في هذا الحَديثِ يُخْبِرُ عبدُ
اللهِ بنُ عُمرَ رضِيَ
اللهُ عنهما، أنَّه: «
جاء أعرابيٌّ»، وهو الَّذي يَسكُنُ الصَّحراءَ مِنَ العرَبِ، «
إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ أبي كان يصِلُ الرَّحِمَ»؛
أي: كان أبوهُ في الجاهليَّةِ مُشركًا؛ ولكنْ كان مِن بِرِّه أنَّه وَدودٌ، يُحْسِنُ إلى أهلِه وأقاربِه، «
وكان، وكان»؛
أي: وكان يَفعَلُ الكثيرَ مِنَ الخَيراتِ، «
فأينَ هو؟»؛
أي: أينَ يكونُ في الآخرةِ؛ أفي الجنَّةِ أمْ في النَّارِ؟ فقال النَّبيُّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
في النَّارِ»؛
أي: أنَّ جزاءَه النَّارُ؛ لشِرْكِه؛ وإنْ فعَلَ الخَيرَ، قال ابنُ عُمرَ رضِيَ
اللهُ عنهما: «
فكأنَّه وجَدَ مِن ذلكَ»؛
أي: فظهَرَ الحُزنُ على الأعرابيِّ؛ لدُخولِ والدِه النَّارَ، فقال الأعرابيُّ: «
يا رسولَ اللهِ، فأينَ أبوكَ؟»
أي: مَنزلةُ والدِ النَّبيِّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ في الجنَّةِ أمِ النَّارِ؟ فقال رسولُ
اللهِ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
حيثُما مَرَرْتَ بقبرِ مُشركٍ فبشِّرْه بالنَّارِ»؛
أي: أنَّ هذا الحُكمَ عامٌّ في كلِّ مُشركٍ؛ أنَّه في النَّارِ، ليسَ لأحدٍ منهم خاصيَّةٌ يُستَثنَى بها في دُخولِه الجنَّةَ إلَّا أنْ يُؤمِنَ ب
اللهِ عزَّ وجَلَّ.
قال ابنُ عُمرَ رضِيَ
اللهُ عنهما: «
فأسلَمَ الأعرابيُّ بعْدُ»؛
أي: بعدَ ذلكَ، «
وقال: لقدْ كلَّفَني رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَعَبًا؛ ما مرَرْتُ بقَبْرِ كافرٍ إلَّا بشَّرْتُه بالنَّارِ»، وكأنَّ الأعرابيَّ فهِمَ مِن كَلامِ النَّبيِّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ هذا تَكليفٌ له، وهذا مِنَ الامتثالِ لأَوامرِ النَّبيِّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ.
وهذا مِن مَحاسِنِ الأَجْوبةِ: أنَّه صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ لمَّا وجَدَ الأعرابيُّ في نفْسِه، وحزِنَ على والدِه؛ لاطَفَه النَّبيُّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وعدَلَ إلى جَوابٍ عامٍّ في كلِّ مُشرِكٍ، ولم يَتعرَّضْ إلى الجوابِ عن والِدِه صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بنَفيٍ ولا إثباتٍ.
وقدْ أخرَجَ مسلِمٌ في صَحيحِه عن أنسِ بنِ مالكٍ رضِيَ
اللهُ عنه: «
أنَّ رَجُلًا قال: يا رَسولَ اللهِ، أينَ أبي؟ قال: في النَّارِ، فلمَّا قَفَّى دَعاهُ فقال: إنَّ أبي وأباكَ في النَّارِ»؛ فصرَّح بأنَّ والِدَ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ في النَّارِ، وهذا مِنْ إخبارِ
اللهِ تَعالَى لِنبيِّه بما يَعلَمُه مِن حالِ عبدِ
اللهِ بنِ عبدِ المطَّلِبِ، وأنَّه عِندما يُختبَرُ يَومَ القِيامةِ سَيَعْصِي
اللهَ، ويَدخُلُ النَّارَ.
وقيلَ: إنَّه أدْرَكَ دِينَ إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ، دِينَ التَّوحِيدَ، ثُمَّ ماتَ على الشِّركِّ؛ فاستَحقَّ النَّارَ.
وفي الحَديثِ: مَشروعيَّةُ تَبشيرِ الكافرِ بالنَّارِ إذا مُرَّ بقَبرِه.
وفي هذا إيقاظٌ للمُؤمنِ وتَذكيرٌ له بخُطورةِ وجُرمِ الكُفرِ ب
اللهِ عزَّ وجَلَّ، والإشراكِ به، وقد قال تَعالَى:
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [
النساء: 48 ]؛ ولهذا قال صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ في الحَديثِ المُتَّفَقِ عليه: عن عبدِ
اللهِ بنِ مَسعودٍ رضِيَ
اللهُ عنه قال: سَألْتُ النَّبيَّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
أيُّ الذَّنْبِ أعظَمُ عندَ اللهِ؟ قال: أنْ تَجعَلَ للهِ نِدًّا وهو خلَقَكَ».
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم