كان النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ خَبيرًا بأحوالِ النَّاسِ، وكان يَحُضُّ أصحابَه رَضيَ
اللهُ عنهم على العملِ في سَبيلِ
اللهِ، مع بَيانِ الأجرِ المترتِّبِ على فِعلِ الطَّاعاتِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ لِأصحابِه رَضيَ
اللهُ عنهم: «
مَن يَصعَدُ الثَّنيَّةَ» وهِي طَريقٌ بيْنَ جَبَلينِ، وهَذه الثَّنيَّةُ هي ثَنيَّةُ المُرارِ، مَوضعٌ بيْن مكَّةَ والحُدَيبيةِ مِن طَريقِ المدينةِ، وهيَ الطَّريقُ المُعتادُ إلى مكَّةَ، وسُمِّيَت بثَنِيَّةِ المُرارِ لأنَّ فيها شَجَرًا مُرًّا.
وهي الثَّنيَّةُ الَّتي سَلَكها رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ حِين أراد السَّفرَ إلى مكَّةَ لأداءِ العُمرةِ هو وأصحابُه في السَّنةِ السَّادسةِ مِن الهجرةِ، وعَقَد في هذا السَّفرِ صُلحَ الحُدَيبيةِ لَمَّا مَنَعتْه قُرَيشٌ مِن دُخولِ مكَّةَ.
وإنَّما حثَّهم صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ على صُعودِها؛ لأنَّها عَقبةٌ شاقَّةٌ، وقدْ وَصلوا إليها ليلًا، حينَ أَراد النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ مَكَّةَ، ولعلَّه أمَرَهم بصُعودِها للحِراسةِ، وليَطَّلِعَ على خَيلِ قُرَيشٍ، فَرَغَّبهم في صُعودِها بقَولِه فيمَن صَعِدَها: «
فإنَّه يُحَطُّ عنه ما حُطَّ عنْ بَني إِسرائيلَ»،
أي: يُغفَرُ له مِن الذُّنوبِ وتُغفَرُ خَطاياهُ كما وُعِد بَنو إسرائيلَ حِين قِيل لهم:
{ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ } [
البقرة: 58 ]،
أي: حُطَّ عنَّا ذُنوبَنا، ويعني بذلكَ: أنَّ مَن صَعِد تلكَ الثَّنيَّةَ غُفِرَت خَطاياهُ كما كانت خَطايا بَني إسرائيلَ تغفَرُ.
يَقولُ جابرُ بنُ عبدِ
اللهِ رَضيَ
اللهُ عنهما: «
فكانَ أوَّلَ مَن صَعِدَها خَيلُنا» خَيلُ وفُرسانُ «
بَني الخَزْرَجِ» قَبيلةٌ مِن الأنصارِ، وفي هذا المسابقَةُ في الخَيراتِ، ثمَّ صَعِد باقي النَّاسِ حتَّى اكْتَمَلوا كلُّهم وصَعِدوا، فَقال صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
كُلُّكم» أيُّها الصَّاعِدون لها «
مَغفورٌ لَه» ذُنوبُه تَفضُّلًا مِن
اللهِ ورَحمةً بهم، و
يَعني بذلك أنَّهم لمَّا صَعِدوا كما أُمِروا، أُنْجِزَ لهم ما وُعِدوا به؛ فإنَّ
اللهَ تعالَى لا يُخلِفُ وَعْدَه ولا وَعْدَ رَسولِه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ.
وقولُه: «
إلَّا صاحبَ الجَملِ الأَحمَرِ» فهو مُستثنًى مِن المغفورِ لهم، وهذا مِن تَتِمَّةِ كَلامِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، قيل: إنَّ هَذا الرجُلَ هُو الجَدُّ بنُ قَيسٍ المنافِقُ، وفي رِوايةٍ أُخرى لمسْلمٍ: «
فإذا هو أعرابيٌّ جاء يَنشُدُ ضالَّةً له»، والظَّاهرُ منه أنَّه لم يكُنْ في جَيشِ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وإنَّما كان لَحِقَهم وهو يَنشُدُ ضالَّتَه، فاسْتثناهُ رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أصحابهِ المبشَّرين بالمَغفرةِ.
فذَهَبَ إليه الصَّحابةُ رَضيَ
اللهُ عنهم، فَقالوا لَه: «
تَعالَ يَستغفِرْ لك رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ» فيَدْعوَ لكَ بالمغفرةِ مِثلَ النَّاسِ، فَقال غيرَ مُكتَرِثٍ بذلك: «
إنِّي لَأَنْ أَجِدَ ضالَّتِي» وهو جَملُه الأحمرُ الضَّائعُ منه «
أَحَبُّ إِليَّ مِن أن يَستغفِرَ لي صاحِبُكم» نَبيُّكم، وهذا غايةُ النِّفاقُ والاستخفافِ بالنَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فقدْ عبَّرَ بقولِه: «
صاحبُكم» لأنَّه لا يَراه صاحبًا له، وكَفى به شَقيًّا!
ثمَّ قال جابرٌ رَضيَ
اللهُ عنه: «
وكان الرَّجلُ يَنشُدُ ضالَّةً لَه»
أي: كانتْ راحلَتُه وناقتُه قَد ضَلَّت وتاهَتْ في الصَّحراءِ، فكانَ يَطلُبُها ويَرفَعُ صَوتَه بذَلكَ، فَقال ذَلكَ وظَهَر ما كانَ في قَلبِه مِنَ النِّفاقِ؛ فإنَّ
اللهَ يُظهِرُ المنافِقينَ ويَفضَحُهم عَلى فَلتاتِ أَلسنَتِهم وصَفحاتِ وُجوهِهم.
وفي الحديثِ: حُسنُ استجابةِ الصَّحابةِ لِأوامرِ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم