حديث لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قال الحجاج بن علاط

أحاديث نبوية | مجمع الزوائد | حديث أنس بن مالك

«لما افتتح رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خيبرَ قال الحجاجُ بنُ عِلاطٍ يا رسولَ اللهِ إنَّ لي بمكةَ مالًا وإنَّ لي بها أهلًا وإني أريدُ أن آتيَهم فأنا في حِلٍّ إن أنا نِلتُ منك أو قلتُ شيئًا فأذِنَ له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أن يقولَ ما شاء فأتى امرأتَه حين قدم فقال اجمَعِي لي ما كان عندَكِ فإني أُريدُ أن أشتري من غنائمِ محمدٍ وأصحابِه فإنهم قد استُبِيحُوا وأُصيبتْ أموالُهم قال وفشا ذلك بمكةَ وانقمع المسلمونَ وأظهر المشركونَ فرحًا وسرورًا قال وبلغ الخبرُ العباسَ بنَ عبدِ المطلبِ فعُقِرَ وجعل لا يستطيعُ أن يقومَ قال معمرٌ فأخبَرَني عثمانُ الجزريُّ عن مقسمٍ قال فأخذ العباسُ ابنًا له يقال له قُثَمُ فاستلقى فوضعَه على صدرِه وهو يقولُ حُبِّي قُثَمْ شبيهَ ذي الأنفِ الأشمِّ نبيُّ ذي النعمِ برغمٍ من رغمٍ – قال ثابتُ عن أنسٍ ثم أرسل غلامًا له إلى الحجاجِ بنِ علاطٍ فقال ويلَك ماذا جئتَ به وماذا تقولُ في وعدِ اللهِ عزَّ وجلَّ خيرٌ مما جئتَ به قال الحجاجُ بنُ علاطٍ لغلامِه اقرأ على أبي الفضلِ السلامَ وقل له ليَخْلُ لي بعضَ بيوتِه لآتيَهُ فإنَّ الخبرَ على ما يسُرُّه فجاء غلامُه فلما بلغ بابَ الدارِ قال أبشِرْ أبا الفضلِ فوثب العباسُ فرحًا حتى قبَّلَ بين عينيْهِ فأخبرَه ما قال الحجاجُ فأعتقَه قال ثم جاء الحجاجُ فأخبرَه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد افتتح خيبرَ وغنِمَ أموالَهم وجرت سهامُ اللهِ في أموالِهم واصطفى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صفيةَ بنتَ حُيَيٍّ فاتَّخذها لنفسِه وخيَّرَها أن يعتِقَها وتكون زوجتُه أو تلحقَ بأهلها فاختارت أن يعتِقَها وتكون زوجتَه ولكني جئتُ لمالٍ كان لي ههنا أردتُ أن أجمعَه فأذهبَ به فاستأذنتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأذِنَ لي أن أقولَ ما شئتَ فأخفِ عني ثلاثًا ثم اذكر ما بدا لك قال فجمعتْ امرأتُه ما كان عندها من حُليٍّ أو متاعٍ فدفعتْهُ إليه ثم انشمرَ به فلما كان بعد ذلك أتى العباسُ امرأةَ الحجاجِ فقال ما فعل زوجُكِ فأخبرتْهُ أنَّهُ ذهب يومَ كذا وكذا وقالت لا يُخزيكَ اللهُ يا أبا الفضلِ لقد شقَّ علينا الذي بلغَك قال أجل لا يُخزيني اللهُ ولم يكن بحمدِ اللهِ إلا ما أحببنا فتح اللهُ خيبرَ على رسولِه وجرت سهامُ اللهِ واصطفى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صفيةَ لنفسِه فإن كان لكِ حاجةً في زوجِكِ فالحقي به قالت أظنُّكَ واللهِ صادقًا قال فإني صادقٌ والأمرُ على ما أخبرتُكِ ثم ذهب حتى أتى مجالسَ قريشٍ وهم يقولون إذا مرَّ بهم لا يُصيبُكَ إلا خيرٌ يا أبا الفضلِ قال لم يُصبني إلا خيرٌ بحمدِ اللهِ تبارك وتعالى قد أخبرني الحجاجُ بنُ علاطٍ أنَّ خيبرَ فتحها اللهُ عزَّ وجلَّ على رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وجرت فيها سهامُ اللهِ واصطفى صفيةَ لنفسِه وقد سألني أن أُخفيَ عنه ثلاثًا وإنما جاء ليأخذَ مالَه وما كان له من شيٍء ههنا ثم يذهبُ قال فردَّ اللهُ الكآبةَ التي كانت بالمسلمين على المشركين وخرج المسلمونَ من كان دخل بيتَه مكتئبًا حتى أتوا العباسَ فأخبرهم الخبرَ فسُرَّ المسلمون ورُدَّ ما كان من كآبةٍ أو غيظٍ أو حزنٍ على المشركين»

مجمع الزوائد
أنس بن مالك
الهيثمي
رجاله رجال الصحيح

مجمع الزوائد - رقم الحديث أو الصفحة: 6/157 - أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (8646) مختصراً، وأحمد (12409) واللفظ له

شرح حديث لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قال الحجاج بن


كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة

لمَّا افتَتحَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيبَرَ قال الحجَّاجُ بنُ عِلاطٍ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ لي بمكَّةَ مالًا، وإنَّ لي بها أهلًا، وإنِّي أُريدُ أنْ آتيَهم، فأنا في حِلٍّ إنْ أنا نِلْتُ منكَ، أو قُلتُ شيئًا؟ فأذِنَ له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يقولَ ما شاءَ، فأَتى امرأتَه حين قدِمَ فقال: اجمَعي لي ما كان عندَكِ، فإنِّي أُريدُ أنْ أشتَريَ من غَنائمِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأصحابِه، فإنَّهم قدِ استُبيحوا وأُصيبَتْ أموالُهم، قال: ففَشا ذلك بمكَّةَ، فانقَمعَ المُسلِمونَ، وأظهَرَ المُشرِكونَ فرحًا وسُرورًا، قال: وبلَغَ الخَبرُ العبَّاسَ فعَقِرَ، وجعَلَ لا يستَطيعُ أنْ يقومَ، قال مَعمَرٌ: فأخْبَرني عُثْمانُ الجَزَريُّ، عن مِقسَمٍ قال: فأخَذَ ابنًا له يُقالُ له: قُثَمُ، فاسْتَلْقى فوضَعَه على صَدرِه وهو يقولُ:
حِبِّي قُثَمْ...
شَبِيهُ ذي الأنْفِ الأَشَمْ
نَبِيِّ ذي النِّعَمْ...
برَغْمِ مَن رَغِمْ.
قال ثابتٌ: عن أَنَسٍ: ثُم أرسَلَ غُلامًا إلى الحجَّاجِ بنِ عِلاطٍ، ويْلَكَ ما جِئْتَ به، وماذا تقولُ؟ فما وعَدَ اللهُ خَيرٌ ممَّا جِئْتَ به، قال الحجَّاجُ بنُ عِلاطٍ لغُلامِه: اقرَأْ على أبي الفضْلِ السلامَ، وقُلْ له: فلْيُخْلِ لي في بعضِ بُيوتِه لآتيَه، فإنَّ الخَبرَ على ما يَسُرُّه، فجاءَ غُلامُه، فلمَّا بلَغَ بابَ الدارِ، قال: أبشِرْ يا أبا الفضْلِ، قال: فوثَبَ العبَّاسُ فرَحًا حتى قبَّلَ بين عيْنَيْه، فأَخبَرَه ما قال الحجَّاجُ، فأعتَقَه، ثُم جاءَه الحجَّاجُ، فأَخبَرَه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدِ افتَتحَ خَيبَرَ، وغنِمَ أموالَهم، وجرَتْ سِهامُ اللهِ عزَّ وجلَّ في أموالِهم، واصْطَفى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَفيَّةَ بنتَ حُيَيٍّ فاتَّخذَها لنفْسِه، وخيَّرَها أنْ يُعتِقَها وتكونَ زوجتَه، أو تَلحَقَ بأهلِها، فاختارَتْ أنْ يُعتِقَها وتكونَ زوجتَه، ولكنِّي جِئْتُ لمالٍ كان لي هاهنا، أردْتُ أنْ أجمَعَه فأذهَبَ به، فاستأذَنْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأذِنَ لي أنْ أقولَ ما شِئتُ، فأخْفِ عنِّي ثلاثًا، ثُم اذكُرْ ما بَدَا لكَ، قال: فجمَعَتِ امرأتُه ما كان عندَها من حُليٍّ ومَتاعٍ، فجمَعَتْه فدفَعَتْه إليه، ثُم انشَمرَ به، فلمَّا كان بعدَ ثلاثٍ أتى العبَّاسُ امرأةَ الحجَّاجِ، فقال: ما فعَلَ زوجُكِ؟ فأخبَرَتْه أنَّه قد ذهَبَ يومَ كذا وكذا، وقالت: لا يَحزُنُكَ اللهُ يا أبا الفضْلِ، لقد شقَّ علينا الذي بلَغَكَ، قال: أجَلْ، لا يَحزُنِّي اللهُ، ولم يكُنْ بحمدِ اللهِ إلَّا ما أحبَبْنا: فتَحَ اللهُ خَيبَرَ على رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وجرَتْ فيها سِهامُ اللهِ، واصْطَفى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَفيَّةَ بنتَ حُيَيٍّ لنفْسِه، فإنْ كانت لكِ حاجةٌ في زوجِكِ فالْحَقي به، قالت: أظُنُّكَ واللهِ صادقًا، قال: فإنِّي صادقٌ، الأمرُ على ما أخبَرْتُكِ، فذهَبَ حتى أتى مجالِسَ قُرَيشٍ وهم يقولونَ إذا مرَّ بهم: لا يُصيبُكَ إلَّا خَيرٌ يا أبا الفضْلِ، قال لهم: لم يُصِبْني إلَّا خَيرٌ بحمدِ اللهِ، قد أخبَرَني الحجَّاجُ بنُ عِلاطٍ: أنَّ خَيبَرَ قد فتَحَها اللهُ على رسولِه، وجرَتْ فيها سِهامُ اللهِ، واصْطَفى صَفيَّةَ لنفْسِه، وقد سأَلني أنْ أُخْفيَ عليه ثلاثًا، وإنَّما جاءَ ليأخُذَ مالَه، وما كان له من شيءٍ هاهنا، ثُم يذهَبُ، قال: فردَّ اللهُ الكآبةَ التي كانت بالمُسلِمينَ على المُشرِكينَ، وخرَجَ المُسلِمونَ، ومَن كان دخَلَ بيتَه مُكتئِبًا حتى أتَوُا العبَّاسَ، فأخبَرَهمُ الخَبرَ، فسُرَّ المُسلِمونَ، وردَّ ما كان من كآبةٍ، أو غيظٍ، أو حُزنٍ على المُشرِكينَ.
 

الراوي : أنس بن مالك | المحدث : شعيب الأرناؤوط
| المصدر : تخريج المسند لشعيب
الصفحة أو الرقم: 12409 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين

التخريج : أخرجه النسائي في ( (السنن الكبرى )) ( 8646 ) بنحوه مختصراً، وأحمد ( 12409 ) واللفظ له



كان الحَجَّاجُ بنُ عِلَاطٍ رضِيَ اللهُ عنه أحَدَ صَحابةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان قدْ قَدِمَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو بخَيبَرَ، فأسلَمَ، وسكَنَ المَدينةَ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أنَسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمَّا افتَتحَ أرْضَ خَيبَرَ-وهي قَريةٌ تَبعُدُ عنِ المدينةِ حَوالَيْ 265 كم على طَريقِ الشَّامِ، وكان يَسكُنُها اليَهودُ، وغَزاها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في السَّنةِ السَّابعةِ مِنَ الهِجرةِ- أخبَرَ الحَجَّاجُ بنُ عِلَاطٍ رضِيَ اللهُ عنه النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ له مالًا وأهْلًا بمكَّةَ، ويُريدُ أنْ يَرجِعَ إليهم؛ ليَجمَعَه ويَرجِعَ به إلى المَدينةِ، وخَشِيَ إنْ عرَفَ كفَّارُ مَكَّةَ بإسلامِهِ أنْ يَأخُذوا مالَهُ، ويَمنَعوه إيَّاه، كما فعَلوا مِن قَبلُ معَ المهاجِرينَ الأوائلِ، وسأَلَه قائلًا: «فأنا في حِلٍّ إنْ أنا نِلتُ منكَ، أو قلتُ شَيئًا؟»؛ يَقصِدُ أنَّه يَنوي أنْ يَظهَرَ عندَ قُريشٍ مُدَّعيًا للكُفْرِ، ويكونَ ظاهرُ كَلامِهِ معَهُم طَعنًا في النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمسلِمينَ؛ حتَّى يُقِرُّوه على ما ادَّعاهُ، ويَحصُلَ على مالِهِ مِنهم، فأذِنَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيما طلَبَ.

فلمَّا ذهَبَ إلى مكَّةَ دخَلَ على امرأتِهِ-وهي: أمُّ شَيبةَ أُختُ بَنِي عبدِ الدَّارِ بنِ قُصَيٍّ، وكانتْ على الكُفْرِ- فأمَرَها أنْ تَجمَعَ له ما عندَها مِن مالٍ وذهَبٍ؛ ليَشترِيَ ويُتاجِرَ مِن غَنائمِ المسلِمينَ، مُدَّعيًا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَصْحابَه رضِيَ اللهُ عنهم قد استُبيحَتْ أَمْوالُهُم مِن قِبَلِ اليَهودِ، قال أنَسٌ رضِيَ اللهُ عنه: «ففَشَا ذلكَ بِمكَّةَ»؛ أي: أُشيعَ وانتَشرَ ما أخبَرَ به الحَجَّاجُ، «فانقَمعَ المسلِمونَ» الَّذينَ هم حينئذٍ بِمكَّةَ؛ والمعنى: أنَّهم استَشْعروا في أنفُسِهِمُ الذُّلَّ والمَهانةَ، واشتَدَّ عليهم ما أخبَرَ به الحَجَّاجُ مِن هَزيمةِ المسلِمينَ في المَدينةِ، وعلى الجانبِ الآخَرِ أظهَرَ المشرِكونَ فرَحًا وسُرورًا وسَعادةً بِخبَرِ هَزيمةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وكان العبَّاسُ بنُ عبدِ المطَّلِبِ رضِيَ اللهُ عنه عمُّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أسلَمَ قبْلَ فتْحِ مكَّةَ بقليلٍ.
وقيلَ: إنَّه أسلَمَ قبْلَ ذلكَ، وكتَمَ إسلامَه في مَكَّةَ، وقدْ بلَغَ العبَّاسَ رضِيَ اللهُ عنه ما أخبَرَ به الحَجَّاجُ رضِيَ اللهُ عنه، فحزِنَ حُزنًا شَديدًا؛ حتَّى «عَقِرَ»؛ أي: كأنَّه ضُرِبتْ قَدَمُهُ بالسَّيفِ، فلمْ يَستطِعِ الوُقوفَ؛ لشِدَّةِ أثَرِ الخبَرِ عليه، فاستَعانَ بابنِه ( قُثَمٍ )، وكان شَبيهَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، «فاستَلْقَى، فوضَعَه على صَدْرِه» وهو يقولُ: «حِبِّي قُثَمْ ...
شَبيهُ ذي الأَنْفِ الأَشَمّ...
نَبِيُّ ذي النِّعَمْ ...
برَغْمِ مَن رَغِمْ
»؛ ويَقصِدُ بذلكَ مَدْحَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وفي هذا ما يدُلُّ على إيمانِ العبَّاسِ يَومئذٍ، وأنَّ هذا الحُبَّ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمْ يكُنْ لمجرَّدِ القَرابةِ؛ بلْ لكَونِهِ نَبيًّا ورَسولًا أيضًا.
ثُمَّ أخبَرَ أنَسٌ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ العبَّاسَ أرسَلَ غُلامًا برِسالةٍ إلى الحَجَّاجِ يَسأَلُه عن حقيقةِ الخبَرِ الَّذي انتَشرَ في أوساطِ أهْلِ مكَّةَ، وأنَّ الَّذي وعَدَ اللهُ به نَبيَّهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو أصدَقُ مِمَّا تُخبِرُ به، فأمَرَ الحَجَّاجُ رضِيَ اللهُ عنه الغلامَ أنْ يُبلِّغَ أبا الفَضلِ -وهي كُنْيةُ العبَّاسِ رضِيَ اللهُ عنه، والفَضْلُ أكبَرُ أبنائِه- السَّلامَ، وأنَّه سيَأْتيهِ ويَختَلي به في بعضِ بُيوتِهِ، بعيدًا عنِ الأنظارِ والأسْماعِ؛ «فإنَّ الخبَرَ على ما يَسُرُّه»؛ أي: فإنَّ حقيقةَ الأمْرِ على عَكسِ ما أخبَرَ به كفَّارَ قُريشٍ، وسَمِعَه عَوامُّهُم، وهو ما يُدخِلُ السُّرورَ على العبَّاسِ رضِيَ اللهُ عنه.
فلمَّا وصَلَ الغلامُ إلى بابِ الدَّارِ الَّتي فيها العبَّاسُ رضِيَ اللهُ عنه قال: أَبشِرْ يا أبا الفَضْلِ، «فوثَبَ العبَّاسُ»؛أي:نهَضَ سريعًا، فقبَّلَ الغلامَ بيْنَ عَينَيْهِ؛ فرَحًا وسُرورًا ببُشْراه، ثُمَّ أخبَرَه بباقي ما قالَهُ الحَجَّاجُ، فأعتَقَ العبَّاسُ الغلامَ، وجعَلَه حُرًّا على إثْرِ ما قال.
ثُمَّ جاء الحَجَّاجُ إلى العبَّاسِ رضِيَ اللهُ عنهما، فأخبَرَه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد افتَتحَ خَيبَرَ، وغَنِمَ أموالَهُم، «وجَرَتْ سِهامُ اللهِ عزَّ وجَلَّ في أَموالِهِم»؛ أي: قسَّم غنائمَهم على الوجهِ الَّذي أمَرَ به اللهُ عزَّ وجَلَّ، كما في قَولِ الله تَعالَى: { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } [ الأنفال: 41 ]، والأربعةُ أخماسٍ تُقسَمُ على الجَيشِ؛ للفارسِ سَهْمٌ،وللفرَسِ سَهْمانِ، «واصْطَفَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَفيَّةَ بنتَ حُيَيٍّ»؛ وهي مِن نَسْلِ هَارونَ عليه السَّلامُ، وأبُوها سيِّدُ يَهُودِ قُرَيْظةَ والنَّضيرِ، وكان للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الغَنيمةِ سَهمُ الصَّفِيِّ، وهو ما يَأخُذُه رئيسُ الجَيشِ، ويَختارُه لِنفْسِه مِنَ الغَنيمةِ قبْلَ القِسمةِ، ويُضافُ إليه خُمُسُ الخُمُسِ كما تقدَّمَ، فاتَّخذَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لنفْسِه، «وخيَّرَها أنْ يُعتِقَها، وتكونَ زَوجتَه، أو تَلحَقَ بأهْلِها، فاختارَتْ أنْ يُعتِقَها وتكونَ زَوجتَه»؛ فكانتْ إحْدى نِسائِه رضِيَ اللهُ عنها.
ثُمَّ أخبَرَه الحَجَّاجُ رضِيَ اللهُ عنه عن سبَبِ رُجوعِهِ إلى مكَّةَ، وهو حاجتُهُ لجَمْعِ مالِهِ؛ ليَرجِعَ به إلى المَدينةِ، وأعلَمَه بحقيقةِ الأمْرِ، وما أباح له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَفعَلَه معَ كفَّارِ قُريشٍ، وأمَرَ الحَجَّاجُ العبَّاسَ رضِيَ اللهُ عنهما أنْ يُخفِيَ ما أعلَمَه به وحَقيقتَهُ لمدَّةِ ثلاثةِ أيَّامٍ؛ حتَّى يَتسنَّى له مُغادرةُ مكَّةَ راجعًا إلى المَدينةِ، ويكونَ في مَأمَنٍ مِن مُلاحَقةِ قُريشٍ له، ثُمَّ يَتكلَّمَ في قُريشٍ بما أرادَ، ويُظهِرَ لهم حَقيقةَ ما أخبَرَهم به الحَجَّاجُ.
ثُمَّ أخبَرَ أنَسٌ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ امرأةَ الحَجَّاجِ قدْ جَمَعتْ لزَوجِها ما كان عندَها مِن حُلِيٍّ ومَتاعٍ، وأَعطَتْه إيَّاه،«ثُمَّ انشَمرَ به»؛ أي: أسرَعَ في الخروجِ به، فلمَّا مرَّتِ الثَّلاثةُ أيَّامٍ، وتأكَّدَ للعبَّاسِ رضِيَ اللهُ عنه خُروجُ الحَجَّاجِ بنِ عِلَاطٍ رضِيَ اللهُ عنه، وأنَّه أصبَحَ بنفْسِهِ ومالِهِ في مأمَنٍ مِن الكُفَّارِ، ذهَبَ العبَّاسُ إلى امرأةِ الحَجَّاجِ، فسَأَلَها عن زَوجِها-وهو أعلَمُ بِحالِهِ مِنها- فأخبَرَته أنَّه قدْ ذهَبَ يَومَ كذا وكذا، وقالتْ: «لا يُحزِنُكَ اللهُ يا أبا الفَضْلِ، لقدْ شَقَّ علينا الَّذي بلَغَكَ»؛ تُواسِيهِ في خبَرِ ابنِ أَخيه؛ وهو النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وما علِمَتْه مِن حُزنِهِ عليه، فقال العبَّاسُ رضِيَ اللهُ عنه: «أجَلْ، لا يَـحْزُنِّي اللهُ، ولمْ يكُنْ بحَمْدِ اللهِ إلَّا ما أحبَبْنا»؛ فبيَّنَ لها حَقيقةَ الخبَرِ، وأنَّ اللهُ عزَّ وجَلَّ نصَرَ نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ نصَحَها أنْ تَلحَقَ بزَوجِها، وتَذهَبَ إلى المَدينةِ، فصدَّقَتْه امرأةُ الحَجَّاجِ، فأكَّدَ لها العبَّاسُ رضِيَ اللهُ عنه صِدقَ خبَرِه، ثُمَّ ذهَبَ حتَّى أتَى مَجالسَ قُريشٍ وأماكنَ تَجمُّعاتِهِم، فقالوا له عندَما مرَّ بهم: «لا يُصيبُكَ إلَّا خَيرٌ يا أبا الفَضْلِ»؛ يُواسونَه لحُزْنِه.
ويَحتمِلُ أنَّهم يَتلامَزونَ به؛ لفَرَحِهِم بأمْرِ هَزيمةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخبَرَهم أنَّه لمْ يُصِبْهُ اللهُ إلَّا بخَيرٍ، وأخبَرَ بخَبَرِ الحَجَّاجِ، وأخْذِهِ لأَمْوالِه، وهِجرتِهِ إلى المَدينةِ، واتِّفاقِهِ معَه على كِتْمانِ خبَرِه؛ حتَّى يَخرُجَ مِن مكَّةَ.
فأخبَرَ أنَسٌ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ اللهُ عزَّ وجَلَّ أبدَلَ فرَحَهُم وسُرورَهُم كآبةً وغَيظًا، ثُمَّ لحِقَ المسلِمونَ بالعبَّاسِ رضِيَ اللهُ عنه، فأخبَرَهم الخبَرَ، فسُرَّ المسلِمونَ، ورُدَّ ما كان بِهم مِن كآبةٍ، أو غَيظٍ، أو حُزنٍ على المشرِكينَ.
وفي الحَديثِ:مَشروعيَّةُ المَكْرِ على أعداءِ المسلِمينَ، والتَّحيُّلِ عليهم.

شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم

قم بقراءة المزيد من الأحاديث النبوية


الكتابالحديث
مجمع الزوائدكنت في الوفد الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبد
مجمع الزوائدرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعز بن مالك
مجمع الزوائدأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يجر إزاره قال ارفع إزارك
مجمع الزوائدأتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد زنى فسأله فاعترف فأمر به
مجمع الزوائدأغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فأفاق فقال حضرت
مجمع الزوائدأقبل رجل من بني تميم يقال له ذو الخويصرة فوقف على رسول الله
مجمع الزوائدأن الحكم الغفاري قال لرجل مرة أتذكر نهي رسول الله صلى الله عليه
مجمع الزوائدأن النبي صلى الله عليه وسلم تسابق بين الخيل وجعل بينها سبقا وجعل
مجمع الزوائدأن رجلا قال للحكم الغفاري أتذكر يوم نهى رسول الله صلى الله عليه
مجمع الزوائدأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبادة بن الصامت يعوده
مجمع الزوائدأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها أي النشرة
مجمع الزوائدأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقسم لبني عبد شمس ولا


أشهر كتب الحديث النبوي الصحيحة


صحيح البخاري صحيح مسلم
صحيح الجامع صحيح ابن حبان
صحيح النسائي مسند الإمام أحمد
تخريج صحيح ابن حبان تخريج المسند لشاكر
صحيح أبي داود صحيح ابن ماجه
صحيح الترمذي مجمع الزوائد
هداية الرواة تخريج مشكل الآثار
السلسلة الصحيحة صحيح الترغيب
نخب الأفكار الجامع الصغير
صحيح ابن خزيمة الترغيب والترهيب

قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Sunday, December 22, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب