لَمَّا أذِنَ
اللهُ للمؤمِنينَ بالهِجْرةِ مِن مكَّةَ المُكرَّمةِ إلى المَدينةِ المُنوَّرةِ، بادَرَ إليها كلُّ مُستَطيعٍ مِن الصَّحابةِ، وكانتْ حينَها واجِبةً على المُسلِمينَ؛ حتَّى يَفِرُّوا بدِينِهم مِن دِيارِ الكُفرِ، ويَنْصُروا النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، ويَنشُروا دَعوةَ الحَقِّ.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي البَراءُ بنُ عازِبٍ رَضيَ
اللهُ عنهما أنَّ أوَّلَ مَن قَدِمَ المَدينةَ على الأنْصارِ مِن المُهاجِرينَ، هو مُصعَبُ بنُ عُمَيرٍ البَدْريُّ القُرَشيُّ رَضيَ
اللهُ عنه، وكان منَ السَّابِقينَ إلى الإسْلامِ، وقُتِلَ يومَ أُحدٍ، «
وابنُ أمِّ مَكْتومٍ» واسمُه عبدُ
اللهِ، أو عَمْرُو بنُ قَيسِ بنِ رَواحةَ القُرَشيُّ رَضيَ
اللهُ عنه، وهو مِنَ السَّابِقينَ المُهاجِرينَ، ومُؤذِّنُ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان ضَريرًا،
أي: كَفيفَ البَصرِ، وكانا -مُصعَبٌ وابنُ أمِّ مَكْتومٍ رَضيَ
اللهُ عنهما- يُقْرِئانِ النَّاسَ
القُرآنَ.
وقيلَ: إنَّ أوَّلَ مَن قدِمَ المَدينةَ مِن المُهاجِرينَ مُطلَقًا أبو سَلَمةَ بنُ عبدِ الأسَدِ رَضيَ
اللهُ عنه، وكان قدْ رجَع مِن الحَبَشةِ إلى مكَّةَ، فأُوذيَ بمكَّةَ، فبلَغَه ما وقَع للاثْنَيْ عَشَرَ مِن الأنْصارِ في العَقَبةِ الأُولى، فتَوجَّهَ إلى المَدينةِ، فيُجمَعُ بيْنَ هذا وبينَ ما ورَد في هذا الحَديثِ: بأنَّ أبا سَلَمةَ خرَجَ لا لقَصْدِ الإقامةِ بالمَدينةِ، بلْ فِرارًا منَ المُشرِكينَ، بخِلافِ مُصعَبِ بنِ عُمَيرٍ؛ فإنَّه خرَجَ إليها للإقامةِ بها، وتَعليمِ مَن أسلَمَ مِن أهلِها بأمْرِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، فلكلٍّ أوَّليَّةٌ من جِهةٍ.
ثمَّ قَدِمَ بِلالُ بنُ رَباحٍ رَضيَ
اللهُ عنه، مُؤذِّنُ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو أحَدُ السَّابِقينَ الأوَّلينَ الَّذين عُذِّبوا في
اللهِ تعالَى عذابًا شديدًا وصَبَر على ذلِك، وقدْ شهِدَ بَدرًا، وشهِدَ له النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ على التَّعْيينِ بالجنَّةِ.
وسَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ، أبو إسْحاقَ القُرَشيُّ الزُّهْريُّ، المَكِّيُّ رَضيَ
اللهُ عنه، أحَدُ العَشَرةِ المُبشَّرينَ بالجنَّةِ، وأحَدُ السَّابِقينَ الأوَّلينَ، وأحَدُ مَن شهِدَ بَدرًا، والحُدَيْبيَةَ، وعمَّارُ بنُ ياسِرٍ رَضيَ
اللهُ عنهما، أبو اليَقْظانِ العَنْسيُّ، المَكِّيُّ، مَوْلى بَني مَخْزومٍ، أحَدُ السَّابِقينَ الأوَّلينَ، والأعْيانِ البَدْريِّينَ، وأُمُّه: هي سُمَيَّةُ، مَوْلاةُ بَني مَخْزومٍ، مِن كِبارِ الصَّحابيَّاتِ أيضًا.
ثمَّ قدِمَ إلى المَدينةِ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ
اللهُ عنه في عِشْرينَ مِن أصْحابِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، ثمَّ قدِمَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ ومعَه أبو بَكرٍ وعامرُ بنُ فُهَيْرةَ مَوْلى أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضيَ
اللهُ عنهما.
ويَصِفُ البَراءُ فرَحَ الأنْصارِ بقُدومِ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ عليهم، فيَقولُ: فما رأيْتُ أهلَ المَدينةِ فَرِحوا بشَيءٍ كفَرَحِهم برَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، حتَّى كانتِ الإماءُ -جَمْعُ الأَمَةِ، وهي المَرأةُ المَمْلوكةُ- يَقُلْنَ: قدِمَ رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ.
وهذا على سَبيلِ الفرَحِ والاستِبْشارِ بمَقدَمِ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ.
وكان قُدومُه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بعدَ مُدَّةٍ مِنِ انْتِشارِ الإسْلامِ في المَدينةِ، تمكَّنَ فيها البَراءُ رَضيَ
اللهُ عنه مِن قِراءةِ وحِفظِ سُورةِ:
{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } وسُوَرٍ أُخْرى مِن المُفَصَّلِ، والمُفصَّلُ: هو السُّبعُ الأخيرُ مِنَ
القُرآنِ، أوَّلُه سورةُ
( ق )، وقيلَ: الحُجُراتُ.
وفي الحَديثِ: فَضيلةُ مُصعَبِ بنِ عُمَيرٍ وعَبدِ
اللهِ بنِ أمِّ مَكْتومٍ رَضيَ
اللهُ عنهما.
وفيه: تَتابُعُ هِجرةِ أصْحابِ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ إلى المَدينةِ المُنوَّرةِ مِن بعْدِ بَيْعةِ العَقَبةِ الأُولى.
وفيه: أنَّ سُورةَ الأعْلى نزَلَت بمكَّةَ.
وفيه: فَضيلةُ البَراءِ بنِ عازبٍ رَضيَ
اللهُ عنهما.
وفيه: فَضيلةُ الأنْصارِ، وفرَحُهم بهِجرةِ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ إليهم.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم