كانتْ غَزوةُ أُحُدٍ بَينَ قُريشٍ والمُسلِمينَ، وَقَعتْ في شَوَّالٍ مِنَ السَّنةِ الثالِثةِ مِنَ الهِجرةِ، وأُحُدٌ جَبَلٌ مِن جِبالِ المَدينةِ.
وهذا المَتنُ جُزءٌ مِن حَديثٍ عِندَ أحمَدَ،
وفيه يُخبِرُ أُبَيُّ بنُ كَعبٍ رَضيَ
اللهُ عنه: "لَمَّا كانَ يَومُ أُحُدٍ قُتِلَ مِنَ الأنصارِ أربَعةٌ وسِتُّونَ رَجُلًا" وهم أهلُ المَدينةِ، وهمُ الذين آوَوُا النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ والمُهاجِرينَ ونَصَروهم، وقاسَموهم في أموالِهم، "ومِنَ المُهاجِرينَ سِتَّةٌ" وكانَ منهم حَمزةُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ عَمُّ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وكانَ الكُفَّارُ قد مَثَّلوا بجُثَثِ المُسلِمينَ، كما في رِوايةِ التِّرمِذيِّ، والمُثلةُ: تَقطيعُ الأعضاءِ؛ كجَدْعِ الأنْفِ والأُذُنِ، وفَقْءِ العَينِ، فقالَ أصحابُ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: "لَئِن كانَ لنا يَومٌ مِثلُ هذا مِنَ المُشرِكينَ" أوقَعْنا بهم في قِتالٍ قادِمٍ، "لَنُرْبيَنَّ عليهم" مِنَ الإرباءِ، والمَعنى: لَنَزيدَنَّ عليهم في التَّمثيلِ بأكثَرَ مِمَّا فَعَلوا في جُثَثِ المُسلِمينَ في أُحُدٍ، وكانَ سُكوتُ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ على هذا نَوعًا مِنَ الإقرارِ، "فلَمَّا كانَ يَومُ الفَتحِ" وهو فَتحُ مَكةَ، وكانَ في العامِ الثَّامِنِ مِنَ الهِجرةِ، وكانَ فَتحًا عَظيمًا على الإسلامِ والمُسلِمينَ، "قالَ رَجُلٌ لا يُعرَفُ"، ومَقصِدُه أنَّه رَجُلٌ مِن عامَّةِ الجَيشِ: "لا قُرَيشَ بَعدَ اليَومِ" يُريدُ أنْ يَفتِكَ بهم ويَستَأصِلَهم، وذلك أنَّ رَسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ قد أخبَرَهم بأنَّ مَن حَمَلَ عليهم سِلاحًا في ذلك اليَومِ فَلْيَقتُلوه، ولكِنْ بَعدَ ذلك أمَّنَهمُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ في ذلك اليَومِ إنْ تَرَكوا القِتالَ، "فنادَى مُنادي رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ" جَعَلَ يُنادي في الجَيشِ وفي أهلِ مَكةَ بأمْرٍ مِن رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، "أمِنَ الأسوَدُ والأبيَضُ إلَّا فُلانًا وفُلانًا -ناسٌ سَمَّاهم- "لا تَقتُلوا أحَدًا مِن قُرَيشٍ إلَّا أربَعةَ نَفَرٍ، حتى إنَّه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ -كما أخرَجَ النَّسائيُّ مِن حَديثِ سَعدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ رَضيَ
اللهُ عنه- عن هؤلاءِ الأربَعةِ: "اقتُلوهم وإنْ وَجَدتُموهم مُتعَلِّقينَ بأستارِ الكَعبةِ: عِكرِمةُ بنُ أبي جَهلٍ، وعَبدُ
اللهِ بنُ خَطَلٍ، ومِقْيَسُ بنُ صُبابةَ، وعَبدُ
اللهِ بنُ سَعدِ بنِ أبي السَّرْحِ"، ومِمَّا جاءَ في قِصَّةِ قَتلِ هؤلاءِ الأربَعةِ: فأمَّا عَبدُ
اللهِ بنُ خَطَلٍ فأُدرِكَ وهو مُتعَلِّقٌ بأستارِ الكَعبةِ، فاستَبَقَ إليه سَعيدُ بنُ حُرَيثٍ وعَمَّارُ بنُ ياسِرٍ، فسَبَقَ سَعيدٌ عَمَّارًا، وكان أشَبَّ الرَّجُلَيْنِ فقَتَلَه، وأمَّا مِقْيَسُ بنُ صُبابةَ فأدرَكَه النَّاسُ في السُّوقِ، فقَتَلوه، وأمَّا عِكرِمةُ فرَكِبَ البَحرَ، فأصابَتْهم عاصِفٌ، فقالَ أصحابُ السَّفينةِ: أخْلِصوا؛ فإنَّ آلِهَتَكم لا تُغْني عنكم شَيئًا ها هنا! فقالَ عِكرِمةُ: و
اللهِ لَئِن لم يُنجِني مِنَ البَحرِ إلَّا الإخلاصُ، لا يُنجِني في البَرِّ غَيرُه، اللَّهُمَّ إنَّ لكَ علَيَّ عَهدًا إنْ أنتَ عافَيْتَني مِمَّا أنا فيه أنْ آتيَ محمَّدًا صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ حتى أضَعَ يَديَ في يَدِه، فلَأجِدَنَّه عَفُوًّا كَريمًا، فجاءَ فأسلَمَ، وأمَّا عَبدُ
اللهِ بنُ سَعدِ بنِ أبي السَّرحِ فإنَّه اختَبَأ عِندَ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ، فلَمَّا دَعا رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ النَّاسَ إلى البَيعةِ، جاءَ به حتى أوقَفَه على النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، قال: يا رَسولَ
اللهِ، بايِعْ عَبدَ
اللهِ، قال: فرَفَعَ رَأْسَه، فنَظَرَ إليه ثَلاثًا، كُلَّ ذلك يَأْبى، فبايَعَه بَعدَ ثَلاثٍ، ثم أقبَلَ على أصحابِه فقالَ: «
أمَا كانَ فيكم رَجُلٌ رَشيدٌ يَقومُ إلى هذا حيثُ رآني كَفَفتُ يَدي عن بَيعَتِه فيَقتُلُه؟»، فقالوا: وما يُدْرينا يا رَسولَ
اللهِ ما في نَفْسِكَ، هَلَّا أومَأْتَ إلينا بعَينِكَ؟ قال: «
إنَّه لا يَنبَغي لِنَبيٍّ أنْ يَكونَ له خائِنةُ أعيُنٍ»، فأنزَلَ
اللهُ تَبارَكَ وتَعالى:
{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ } [
النحل: 126 ]، بمَعنى أنَّ لكم أن تُعاقِبوا مَن ظَلَمَكم واعتَدَى عليكم بمِثلِ ما فَعَلَ بكم، وإنْ تَرَكتُم عِقابَهم واحتَسَبتُمُ الأجْرَ عِندَ
اللهِ فهو أفضَلُ وخَيرٌ لكم، فقالَ رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ مُستَجيبًا لِأمْرِ رَبِّه عَزَّ وجَلَّ: "نَصبِرُ ولا نُعاقِبُ" بمَعنى: نَصبِرُ ونَحتَسِبُ الأجْرَ ولا نَفعَلُ ما وَعَدْنا أنْفُسَنا به في حَقِّ قَتْلى قُرَيشٍ.
وفي الحَديثِ: فَضلُ العَفوِ عن صاحِبِ الأذى بَعدَ الظُّهورِ عليه.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم