الإسْلامُ دِينُ الأخْلاقِ الحَسَنةِ، وقد أمَرَ بحِفْظِ الأعْراضِ مِن أنْ تُنْتَهكَ بالقَوْلِ أو الفِعْلِ؛ لأنَّ انتِهاكَها ممَّا يُورِثُ العَداوةَ والبَغْضاءَ بيْنَ المُسْلِمينَ، كما حَرَّمَ الرِّبا والتَّعامُلَ به بكلِّ صُوَرِه.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليْه وسلَّمَ: "إنَّ الدِّرْهمَ يُصيبُه الرَّجُلُ مِن الرَّبا"، فيَأخُذُه أو يَنتَفِعُ به -والرِّبا هو: التَّعامُلُ بيْنَ النَّاسِ بالزِّيادةِ على أَصْلِ الدُّيونِ والإقْراضِ-؛ "أَعْظَمُ عندَ
اللهِ في الخَطيئةِ مِن سِتٍّ وثَلاثينَ زَنْيةً يَزْنيها الرَّجُلُ"، فتَكونُ عُقوبَتُه أَشَدَّ إثْمًا مِن سِتٍّ وثَلاثينَ زَنْيةً، معَ أنَّ الزِّنا فاحِشَةٌ، ومِن الكَبائِرِ، فكَيْفَ بمَن فَعَلَ ما هو أَعْظَمُ منها بأَكْلِه الرِّبا؟!وذِكْرُ العَدَدِ للمُبالَغةِ والتَّهْويلِ، ويَحتَمِلُ أنَّ الأشَدِّيَّةَ علَى حَقيقَتِها، فتَكونُ المَرَّةُ مِن الرِّبا أَشَدَّ إثْمًا مِن تلك السِّتِّ والثَّلاثينَ زَنْيةً لحِكْمَةٍ عَلِمَها
اللهُ تَعالَى، وقد يُطْلِعُ عليْها بعْضَ أَصْفِيائِه.
وقيلَ: إنَّما كان أَشَدَّ مِن الزِّنا؛ لأنَّ مَن أَكَلَه فقدْ حاوَلَ مُخالَفةَ
اللهِ ورَسولِه ومَحارَبَتِهما بِعَقلِه الزَّائغِ، فيُؤَدِّي بِصاحِبِه إلى خاتِمةِ السُّوءِ والعِياذُ بِ
اللهِ تَعالى، كمَا أَخَذَه العُلَماءُ مِن قَوْلِه تَعالى:
{ فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [
البقرة: 279 ]،
أي: بحَرْبٍ عَظيمةٍ، فتَحْريمُه مَحْضُ تَعَبُّدٍ؛ ولذلكَ رَدَّ
اللهُ قَوْلَهم: "إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا" بقَوْلِه:
{ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } [
البقرة: 275 ].
وأمَّا قُبْحُ الزِّنا فَظاهِرٌ عَقْلًا وشَرْعًا، وله وَزَعةٌ وزَواجِرُ سِوى الشَّرْعِ، فأَكْلُ الرِّبا يَهْتِكُ حُرْمةَ
اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وفاعِلُ الزِّنا يَخْرِقُ جِلْبابَ الحَياءِ.
والظَّاهِرُ أنَّه أُريدَ به المُبالَغةُ؛ زَجْرًا عن أَكْلِ الحَرامِ، وحَثًّا على طَلَبِ الحَلالِ، واجْتِنابِ حقِّ العِبادِ.
ثُمَّ قال صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: "وإنَّ أَرْبى الرِّبا" وهو أفْحَشُه وأرْذَلُه وأكْثرُه وَبالًا على صاحِبِه "عِرْضُ الرَّجُلِ المُسْلِمِ"،
أي: الوُقوعُ في عِرْضِ المُسْلِمِ بالقَوْلِ أو الفِعْلِ، أو بِالغِيبةِ وسَيِّئِ القَوْلِ بغَيرِ حقٍّ، وبغَيرِ سَبَبٍ شَرْعيٍّ يُبيحُ له استِباحةَ عِرْضِ أَخيه، وبأكْثَرَ ممَّا يَسْتحِقُّه مِن القَوْلِ أو الفِعْلِ؛ فإذا كان الرِّبا في المالِ مُحرَّمًا ومِن الكَبائرِ؛ فإنَّ تَشْبيهَ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليْه وسلَّمَ الوُقوعَ في الأعْراضِ بالوُقوعِ في الرِّبا المُحرَّمِ هو على سَبيلِ المُبالَغةِ؛ وذلكَ لأنَّ العِرْضَ أَعَزُّ وأَغْلى على الإنْسانِ مِن المالِ؛ فيَكونُ الوُقوعُ فيه أَشَدَّ ضَررًا وخُطورةً مِن الوُقوعِ في رِبا المالِ.
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ والتَّرْهيبُ مِن الوُقوعِ في الرِّبا.
وفيه: التَّحْذيرُ الشَّديدُ مِن الوُقوعِ في أعْراضِ النَّاسِ.
وفيه: بَيانُ قُبْحِ الزِّنا، وسُوءِ فِعْلِه.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم