حديث لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن معه فجئته فساررته

أحاديث نبوية | صحيح البخاري | حديث جابر بن عبدالله

«لَمَّا حُفِرَ الخَنْدَقُ رَأَيْتُ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَمَصًا شَدِيدًا، فَانْكَفَأْتُ إلى امْرَأَتِي، فَقُلتُ: هلْ عِنْدَكِ شَيءٌ؟ فإنِّي رَأَيْتُ برَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَمَصًا شَدِيدًا، فأخْرَجَتْ إلَيَّ جِرَابًا فيه صَاعٌ مِن شَعِيرٍ، ولَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ فَذَبَحْتُهَا، وطَحَنَتِ الشَّعِيرَ، فَفَرَغَتْ إلى فَرَاغِي، وقَطَّعْتُهَا في بُرْمَتِهَا، ثُمَّ ولَّيْتُ إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَتْ: لا تَفْضَحْنِي برَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبِمَن معهُ، فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وطَحَنَّا صَاعًا مِن شَعِيرٍ كانَ عِنْدَنَا، فَتَعَالَ أنْتَ ونَفَرٌ معكَ، فَصَاحَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَ: يا أهْلَ الخَنْدَقِ، إنَّ جَابِرًا قدْ صَنَعَ سُورًا، فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ، ولَا تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حتَّى أجِيءَ. فَجِئْتُ وجَاءَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقْدُمُ النَّاسَ حتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي، فَقَالَتْ: بكَ وبِكَ، فَقُلتُ: قدْ فَعَلْتُ الذي قُلْتِ، فأخْرَجَتْ له عَجِينًا فَبَصَقَ فيه وبَارَكَ، ثُمَّ عَمَدَ إلى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ وبَارَكَ، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعِي، واقْدَحِي مِن بُرْمَتِكُمْ ولَا تُنْزِلُوهَا، وهُمْ ألْفٌ، فَأُقْسِمُ باللَّهِ لقَدْ أكَلُوا حتَّى تَرَكُوهُ وانْحَرَفُوا، وإنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كما هي، وإنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كما هُوَ.»

صحيح البخاري
جابر بن عبدالله
البخاري
[صحيح]

صحيح البخاري - رقم الحديث أو الصفحة: 4102 - أخرجه البخاري (4102)، ومسلم (2039)

شرح حديث لما حفر الخندق رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا فانكفأت


كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة

لقدْ أحبَّ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أكثَرَ مِن حُبِّهم لأنفُسِهم، وجاهَدوا معَه حَقَّ الجِهادِ؛ إعْلاءً لكَلِمةِ اللهِ، وتَنْفيذًا لأمْرِه، ومُجاهَدةً لأعْدائِه، فأُوذوا وصَبَروا ابْتِغاءَ ما عِندَ اللهِ سُبحانَه وتعالَى، ففازوا بخَيرَيِ الدُّنْيا والآخِرةِ.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي جابِرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه أثْناءَ حَفرِ الخَندَقِ، وهو الحُفْرةُ العَميقةُ والطَّويلةُ حَولَ شَيءٍ مُعيَّنٍ، أو في جِهةٍ مُعيَّنةٍ، وقدْ حفَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَمالَ المَدينةِ بعْدَ أنْ أشار عليه سَلْمانُ الفارسيُّ؛ لحِمايَتِها مِن الأحْزابِ الَّتي جَمعَتْها قُرَيشٌ لحَربِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصْحابِه، وكان ذلك في سَنةِ خَمسٍ منَ الهِجْرةِ، ففي تلك الأثْناءِ رَأى جابِرٌ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ «خَمَصًا شَديدًا»، وهو ضُمورُ البَطنِ مِن الجوعِ، فرجَعَ إلى امْرأتِه، واسْمُها سُهَيْلةُ، فسَأَلَها: هلْ عندَكِ شَيءٌ؟ فإنِّي رأيْتُ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَمَصًا شَديدًا، فأخرَجَتْ إليه «جِرابًا»، وهو وِعاءٌ منَ الجِلدِ يُجعَلُ فيه الزَّادُ، فيه صاعٌ مِن شَعيرٍ، والصَّاعُ: أربَعةُ أمْدادٍ، والمُدُّ: مِقْدارُ ما يَمْلأُ الكَفَّينِ، ويُساوي ثَلاثةَ كيلوجِراماتٍ تَقْريبًا.
وكان عندَ جابِرٍ بَهيمةٌ، وهي الصَّغيرُ من أوْلادِ الغَنمِ، «دَاجِنٌ» وهو ما يُربَّى في البُيوتِ، ولا يَخرُجُ إلى المَرْعى، فذبَحَها، وفي نفْسِ الوَقتِ انتَهَتِ امْرأتُه مِن طَحْنِ الشَّعيرِ، ثمَّ قطَّعَ الذَّبيحةَ ووضَعَها في «بُرْمَتِها»، أي: قِدْرِها؛ لإصْلاحِها حتَّى يَسرُعَ نُضجُها، وعندَ رُجوعهِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالت له امْرأتُه: لا تَفْضَحْني برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبمَن معَه، أي: لا تَكشِفْ مَعايِبي، مِنَ الفَضيحةِ، وهي الشُّهْرةُ بما يُعابُ، وتَقصِدُ بكَلامِها: لا تَدْعُ مِن النَّاسِ إلَّا بمِقْدارِ ما يَكْفي الطَّعامُ؛ لقِلَّتِه، فجاء جَابِرٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فكلَّمَه سرًّا يَدْعوه إلى الطَّعامِ، وفي ذلك مُبالَغةٌ في إخْفاءِ الأمْرِ وكَتْمِه؛ لِئلَّا يطَّلِعَ عليه أحَدٌ فيَحضُرَ مِن غَيرِ دَعْوةٍ؛ لِمَا بالنَّاسِ مِن المَجاعةِ، فيقَعَ في الفَضيحةِ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، ذَبَحْنا بَهيمةً لنا، وطحَنَّا صاعًا مِن شَعيرٍ كان عندَنا، فتَعالَ أنتَ ونَفَرٌ معَكَ، والنَّفَرُ دونَ العَشَرةِ مِن الرِّجالِ، فصاحَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: «يا أهلَ الخَندَقِ، إنَّ جابِرًا قد صنَعَ سُورًا»، أي: طَعامًا، «فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ»، أي: هَلُمُّوا مُسرِعينَ، وأمَرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جابِرًا ألَّا يُنزِلَ القِدرَ مِن فوقِ النَّارِ، وألَّا يَخبِزَ العَجينَ حتَّى يَأتيَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى مَنزِلِهم.

ويَحْكي جابِرٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه ذَهَبَ إلى بيتِه، وجاء معَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتقدَّمُ النَّاسَ، فلمَّا جاء إلى امْرأتِه، قالت له لَمَّا رَأتْ كَثْرةَ النَّاسِ وقِلَّةَ الطَّعامِ: «بِكَ وَبِكَ!» أي: فعَلَ اللهُ بِكَ كذا، وفعَلَ بِكَ كذا؛ تَلومُه على حُضورِ النَّاسِ كلِّهم وأنَّه خالَفَ وَصيَّتَها، فأعْلَمَها جابِرٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه فعَلَ ما أوْصَتْه به مِن إخْبارِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقِلَّةِ الطَّعامِ وحَقيقةِ الحالِ، فلمَّا عَلِمَت أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو الذي دَعاهُمْ، اطمَأَنَّت، وأخْرجَت للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ العَجينَ، «فبَصَقَ فيه»، أي: نفَخَ نَفخًا خَفيفًا مِن فَمِه، ودَعا بالبَرَكةِ فيه، ثمَّ قصَدَ إلى القِدْرِ، فنفَخَ فيه نَفخًا خَفيفًا مِن فَمِه في الطَّعامِ، ودَعا بالبَرَكةِ فيه، ثمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ادْعُ خابِزةً فلْتَخبِزْ مَعي»، فكأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَولَّى بنَفْسِه إنْضاجَ الخُبزِ، وطلَبَ مَن تُساعِدُه فيه، ثمَّ قال لزَوْجةِ جابِرٍ: «واقْدَحي»، أيِ: اغْرِفي مِن القِدرِ، ولا تُنزِلوها مِن فَوقِ الحِجارةِ، وفي رِوايةٍ أُخْرى للبُخاريِّ: «فجعَلَ يَكسِرُ الخُبْزَ، ويَجعَلُ عليه اللَّحمَ، ويُخمِّرُ البُرْمةَ والتَّنُّورَ إذا أخَذَ منه»؛ وذلك ليُحافِظَ على بَرَكةِ الطَّعامِ مِن الإحْصاءِ، «ويُقَرِّبُ إلى أصْحابِه، ثمَّ يَنزِعُ، فلم يَزَلْ يَكسِرُ الخُبزَ، ويَغرِفُ حتَّى شَبِعوا وبَقيَ بَقيَّةٌ».
وأخبَرَ جابِرٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ عدَدَ القَومِ حينَئذٍ ألفٌ، ثمَّ أقسَمَ باللهِ أنَّ القَومَ أكَلوا حتَّى تَرَكوا الطَّعامَ وانحَرَفوا، أي: مالوا عنه، والبُرْمةُ «لَتَغِطُّ»، يَعني أنَّها مُمتَلِئةٌ تَفورُ بحيث يُسمَعُ لها غَطيطٌ كما هي، وإنَّ عَجينَنا ليُخبَزُ كما هو لم يَنقُصْ مِن ذلك شَيءٌ.
وفي الحَديثِ: مُعجِزةُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في تَكْثيرِ الطَّعامِ.
وفيه: فَضلُ أصْحابِه رَضيَ الله عنهم، حيث صَبَروا معَه على الجوعِ والحَربِ.
وفيه: فَضيلةُ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ وزَوجَتِه رَضيَ اللهُ عنهم.
وفيه: أهمِّيَّةُ الأخْذِ بالأسْبابِ.

شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم

قم بقراءة المزيد من الأحاديث النبوية


الكتابالحديث
صحيح البخاريعن عائشة رضي الله عنها إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ
صحيح البخاريلما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته ينقل
صحيح البخاريأن ابن عمر رضي الله عنهما قال أول يوم شهدته يوم الخندق
صحيح البخاريكنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق وهم يحفرون ونحن
صحيح البخاريخرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار فلما قدمنا حمص قال لي
صحيح البخاريأنه سمع سهل بن سعد وهو يسأل عن جرح رسول الله صلى الله
صحيح البخاريعن عائشة رضي الله عنها الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم
صحيح البخاريعن قتادة قال ما نعلم حيا من أحياء العرب أكثر شهيدا أعز يوم
صحيح البخاريأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للوزغ الفويسق ولم أسمعه أمر بقتله
صحيح البخاريأن ابن عمر كان يقتل الحيات ثم نهى قال إن النبي صلى الله
صحيح البخاريأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا يشتري له به شاة فاشترى
صحيح البخاريأنبئت أن جبريل  عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم


أشهر كتب الحديث النبوي الصحيحة


صحيح البخاري صحيح مسلم
صحيح الجامع صحيح ابن حبان
صحيح النسائي مسند الإمام أحمد
تخريج صحيح ابن حبان تخريج المسند لشاكر
صحيح أبي داود صحيح ابن ماجه
صحيح الترمذي مجمع الزوائد
هداية الرواة تخريج مشكل الآثار
السلسلة الصحيحة صحيح الترغيب
نخب الأفكار الجامع الصغير
صحيح ابن خزيمة الترغيب والترهيب

قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Monday, November 25, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب