جَعَلَ
اللهُ عزَّ وجلَّ عَمَلَ الطَّاعاتِ واجتِنابَ المَعاصي سَبَبًا لِدُخولِ الجَنَّةِ، والبُعدِ عنِ النَّارِ، وهذا الحَديثُ جُزءٌ مِن رِوايةٍ طَويلةٍ يَرويها ابنُ المُنتَفِقِ، رَجُلٌ مِن قَيسٍ، ويَقولُ فيها: "وُصِفَ لي رَسولُ
اللهِ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وحُلِّيَ لي"، يعني: أنَّ أحَدَ الناسِ وَصَفَ له النبيَّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ مِن حيث الشَّكلُ والجَوهَرُ، ووَصَفَه الواصِفُ بأحسَنِ الأوصافِ، "فطَلَبتُه بمِنًى"، وهو يُؤدِّي مَناسِكَ حَجَّةِ الوَداعِ، ومِنًى وادٍ قُربَ الحَرَمِ المَكِّيِّ، يَنزِلُه الحُجَّاجُ قَبلَ الحَجِّ وَيبيتونَ،
وفيه يَكونُ رَميُ الجِمَارِ أيَّامَ التَّشرِيقِ التي يَرمِي فيها الحاجُّ الجِمارَ ثَلاثةً، وهي: الحادِي عَشَرَ، والثَّانِي عَشَرَ، والثَّالِثَ عَشَرَ "فقيلَ لي: هو بعَرَفاتٍ"، يَقِفُ عليه يَومَ التاسِعِ مِن ذي الحِجَّةِ، "فانتَهيتُ إليه"، وَصَلتُ إليه "فزاحَمتُ عليه، فقيلَ لي: إليكَ عن طَريقِ رَسولِ
اللهِ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ"، ابتَعِدْ عن طَريقِه، "فقالَ" النبيُّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: "دَعوا الرَّجُلَ"، اترُكوه "أرَبٌ ما له" بمَعنى أنَّه ما دَعاه لِلمُزاحَمةِ هو حاجةٌ ضَروريَّةٌ له عِندَ النبيِّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، "قالَ" الرَّجُلُ: "فزاحَمتُ عليه حتى خَلُصتُ إليه"، فوَصَلتُ إليه في مَكانِه "قالَ: فأخَذتُ بخِطامِ راحِلةِ رَسولِ
اللهِ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ -أو قال: زِمَامَها" فأمسَكتُ زِمامَ النَّاقةِ، وهو الحَبلُ الذي تُقادُ به النَّاقةُ "هكذا حَدَّثَ مُحمدٌ-" وهو أحَدُ رُواةِ الحَديثِ "حتى اختَلَفَتْ أعناقُ راحِلَتَيْنا" فأصبَحا قَريبَيْنِ "قالَ: فما يَزَعُني رَسولُ
اللهِ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ -أو قال: ما غَيَّرَ علَيَّ"، بمَعنى: فما أبعَدَني النبيُّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وما نَهَرَني لِلابتِعادِ عنه "هكذا حَدَّثَ مُحمدٌ- قال: قُلتُ: اثنَتانِ"، أيْ: مَسألَتانِ "أسألُكَ عنهما"، أُولاهما: "ما يُنَجِّيني مِنَ النارِ؟"، والثانيةُ: "وما يُدخِلُني الجَنَّةَ؟"، فما هي الأعمالُ التي تَكونُ سَبَبًا لِدُخولي الجَنَّةَ، ونَجاتي مِنَ النَّارِ؟ "قالَ: فنَظَرَ رَسولُ
اللهِ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ إلى السَّماءِ، ثم نَكَّسَ رَأْسَه" خَفَضَ رَأْسَه ناظِرًا لِلأسفَلِ، "ثم أقبَلَ عليهِ بوَجهِه"، جَعَلَ وَجهَه مُقابِلًا لِوَجهِ الرَّجُلِ، "قالَ: لَئِن كُنتَ أوْجَزتَ في المَسألةِ، لقد أعظَمتَ وأطوَلتَ"، وهذا مِن فَصيحِ كَلامِ النبيِّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، ومَحاسِنِ كَلامِه، والمَعنى: أنَّكَ وإنْ جِئتَ بعِبارةٍ قَصيرةٍ فقد طَلَبتَ أمْرًا عَظيمًا، ثم بَيَّنَ له النبيُّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ هذا العَمَلَ الذي يُدخِلُ الجَنَّةَ بقَولِه: "فاعقِلْ عَنِّي إذَنْ"، فخُذْ ما يُقالُ بتَعَقُّلٍ وفَهمٍ، "اعبُدِ
اللهَ لا تُشرِكْ به شَيئًا"، ويَكونُ ذلك بالتَّوحيدِ للهِ عزَّ وجلَّ، ونفْيِ الشَّريكِ، وإفرادِه بالعِباداتِ، "وأقِمِ الصَّلاةَ المَكتوبةَ"، بمَعنى: تُقيمُها في أوقاتِها تامَّةَ الأركانِ والوَاجباتِ، والمُرادُ بها: صَلاةُ الفَريضةِ، وهي خَمسُ صَلواتٍ في اليَومِ واللَّيلةِ "وأدِّ الزَّكاةَ المَفروضةَ" فأخرِجِ الزَّكاةَ مِن مالِكَ بشُروطِها، إنْ كُنتَ غَنيًّا وتَملِكُ النِّصابَ، "وحُجَّ واعتَمِرْ"، اقصِدِ البَيتَ الحَرامَ والكَعبةَ؛ لِأداءِ مَناسِكِ الحَجِّ والعُمرةِ بأركانِهما وبشُروطِهما وأحكامِهما، ويُشتَرَطُ فيه الاستِطاعةُ البَدنيَّةُ والماليَّةُ، كما قالَ
اللهُ تَعالى:
{ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } [
آل عمران: 97 ]، "وصُمْ رَمَضانَ" فتَصومُ الشَّهرَ المَفروضَ صيامُه على المُستَطيعِ القادِرِ بشُروطِه، "وانظُرْ ما تُحِبُّ لِلناسِ أنْ يَأتوه إليكَ فافْعَلْه بهم، وما تَكرَهُ أنْ يَأتُوه إليكَ فذَرْهم منه"، أحِبَّ لِلنَّاسِ ما يَكونُ فيه مَصلَحةٌ لهم وخَيرٌ، مِثلَما تَرغَبُه لِنَفسِكَ مِنَ الخَيرِ، وكذلك كُلُّ ما تَكرَهُه لِنَفْسِكَ وتَكرَهُ أنْ يُعامِلَكَ به الناسُ فاكْرَهْه ولا تُعامِلْهم به، وتَعامَلْ معهم بهذه الخِصالِ على الدَّوامِ؛ فيَحصُلَ لكَ ولهمُ الخَيرُ والصَّلاحُ.
وفي الحَديثِ: أنَّ القِيامَ بأركانِ الإسلامِ الخَمسةِ دونَ الإتيانِ بما يُناقِضُها سببٌ في دُخولِ الإنسانِ الجَنَّةَ ومُباعَدتِه مِنَ النَّارِ بفَضلِ
اللهِ تَعالى.
وفيه: بيانُ حِرصِ النبيِّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ على تَزَوُّدِ أُمَّتِه مِن أبوابِ الخَيرِ؛ حتى تَزدادَ دَرَجاتُهم في الجَنَّةِ.
وفيه: أنَّه يُؤخَذُ منه تَخصيصُ بَعضِ الأعمالِ بالحَضِّ عليها، بحَسَبِ حالِ المُخاطَبِ وافتِقارِه لِلتَّنبيهِ عليها أكثَرَ مِمَّا سِواها، إمَّا لِمَشَقَّتِها عليه، وإمَّا لِتَسهيلِه في أمْرِها.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم