجدون بعدي أعدلَ عليكم منِّي .
.
.
.
الراوي : أبو برزة الأسلمي نضلة بن عبيد | المحدث : الألباني
| المصدر : السلسلة الصحيحة
الصفحة أو الرقم: 5/530 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
التخريج : أخرجه أحمد ( 19798 )، والبزار ( 3846 )
في هذا الحَديثِ يقولُ التابعيُّ شَريكُ بنُ شهابٍ -كما في تمامِ الرِّوايةِ عِندَ النَّسائيِّ-: "كنتُ أتمنَّى أنْ أَلْقى رجُلًا مِن أصحابِ النبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، أسألُه عن الخوارجِ"، والخوارجُ هم الذين يُكفِّرونَ المُسلِمينَ بالذُّنوبِ والمعاصي التي دُونَ الشِّركِ والكُفرِ ب
اللهِ تعالَى، ويَستحِلُّونَ دِماءَهم وأموالَهم بذلك، ومرادُه: أنَّه يَسألُ عن أوصافِهم وعلامتِهم التي يُعرَفونَ بها، قال: "فلَقِيتُ أبا بَرْزَةَ في يومِ عيدٍ في نَفَرٍ مِن أصحابِه، فقلتُ له: هل سَمِعتَ رسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ يذكُرُ الخوارجَ؟ قال: نَعَمْ، سَمِعتُ رسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بأُذُنيَّ، ورأيتُهُ بعَيْنيَّ"؛ وذلك للتأكيدِ على تثبُّتِه مِن الحديثِ، "أُتِيَ رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بمالٍ -وفي روايةٍ: بدنانيرَ- مِن أرضٍ فقَسَمَه، فجاءَ رجُلٌ مَطْمومُ الشَّعَرِ" يعني قد جَزَّهُ واسْتَأْصَلَهُ، أو عَقَصَه وثَنَاه، وقيل: معناه كثيرُ الشَّعَرِ، "عليه ثوبانِ أبيضانِ، فأَعْطى مَن عن يمينِه ومَن عن شمالِه، ولم يُعطِه شيئًا"، وقد جاءَ في الرِّواياتِ أنَّ عطاءَ النبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ كان لقومٍ حديثي عهدٍ بكفرٍ؛ فأراد النبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَتألَّفَهم بهذا المالِ، "فجاءَ مِن ورائِه، فقال: و
اللهِ يا محمَّدُ، ما عدَلتَ"!
أي: ما سوَّيتَ بينَ المُستحقِّينَ في القِسمةِ؛ حيثُ لم تُعطِ الجميعَ، أو لم تُعطِني مع تعرُّضي لك، "فقال رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: و
اللهِ لا تَجِدُونَ بَعْدي أعدَلَ عليكم منِّي"، والمعنى: لا تجدونَ بعدي عادلًا مِثلي يَعدِلُ بينَكم في القِسمةِ والعطاءِ وغيرِ ذلك.
ثمَّ قال النبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: "يخرُجُ في آخِرِ الزمانِ قومٌ، كأنَّ هذا منهم، يَقرؤونَ القرآنَ، لا يُجاوِزُ تَراقِيَهم"، التَّراقِي: جمعُ تَرْقُوةٍ، وهو عَظْمٌ واصِلٌ ما بينَ ثُغرةِ النَّحْرِ والعاتقِ، وفي روايةٍ: "لا يُجاوِزُ حَناجِرَهم"، يعني أنَّ حَظَّ هؤلاءِ مِنَ القرآنِ مرورُه على اللِّسانِ فقط، ولا يَتفكَّرونَ في مَعانيهِ؛ فلا يُجاوِزُ تَراقِيَهم لِيَصِلَ قلوبَهم بالتدبُّرِ والخُشوعِ، ولا تَصعَدُ قِراءتُهم إلى السماءِ؛ فلا يكونُ لهم بها أجرٌ ولا ثوابٌ، والمُرادُ أنَّ الإيمانَ لم يَرْسَخْ في قلوبِهِم، وهؤلاءِ "يمرُقُونَ مِن الإسلامِ كما يمرُقُ السَّهمُ مِن الرَّمِيَّةِ"، فيخرُجونَ مِن الدِّينِ ومِن الانقيادِ التامِّ بخروجِهم عن طاعةِ الإمامِ، كما يخرُجُ السَّهمُ في سُرعةٍ ونفاذٍ مِن الصَّيدِ، ومِن قُوَّتِه وسُرْعتِه لا يكونُ فيه أثرٌ مِن دَمٍ أو لَحْمٍ، فهكذا هم لا يَتعلَّقونَ مِن الدِّينِ بشيءٍ.
ثُم ذَكَر النبيُّ صلَّى
الله عليه وسلَّمَ بعضَ صِفاتِهم التي بها يُعرَفونَ، فقال: "سِيماهُم التَّحْليقُ"،
أي: إنَّ مِن علاماتِهم الظاهرةِ إزالةَ الشَّعَرِ، أو إزالةَ شَعرِ الرأسِ خاصَّةً، وذلك دليلٌ على زُهدِهم في زِينةِ الدُّنيا في الظاهرِ؛ فعلامتُهم تنظيفُ الظاهرِ وتجريدُه على وجهِ المبالغةِ، الدالَّةِ على كثافةِ باطنِهم وتعليقِه بحُبِّ المالِ والجاهِ، "لا يَزالونَ يخرُجونَ" فيُظهِرونَ الفسادَ بينَ العِبادِ في كلِّ البلادِ، "حتى يخرُجَ آخِرُهم مع المسيحِ الدَّجَّالِ"، ثم وضَّحَ كيفيَّةَ التعامُلِ الشرعيِّ معهم بقولِه: "فإذا لَقِيتُموهم فاقتُلوهم؛ هم شَرُّ الخَلْقِ والخَليقةِ"، قيل: إنَّ المُرادَ بالخَلْقِ هو البَشَرُ، وبالخليقةِ: البهائمُ، وقيل: هما بمعنًى واحدٍ؛ فيكونُ هذا كِنايةً عن جميعِ الخلائقِ، وقيل: بمعنى أنَّهم شرٌّ خَلْقًا وشرٌّ سَجِيَّةً.
وفي الحديثِ: مُعجزةٌ مِن مُعجزاتِ النُّبوَّةِ؛ حيثُ أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بما سيَقَعُ بعدَهُ مِن فِتَنٍ، وقد وقَعَ كما أخبَرَ.
وفيه: بيانُ بعضِ علاماتِ الخَوارِجِ وأمَاراتِهم .
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم