شرح حديث لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
حَثَّ الشَّرعُ على مَكارمِ الأخلاقِ ونَهى عن مَساوئِها، والمسْلمُ الحقُّ يُحاوِلُ أنْ يَتَّصِفَ بمَعالي الأخلاقِ ويَعْلوَ بنَفسِه فيها درَجاتٍ، ويَبتعِدَ قَدْرَ استطاعتِه عن الأخلاقِ الذَّميمةِ والسَّيِّئةِ؛ لِيَكونَ بذلكَ داعيًا إلى اللهِ بأقوالِه وأفعالِه وسُلوكِه.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أنْ يَكونَ لَعّانًا» واللَّعنَةُ هي الدُّعاءُ بالإبعادِ مِن رَحمةِ اللهِ وثَوابِه إلى نارِ اللهِ وعِقابِه، واللَّعَّانُ: هو مَن يُكثِر مِن لَعنِ غيرِه والدُّعاءِ عليه.
والصِّدِّيقُ هو المُبالِغُ في الصِّدقِ -وهي مَرتبةٌ عاليةٌ تَأتي بعْدَ النُّبوَّةِ- فلا يَصِحُّ أنْ تَجتَمِعَ هاتانِ الصِّفتانِ المتناقِضتانِ في شَخصٍ واحدٍ، فلا يَنبَغي له أنْ يكونَ صِدِّيقًا ومُؤمِنًا حَقًّا، ثُمَّ يَسُبُّ ويَلعَنُ، بلْ إنَّ الصِّدِّيقيَّةَ تَقتَضي عُلُوَّ الهِمَّةِ، وتَرْكَ سَفاسِفِ الأُمورِ، وأيضًا فإنَّ لَعْنَ المؤمنِ كَبيرةٌ مِن الكبائرِ؛ إذْ قدْ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ -كما في الصَّحيحينِ-: «لَعنُ المؤمنِ كقَتلِه».
وكذلك فإنَّ المسْلمَ الصِّدِّيقَ يَكونُ مِن أحرَصِ النَّاسِ على أنْ يَتمسَّكَ النَّاسُ بالإِسلامِ وبِتَقوى اللهِ حتَّى يَقترِبوا مِن رَحمتِه؛ فصُدورُ اللَّعنةِ مِنه يُنافي ما هوَ عَليه، اللَّهمَّ إلَّا إذا صَدرَت نادرًا، وفي شَخصٍ يَستحِقُّها، فهَذا ممَّا يُغتَفَرُ؛ ولذلكَ نَفَى في هذا الحديثِ كونَه لَعَّانًا، وليْس الدُّعاءُ بِهذا مِن أَخلاقِ المُؤمنينَ الَّذين وَصفَهمُ اللهُ تَعالى بالرَّحمةِ بيْنَهم، فمَنْ دَعا عَلى أخيهِ المُسلمِ باللَّعنَةِ، فَهوَ مِن نِهايةِ المُقاطعَةِ والتَّدابُرِ.
وفي الحديثِ: بَيانُ التَّحذيرِ مِن كَثرةِ اللَّعنِ، وأنَّه يُنافي صِفةَ الإيمانِ.
وفيه: بَيانُ أنَّ مَرتبةَ الصِّدِّيقينَ أرفَعُ مَراتبِ المؤمنينَ؛ حيث إنَّهم مُتَّصِفون بالرَّحمةِ، والشَّفقةِ على عِبادِ اللهِ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم