إنَّ امرأةً من جُهينةَ أتَتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقالَتْ : إنَّها زنَتْ وهي حُبلى ، فدعا وليًّا لها فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ : أحسِنْ إليها فإذا وضعَتْهُ فجِئني بها ، فلمَّا أنْ وضعَتْ جاءَهُ بها فأمرَ بها النبيُّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فشُدَّتْ عليْها ثيابُها ثم أمرَ بها فرُجِمَتْ ثم أمرَهم أن يُصلوا عليْها ، فقال عمرُ : يا رسولَ اللهِ أنُصلِّي عليْها وقد زنَتْ ؟ فقال : والذي نَفسي بيدِهِ لقد تابَتْ توبةً لو قسِّمَتْ بين سبعينَ من أهلِ المدينةِ لوسعَتْهم ، وهل وجَدْتَ أكثرَ من أن جادَتْ بنفسْها للهِ.
الراوي : عمران بن الحصين | المحدث : ابن عبدالبر
| المصدر : التمهيد
الصفحة أو الرقم: 24/129 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
التخريج : أخرجه مسلم ( 1696 ) باختلاف يسير.
الزِّنا مِن أعظَمِ الجَرائمِ الأخلاقيَّةِ التي يَرتَكِبُها الإنسانُ، وهو مِن كَبائرِ الذُّنوبِ في الإسلامِ؛ لأنَّ فيه انتِهاكًا لِلأعراضِ، وحَدُّ الزِّنا كَبيرٌ، وعُقوبَتُه أليمةٌ، وقد يَذهَبُ بالنَّفْسِ؛ إذا كان الزَّاني مُتَزوِّجًا، أو مِمَّن سَبَقَ لهمُ الزَّواجُ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عِمرانُ بنُ حُصَينٍ رَضِيَ
اللهُ عنه أنَّ امرأةً مِن جُهَينةَ -وهي قَبيلةٌ مِن قَبائلِ العَرَبِ- جاءَتْ إلى النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ فأقَرَّتْ على نَفْسِها بالزِّنا، وأنَّها قد حَمَلتْ مِن هذه الفاحِشةِ، وكانَتِ المَرأةُ ثَيِّبًا، وهي التي سَبَقَ لها الزَّواجُ، والحَدُّ في الزِّنا يَختَلِفُ مِنَ البِكرِ إلى الثَّيِّبِ؛ فالبِكرُ يُحَدُّ مِائةَ جَلْدةٍ، أمَّا الثَّيِّبُ فعليه الرَّجمُ، وهو الرَّميُ والقَذفُ بالحِجارةِ حتى المَوتِ، فأمَرَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ وَليًّا لِلمَرأةِ أنْ يُحسِنَ إليها حتى تَضَعَ طِفلَها، وتَخرُجَ مِن حَمْلِها، وفي الرِّواياتِ -كما عِندَ مُسلِمٍ- أنَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ تَرَكَها حتى فِطامِ ابنِها، وأمْرُه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ وَليَّها بالإحسانِ إليها، هو لِلخَوفِ عليها مِن أقارِبِها أنْ تَحمِلَهمُ الغَيرةُ، وخَوفُ لُحوقِ العارِ بهم على أنْ يُؤْذوها، وأيضًا لِما في نُفوسِ الناسِ مِنَ النَّفرةِ مِن مِثلِها، وإسماعِها الكَلامَ المُؤذيَ، ونَحوَ ذلك، فنَهى صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ عن هذا كُلِّه.ثمَّ أمَرَ بها النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ "فشُدَّتْ عليها ثِيابُها"،
أي: فجُمِعتْ عليها؛ حتى لا تَنكَشِفَ عَورَتُها، ثم رَجَموها حتى المَوتِ، ثمَّ أمَرَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أصحابَه بالصَّلاةِ عليها، فقال عُمَرُ رَضِيَ
اللهُ عنه: "يا رَسولَ
اللهِ، أنُصَلِّي عليها وقد زَنَتْ؟!" يَستَفسِرُ مِنَ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ عن جَوازِ الصَّلاةِ على مَن أتى كَبيرةَ الزِّنا؛ مُستَعظِمًا تلك الفاحِشةَ، فشَهِدَ لها النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بَعدَ أنْ أقسَمَ ب
اللهِ أنَّ تلك المَرأةَ قد "تابَتْ تَوبةً لو قُسِّمتْ بيْن سَبعينَ مِن أهلِ المَدينةِ لَوَسِعَتْهم"؛ لِأنَّها صَدَقتْ في تَوبَتِها، حتى بَلَغتْ بها مَبلَغًا عَظيمًا؛ وذلك أنَّها عَلِمتْ أنَّ حَدَّها لِلتَّكفيرِ مِن جَريمةِ الزِّنا هو المَوتُ رَجمًا، ومع ذلك أصَرَّتْ على تَطهيرِ نَفْسِها، وإقامةِ الحَدِّ عليها؛ طَمَعًا في تلك التَّوبةِ خاصَّةً، وأنَّها قد رَجَعتْ إلى النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ في كُلِّ مَرَّةٍ يُرجِئُها فيها، مَرَّةً لِلوَضعِ، ومَرَّةً لِلفِطامِ، كما جاءَ في الرِّواياتِ، وهذا بَيانٌ لِصِدقِ تَوبَتِها، وعَزمِها عليها.
وفي الحَديثِ: مَشروعيَّةُ الرَّجمِ وثُبوتُه.
وفيه: التَّرغيبُ في التَّوبةِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ الصَّلاةِ على مَن ماتَ مِن أهلِ الكَبائرِ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم