إعراب الآية 69 من سورة المائدة , صور البلاغة و معاني الإعراب.
إعراب إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ( المائدة: 69 ) }
﴿إِنَّ﴾: حرف توكيد مشبّه بالفعل.
﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول مبنيّ على السكون في محلّ نصب اسم ( إن ).
﴿آمنوا﴾: فعل ماض مبنيّ على الضم، و "الواو" فاعل.
﴿وَالَّذِينَ هَادُوا﴾: الواو: حرف عطف.
الذين هادوا: مثل ( الذين آمنوا ) ومعطوف عليه.
﴿وَالصَّابِئُونَ﴾: الواو: حرف عطف.
الصابئون: مبتدأ مرفوع على نية التأخير خبره محذوف دل عليه خبر ( إنّ ).
﴿وَالنَّصَارَى﴾: الواو: حرف عطف.
النصارى: اسم معطوف على ( الذين ) منصوب وعلامة النصب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذّر.
﴿مَنْ﴾: اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب بدل من ( الذين آمنوا )، وما عطف عليه بدل من بعض من كلّ.
﴿آمَنَ﴾: فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو.
﴿باللهِ﴾: جارّ ومجرور متعلّقان بـ ( آمن ).
﴿وَالْيَوْمِ﴾: الواو: حرف عطف.
اليوم: اسم معطوف على لفظ الجلالة مجرور بالكسرة.
﴿الآخِرِ﴾: نعت لليوم مجرور بالكسرة.
﴿وَعَمِلَ﴾: الواو: حرف عطف.
عمل: فعل ماضٍ، والفاعل ضمير مستتر تقديره: هو.
﴿صَالِحًا﴾: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
﴿فَلَا﴾: الفاء: حرف رابط لمشابهة الموصول بالشرط.
لا: حرف نفي.
﴿خَوْفٌ﴾: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
﴿عَلَيْهِمْ﴾: على: حرف جرّ، وهم: ضمير في محلّ جرّ.
والجارّ والمجرور متعلّقان بمحذوف خبر المبتدأ.
﴿وَلَا﴾: الواو: حرف عطف.
لا: حرف زائد لتأكيد النفي.
﴿هُمْ﴾: ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ.
﴿يَحْزَنُونَ﴾: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، و "الواو" فاعل.
وجملة ( إن الذين آمنوا ) لا محلّ لها من الإعراب، لأنها استئنافيّة.
وجملة ( آمنوا ) لا محلّ لها من الإعراب، لأنها صلة الموصول ( الذين ) الأول.
وجملة ( هادوا ) لا محلّ لها من الإعراب، لأنها صلة الموصول ( الذين ) الثاني.
وجملة ( الصَّابِئُونَ ) وخبره المقدر لا محلّ لها من الإعراب، لأنها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة ( آمن بالله ) لا محلّ لها من الإعراب، لأنها صلة الموصول ( من ).
وجملة ( عمل ) لا محلّ لها من الإعراب، لأنها معطوفة على جملة ( آمن ).
وجملة ( لا خوف عليهم ) في محلّ رفع خبر ( إن ).
وجملة ( هم يحزنون ) في محلّ رفع معطوفة على جملة ( لا خوف عليهم ).
وجملة ( يحزنون ) في محلّ رفع خبر المبتدأ ( هم ).
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
[ المائدة: 69]
إعراب مركز تفسير: إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر
﴿إِنَّ﴾: حَرْفُ تَوْكِيدٍ وَنَصْبٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ.
﴿الَّذِينَ﴾: اسْمٌ مَوْصُولٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ اسْمُ ( إِنَّ ).
﴿آمَنُوا﴾: فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لِاتِّصَالِهِ بِوَاوِ الْجَمَاعَةِ، وَ"وَاوُ الْجَمَاعَةِ" ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ فَاعِلٌ، وَالْجُمْلَةُ صِلَةُ الْمَوْصُولِ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ.
﴿وَالَّذِينَ﴾: "الْوَاوُ" حَرْفُ عَطْفٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَ( الَّذِينَ ) اسْمٌ مَوْصُولٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ مَعْطُوفٌ.
﴿هَادُوا﴾: فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لِاتِّصَالِهِ بِوَاوِ الْجَمَاعَةِ، وَ"وَاوُ الْجَمَاعَةِ" ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ فَاعِلٌ، وَالْجُمْلَةُ صِلَةُ الْمَوْصُولِ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ.
﴿وَالصَّابِئُونَ﴾: "الْوَاوُ" حَرْفُ عَطْفٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَ( الصَّابِئُونَ ) مُبْتَدَأٌ مَرْفُوعٌ وَعَلَامَةُ رَفْعِهِ الْوَاوُ عَلَى نِيَّةِ التَّأْخِيرِ، وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ "كَذَلِكَ" دَلَّ عَلَيْهِ خَبَرُ ( إِنَّ ) مَرْفُوعٌ وَعَلَامَةُ رَفْعِهِ الْوَاوُ لِأَنَّهُ جَمْعُ مُذَكَّرٍ سَالِمٌ.
﴿وَالنَّصَارَى﴾: "الْوَاوُ" حَرْفُ عَطْفٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَ( النَّصَارَى ) مَعْطُوفٌ مَنْصُوبٌ وَعَلَامَةُ نَصْبِهِ الْفَتْحَةُ الْمُقَدَّرَةُ لِلتَّعَذُّرِ.
﴿مَنْ﴾: اسْمٌ مَوْصُولٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بَدَلٌ مِنْ ( الَّذِينَ آمَنُوا ).
﴿آمَنَ﴾: فِعْلٌ مَاضٍ فِعْلُ الشَّرْطِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَالْفَاعِلُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ تَقْدِيرُهُ "هُوَ"، وَالْجُمْلَةُ صِلَةُ الْمَوْصُولِ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ.
﴿بِاللَّهِ﴾: "الْبَاءُ" حَرْفُ جَرٍّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ، وَاسْمُ الْجَلَالَةِ اسْمٌ مَجْرُورٌ وَعَلَامَةُ جَرِّهِ الْكَسْرَةُ الظَّاهِرَةُ.
﴿وَالْيَوْمِ﴾: "الْوَاوُ" حَرْفُ عَطْفٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَ( الْيَوْمِ ) مَعْطُوفٌ مَجْرُورٌ وَعَلَامَةُ جَرِّهِ الْكَسْرَةُ الظَّاهِرَةُ.
﴿الْآخِرِ﴾: نَعْتٌ مَجْرُورٌ وَعَلَامَةُ جَرِّهِ الْكَسْرَةُ الظَّاهِرَةُ.
﴿وَعَمِلَ﴾: "الْوَاوُ" حَرْفُ عَطْفٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَ( عَمِلَ ) فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَالْفَاعِلُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ تَقْدِيرُهُ "هُوَ".
﴿صَالِحًا﴾: مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصُوبٌ وَعَلَامَةُ نَصْبِهِ الْفَتْحَةُ الظَّاهِرَةُ.
﴿فَلَا﴾: "الْفَاءُ" حَرْفٌ زَائِدٌ لِلتَّوْكِيدِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَ( لَا ) حَرْفُ نَفْيٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ.
﴿خَوْفٌ﴾: مُبْتَدَأٌ مَرْفُوعٌ وَعَلَامَةُ رَفْعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ.
﴿عَلَيْهِمْ﴾: ( عَلَى ) حَرْفُ جَرٍّ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ، وَ"هَاءُ الْغَائِبِ" ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِالْحَرْفِ، وَشِبْهُ الْجُمْلَةِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ، وَجُمْلَةُ: ( لَا خَوْفَ عَلَيْهِمْ ) فِي مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ ( إِنَّ ).
﴿وَلَا﴾: "الْوَاوُ" حَرْفُ عَطْفٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَ( لَا ) حَرْفُ نَفْيٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ.
﴿هُمْ﴾: ضَمِيرٌ مُنْفَصِلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ مُبْتَدَأٌ.
﴿يَحْزَنُونَ﴾: فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ وَعَلَامَةُ رَفْعِهِ ثُبُوتُ النُّونِ لِأَنَّهُ مِنَ الْأَفْعَالِ الْخَمْسَةِ، وَ"وَاوُ الْجَمَاعَةِ" ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ فَاعِلٌ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ ( هُمْ ).
مرت هذه الآية في سورة البقرة مع خلاف قليل هو قوله تعالى: فلهم أجرهم عند ربهم
( برقم 62 ) ونصب الصابئين على أنها معطوفة على ما قبلها أما الرفع فعلى أنها مبتدأ وخبره محذوف والتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا.. كلهم كذا والصابئون كذلك... والجملة الاسمية معطوفة على جملة إن الذين آمنوا الاستئنافية.
( مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ) من اسم موصول مبني على السكون في محل نصب بدل من الذين والجملة صلة الموصول لا محل لها
( فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) الفاء رابطة لأن في الموصول رائحة الشرط والتقدير من آمن من اليهود والنصارى فلا خوف عليهم، لا نافية، خوف مبتدأ، عليهم خبره.
( وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) جملة يحزنون خبر المبتدأ هم والجملة الاسمية ولا هم معطوفة.
تفسير الآية 69 - سورة المائدة
تفسير الجلالين | التفسير الميسر | تفسير السعدي |
تفسير البغوي | التفسير الوسيط | تفسير ابن كثير |
تفسير الطبري | تفسير القرطبي | Tafsir English |
الصور البلاغية و المعاني الإعرابية للآية 69 - سورة المائدة
إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون
سورة: المائدة - آية: ( 69 ) - جزء: ( 6 ) - صفحة: ( 119 )أوجه البلاغة » إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر :
موقع هذه الآية دقيق ، ومعناها أدقّ ، وإعرابها تابع لدقّة الأمرين . فموقعها أدقّ من موقع نظيرتها المتقدّمة في سورة البقرة ( 62 ) ، فلم يكن ما تقدّم من البيان في نظيرتها بمغن عن بيان ما يختصّ بموقع هذه . ومعناها يزيد دقّة على معنى نظيرتها تبعاً لدقّة موقع هذه . وإعرابها يتعقّد إشكاله بوقوع قوله : { والصابون } بحالة رفع بالواو في حين أنّه معطوف على اسم { إنّ } في ظاهر الكلام .
فحقّ علينا أن نخصّها من البيان بما لم يسبق لنا مثله في نظيرتها ولنبدأ بموقعها فإنّه مَعْقَد معناها :
فاعلم أنّ هذه الجملة يجوز أن تكون استئنافاً بيانياً ناشئاً على تقدير سؤال يخطر في نفس السامع لِقوله : { قل يأهل الكتاب لستم على شيء حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل } [ المائدة : 68 ] فيسأل سائل عن حال من انقرضوا من أهل الكتاب قبل مجيء الإسلام : هل هم على شيء أو ليسوا على شيء ، وهل نفعهم اتّباع دينهم أيّامئذٍ؛ فوقع قوله : { إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا } الآية جواباً لهذا السؤال المقدّر . والمراد بالّذين آمنوا المؤمنون بالله وبمحمّد صلى الله عليه وسلم أي المسلمون . وإنّما المقصود من الإخبار الّذين هَادوا والصابون والنّصارى ، وأمّا التعرّض لذكر الّذين آمنوا فلاهْتماممٍ بهم سنبيّنه قريباً .
ويجوز أن تكون هذه الجملة مؤكِّدة لجملة { ولو أنّ أهل الكتاب آمنوا واتّقوا } [ المائدة : 65 ] الخ ، فبعد أن أُتبعت تلك الجملة بما أُتبعت به من الجُمل عاد الكلام بما يفيد معنى تلك الجملة تأكيداً للوعد ، ووصلاً لربط الكلام ، وليُلحق بأهل الكتاب الصابئون ، وليظهر الاهتمام بذكر حال المسلمين في جنّات النّعيم .
فالتّصدير بذكر الّذين آمنوا في طالعة المعدودين إدماج للتنويه بالمسلمين في هذه المناسبة ، لأنّ المسلمين هم المثال الصّالح في كمال الإيمان والتحرّز عن الغرور وعن تسرّب مسارب الشرك إلى عقائدهم ( كما بشّر بذلك النّبيء صلى الله عليه وسلم في خطبة حجّة الوداع بقوله : « إنّ الشيطان قد يَئس أن يُعبد من دون الله في أرضكم هذه » ) فكان المسلمون ، لأنّهم الأوحدون في الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصّالح ، أوّلين في هذا الفضل .
وأمّا معنى الآية فافتتاحها بحرف { إنّ } هنا للاهتمام بالخبر لعروّ المقام عن إرادة ردّ إنكار أو تردّد في الحكم أو تنزيل غير المتردّد منزلة المتردّد .
وقد تحيّر النّاظرون في الإخبار عن جميع المذكورين بقوله : { من آمن بالله واليوم الآخر } ، إذ من جملة المذكورين المؤمنون ، وهل الإيمان إلاّ بالله واليوم الآخر؟ وذهب النّاظرون في تأويله مذاهب : فقيل : أريد بالّذين آمنوا من آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم ، وهم المنافقون ، وقيل : أريد بمن آمن من دام على إيمانه ولم يرتد . وقيل : غير ذلك .
والوجه عندي أنّ المراد بالَّذين آمنوا أصحاب الوصف المعروف بالإيمان واشتهر به المسلمون ، ولا يكون إلاّ بالقلب واللّسان لأنّ هذا الكلام وعد بجزاء الله تعالى ، فهو راجع إلى علم الله ، والله يعلم المؤمن الحقّ والمتظاهر بالإيمان نِفاقاً .
فالّذي أراه أن يجعل خبر ( إنّ ) محذوفاً . وحذفُ خبر ( إنّ ) وارد في الكلام الفصيح غير قليل ، كما ذكر سيبويه في «كتابه» . وقد دلّ على الخبر ما ذكر بعده من قوله : { فلا خوف عليهم } إلخ . ويكون قوله : { والّذين هادوا } عطفَ جملة على جملة ، فيجعل { الّذين هادوا } مبتدأ ، ولذلك حقّ رفع ما عُطف عليه ، وهو { والصابُون } . وهذا أولى من جعل { والصابون } مَبْدأ الجملة وتقدير خبر له ، أي والصابون كذلك ، كما ذهب إليه الأكثرون لأنّ ذلك يفضي إلى اختلاف المتعاطفات في الحكم وتشتيتها مع إمكان التفصّي عن ذلك ، ويكون قوله : { من آمن بالله } مبتدأ ثانياً ، وتكون ( من ) موصولة ، والرّابط للجملة بالّتي قبلها محذوفاً ، أي من آمن منهم ، وجملة { فلا خوف عليهم ( 1 ) } خبراً عن ( مَن ) الموصولة ، واقترانها بالفاء لأنّ الموصول شبيه بالشرط . وذلك كثير في الكلام ، كقوله تعالى : { إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثمّ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنّم } [ البروج : 10 ] الآية ، ووجود الفاء فيه يعيّن كونه خبراً عن ( مَن ) الموصولة وليس خبر إنّ على عكس قول ضابي بن الحارث :
ومن يَك أمسى بالمدينة رحلُه ... فإنّي وقبّار بها لغريب
فإنّ وجود لام الابتداء في قوله : «لغريب» عيَّن أنّه خبر ( إنّ ) وتقديرَ خبر عن قبّار ، فلا ينظّر به قوله تعالى : { والصابون } .
ومعنى { من آمن بالله واليوم الآخر } من آمن ودَام ، وهم الّذين لم يغيّروا أديانهم بالإشراك وإنكارِ البعث؛ فإنّ كثيراً من اليهود خلطوا أمور الشرك بأديانهم وعبدوا الآلهة كما تقول التّوراة . ومنهم من جعل عُزيراً ابناً لله ، وإنّ النّصارى ألَّهوا عيسى وعبدوه ، والصابئة عبدوا الكواكب بعد أن كانوا على دين له كتاب . وقد مضى بيان دينهم في تفسير نظير هذه الآية من سورة البقرة ( 62 ) .
ثمّ إنّ اليهود والنّصارى قد أحْدثوا في عقيدتهم من الغرور في نجاتهم من عذاب الآخرة بقولهم : { نحن أبناء الله وأحِبَّاؤه } [ المائدة : 18 ] وقولِهم { لن تمسّنا النّار إلاّ أيَّاماً معدودة } [ البقرة : 80 ] ، وقول النّصارى : إنّ عيسى قد كفَّر خطايا البشر بما تحمّله من عذاب الطّعن والإهانة والصّلب والقتل ، فصاروا بمنزلة من لا يؤمن باليوم الآخر ، لأنّهم عطّلوا الجزاء وهو الحكمة الّتي قُدّر البعث لتحقيقها .
وجمهور المفسّرين جعلوا قوله { والصابون } مبتدأ وجعلوه مقدّماً من وتأخير وقدّروا له خبراً محذوفاً لدلالة خبر ( إنّ ) عليه ، وأنّ أصل النظم : أنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى لهم أجْرهم إلخ ، والصابون كذلك ، جعلوه كقول ضابي بن الحارث :
فإنّي وقبّار بها لغريب ... وبعض المفسّرين قدّروا تقادير أخرى أنهاها الألوسي إلى خمسة . والّذي سلكناه أوضح وأجرى على أسلوب النّظم وأليق بمعنى هذه الآية .
وبعدُ فممّا يجب أن يُوقن به أنّ هذا اللّفظ كذلك نزل ، وكذلك نطق به النّبيء صلى الله عليه وسلم وكذلك تلقّاه المسلمون منه وقرؤوه ، وكُتب في المصاحف ، وهم عَرب خلّص ، فكان لنا أصلاً نتعرّف منه أسلوباً من أساليب استعمال العرب في العطف وإن كان استعمالاً غير شائع لكنّه من الفصاحة والإيجاز بمكان ، وذلك أنّ من الشائع في الكلام أنّه إذا أتي بكلام موكّد بحرف ( إنّ ) وأتي باسم إنّ وخبرها وأريد أن يعطفوا على اسمها معطوفاً هو غريب عن ذلك الحكم جيء بالمعطوف الغريب مرفوعاً ليدلّوا بذلك على أنّهم أرادوا عطف الجمل لا عطف المفردات ، فيقدّرَ السامع خبراً يقدّره بحسب سياق الكلام .
ومن ذلك قوله تعالى : { أنّ الله بريء من المشركين ورسولُه } [ التوبة : 3 ] ، أي ورسوله كذلك ، فإنّ براءته منهم في حال كونه من ذي نسبهم وصهرهم أمر كالغريب ليظهر منه أنّ آصرة الدّين أعظم من جميع تلك الأواصر ، وكذلك هذا المعطوف هنا لمّا كان الصابون أبعد عن الهدى من اليهود والنّصارى في حال الجاهلية قبل مجيء الإسلام ، لأنّهم التزموا عبادة الكواكب ، وكانوا مع ذلك تحقّ لهم النّجاة إن آمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا صالحاً ، كان الإتيان بلفظهم مرفوعاً تنبيهاً على ذلك . لكن كان الجري على الغالب يقتضي أن لا يؤتى بهذا المعطوف مرفوعاً إلاّ بعد أن تستوفي ( إنّ ) خبرها ، إنَّما كان الغالب في كلام العرب أن يؤتى بالاسم المقصود به هذا الحكم مؤخّراً ، فأمّا تقديمه كما في هذه الآية فقد يتراءى للنّاصر أنّه ينافي المقصد الّذي لأجله خولف حكم إعرابه ، ولكن هذا أيضاً استعمال عزيز ، وهو أن يجمع بين مقتضيي حالين ، وهما للدّلالة على غرابة المُخبر عنه في هذا الحكم . والتّنبيه على تعجيل الإعلام بهذا الخبر فإنّ الصابئين يكادون ييأسون من هذا الحكم أو ييأس منهم من يسمع الحكم على المسلمين واليهود . فنبّه الكلّ على أنّ عفو الله عظيم لا يضيق عن شمولهم ، فهذا موجب التّقديم مع الرّفع ، ولو لم يقدّم ما حصل ذلك الاعتبار ، كما أنّه لو لم يرفع لصار معطوفاً على اسم ( إنّ ) فلم يكن عطفه عطف جملة . وقد جاء ذكر الصابين في سورة الحجّ مقدّماً على النّصارى ومنصوباً ، فحصل هناك مقتضى حال واحدة وهو المبادرة بتعجيل الإعلام بشمول فصل القضاء بينهم وأنّهم أمام عدل الله يساوون غيرهم . ثمّ عقّب ذلك كلّه بقوله : { وعمل صالحاً } ، وهو المقصود بالذّات من ربط السلامة من الخوف والحزن ، به ، فهو قيد في المذكورين كلّهم من المسلمين وغيرهم ، وأوّل الأعمال الصّالحة تصديق الرّسول والإيمان بالقرآن ، ثم يأتي امتثال الأوامر واجتناب المنهيات كما قال تعالى : { وما أدراك ما العقبة إلى قوله ثم كان من الّذين آمنوا } [ البلد : 12 17 ] .
English | Türkçe | Indonesia |
Русский | Français | فارسی |
تفسير | انجليزي | اعراب |
تحميل سورة المائدة mp3 :
سورة المائدة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة المائدة
ماهر المعيقلي
سعد الغامدي
عبد الباسط
أحمد العجمي
المنشاوي
الحصري
مشاري العفاسي
ناصر القطامي
فارس عباد
ياسر الدوسري
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب