حديث كذب عدو الله أخبرنا أبي بن كعب عن رسول الله صلى

أحاديث نبوية | تخريج صحيح ابن حبان | حديث عبدالله بن عباس

«قُلْتُ لابنِ عبَّاسٍ : إنَّ نَوفًا البِكاليَّ يزعُمُ أنَّ موسى عليه السَّلامُ ليس بصاحبِ الخَضِرِ إنَّما هو موسى آخَرُ قال : كذَب عدوُّ اللهِ أخبَرنا أُبَيُّ بنُ كعبٍ : عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : ( قام موسى في بني إسرائيلَ خطيبًا فقيل له : أيُّ النَّاسِ أعلَمُ ؟ قال : أنا قال : فعتَب اللهُ عليه إذ لم يرُدَّ العِلمَ إليه فقال : عبدٌ لي بمَجمَعِ البَحرينِ هو أعلَمُ منكَ قال : أيْ ربِّ فكيف لي به ؟ قال : تأخُذُ حُوتًا فتجعَلُه في مِكْتَلٍ فحيثُ ما فقَدْتَ الحُوتَ فهو ثَمَّ قال : فأخَذ الحُوتَ فجعَله في المِكْتَلِ فدفَعه إلى فتاه فانطلَقا حتَّى أتَيَا الصَّخرةَ فرقَد موسى فاضطرَب الحُوتُ في المِكْتَلِ فخرَج فوقَع في البحرِ فأمسَك اللهُ عليه جِرْيَةَ الماءِ فصار مِثْلَ الطَّاقِ فكان البحرُ للحُوتِ سرَبًا ولموسى ولفتاه عجَبًا فانطلَقا يمشيانِ فلمَّا كان مِن الغَدِ وجَد موسى النَّصَبِ فقال : {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} (الكهف: 62) قال : ولم يجِدِ النَّصَبَ حتَّى جاوَز المكانَ الَّذي أمَره اللهُ جلَّ وعلا فقال له فتاه : {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} (الكهف: 63) قال : {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} (الكهف: 64) فجعَلا يقُصَّانِ آثارَهما حتَّى أتَيَا الصَّخرةَ فإذا رجُلٌ مُسجًّى عليه بثوبٍ فسلَّم فقال : وأنَّى بأرضِك السَّلامُ ؟ قال : أنا موسى قال : موسى بني إسرائيلَ ؟ قال : نَعم قال : يا موسى إنِّي على عِلمٍ مِن عِلمِ اللهِ علَّمنيه اللهُ لا تعلَمُه وأنتَ على عِلمٍ مِن عِلمِ اللهِ علَّمَكه لا أعلَمُه قال : إنِّي أُريدُ أنْ أتَّبِعَك على أنْ تُعلِّمَني ممَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} (الكهف: 67 - 70) قال : فانطلَقا يمشيانِ على السَّاحلِ فمرَّت به سفينةٌ فعرَفوا الخَضِرَ فحمَلوه بغيرِ نَوْلٍ قال : فلم يفجَأْ موسى إلَّا وهو يُنزِلُ لَوحًا مِن ألواحِ السَّفينةِ فقال له موسى : ما صنَعْتَ ؟ قومٌ حمَلوك بغيرِ نَوْلٍ عمَدْتَ إلى سفينتِهم فخرَقْتَها {لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} (الكهف: 71 - 73) قال : فكانتِ الأُولى مِن موسى نسيانًا قال : وجاء عُصفورٌ فوقَع على حرفِ السَّفينةِ فنقَر بمِنقارِه في البحرِ فقال الخَضِرُ لموسى : ما نقَص عِلمي وعِلمُك مِن عِلمِ اللهِ إلَّا مِثلَ ما نقَص هذا العُصفورُ بمِنقارِه مِن البحرِ قال : ومَرُّوا على غِلمانٍ يلعَبون فقال الخَضِرُ لغلامٍ منهم بيدِه هكذا فاقتلَع رأسَه فقال له موسى : {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} (الكهف: 74 - 76) قال : فأتَيَا {أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} (الكهف: 77) فقال الخَضِرُ بيدِه هكذا فأقامه فقال له موسى : استطعَمْناهم فأبَوْا أنْ يُطعِمونا واستضَفْناهم فأبَوْا أنْ يُضيِّفونا عمَدْتَ إلى حائطِهم فأقَمْتَه {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} (الكهف: 77، 78) فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ودِدْنا أنَّ موسى كان صبَر حتَّى يُقَصَّ علينا مِن أمرِهم ) وكان ابنُ عبَّاسٍ يقرَأُ : وأمَّا الغلامُ كان كافرًا وكان أبواه مُؤمنَيْنِ، ويقرَأُ : وكان أَمامَهم ملِكٌ يأخُذُ كلَّ سفينةٍ صالحةٍ غَصْبًا»

تخريج صحيح ابن حبان
عبدالله بن عباس
شعيب الأرناؤوط
إسناده صحيح على شرط مسلم

تخريج صحيح ابن حبان - رقم الحديث أو الصفحة: 6220 - أخرجه البخاري (3401)، ومسلم (2380) باختلاف يسير

شرح حديث قلت لابن عباس إن نوفا البكالي يزعم أن موسى عليه السلام


كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة

قُلتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّ نَوْفًا البَكَالِيَّ يَزْعُمُ أنَّ مُوسَى ليسَ بمُوسَى بَنِي إسْرَائِيلَ، إنَّما هو مُوسَى آخَرُ؟ فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ حَدَّثَنَا أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قَامَ مُوسَى النبيُّ خَطِيبًا في بَنِي إسْرَائِيلَ فَسُئِلَ أيُّ النَّاسِ أعْلَمُ؟ فَقَالَ: أنَا أعْلَمُ، فَعَتَبَ اللَّهُ عليه، إذْ لَمْ يَرُدَّ العِلْمَ إلَيْهِ، فأوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ: أنَّ عَبْدًا مِن عِبَادِي بمَجْمَعِ البَحْرَيْنِ، هو أعْلَمُ مِنْكَ.
قَالَ: يا رَبِّ، وكيفَ بهِ؟ فقِيلَ له: احْمِلْ حُوتًا في مِكْتَلٍ، فَإِذَا فقَدْتَهُ فَهو ثَمَّ، فَانْطَلَقَ وانْطَلَقَ بفَتَاهُ يُوشَعَ بنِ نُونٍ، وحَمَلَا حُوتًا في مِكْتَلٍ، حتَّى كَانَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ وضَعَا رُؤُوسَهُما ونَامَا، فَانْسَلَّ الحُوتُ مِنَ المِكْتَلِ فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ في البَحْرِ سَرَبًا، وكانَ لِمُوسَى وفَتَاهُ عَجَبًا، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِما ويَومَهُمَا، فَلَمَّا أصْبَحَ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا، لقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هذا نَصَبًا، ولَمْ يَجِدْ مُوسَى مَسًّا مِنَ النَّصَبِ حتَّى جَاوَزَ المَكانَ الذي أُمِرَ به، فَقَالَ له فَتَاهُ: ( أَرَأَيْتَ إذْ أوَيْنَا إلى الصَّخْرَةِ فإنِّي نَسِيتُ الحُوتَ وما أنْسَانِيهِ إلَّا الشَّيْطَانُ ) قَالَ مُوسَى: ( ذلكَ ما كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا علَى آثَارِهِما قَصَصًا ) فَلَمَّا انْتَهَيَا إلى الصَّخْرَةِ، إذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بثَوْبٍ، أوْ قَالَ تَسَجَّى بثَوْبِهِ، فَسَلَّمَ مُوسَى، فَقَالَ الخَضِرُ: وأنَّى بأَرْضِكَ السَّلَامُ؟ فَقَالَ: أنَا مُوسَى، فَقَالَ: مُوسَى بَنِي إسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هلْ أتَّبِعُكَ علَى أنْ تُعَلِّمَنِي ممَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا قَالَ: إنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، يا مُوسَى إنِّي علَى عِلْمٍ مِن عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لا تَعْلَمُهُ أنْتَ، وأَنْتَ علَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ لا أعْلَمُهُ، قَالَ: سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا، ولَا أعْصِي لكَ أمْرًا، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ علَى سَاحِلِ البَحْرِ، ليسَ لهما سَفِينَةٌ، فَمَرَّتْ بهِما سَفِينَةٌ، فَكَلَّمُوهُمْ أنْ يَحْمِلُوهُمَا، فَعُرِفَ الخَضِرُ فَحَمَلُوهُما بغيرِ نَوْلٍ، فَجَاءَ عُصْفُورٌ، فَوَقَعَ علَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَنَقَرَ نَقْرَةً أوْ نَقْرَتَيْنِ في البَحْرِ، فَقَالَ الخَضِرُ: يا مُوسَى ما نَقَصَ عِلْمِي وعِلْمُكَ مِن عِلْمِ اللَّهِ إلَّا كَنَقْرَةِ هذا العُصْفُورِ في البَحْرِ، فَعَمَدَ الخَضِرُ إلى لَوْحٍ مِن ألْوَاحِ السَّفِينَةِ، فَنَزَعَهُ، فَقَالَ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بغيرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إلى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أهْلَهَا؟ قَالَ: ألَمْ أقُلْ إنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟ قَالَ: لا تُؤَاخِذْنِي بما نَسِيتُ ولَا تُرْهِقْنِي مِن أمْرِي عُسْرًا - فَكَانَتِ الأُولَى مِن مُوسَى نِسْيَانًا -، فَانْطَلَقَا، فَإِذَا غُلَامٌ يَلْعَبُ مع الغِلْمَانِ، فأخَذَ الخَضِرُ برَأْسِهِ مِن أعْلَاهُ فَاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بيَدِهِ، فَقَالَ مُوسَى: أقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بغيرِ نَفْسٍ؟ قَالَ: ألَمْ أقُلْ لكَ إنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟ - قَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ: وهذا أوْكَدُ - فَانْطَلَقَا، حتَّى إذَا أتَيَا أهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أهْلَهَا، فأبَوْا أنْ يُضَيِّفُوهُمَا، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أنْ يَنْقَضَّ فأقَامَهُ، قَالَ الخَضِرُ: بيَدِهِ فأقَامَهُ، فَقَالَ له مُوسَى: لو شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عليه أجْرًا، قَالَ: هذا فِرَاقُ بَيْنِي وبَيْنِكَ قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى، لَوَدِدْنَا لو صَبَرَ حتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِن أمْرِهِمَا.
الراوي : أبي بن كعب | المحدث : البخاري
| المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 122 | خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ]



في هذا الحديثِ يَحكي سَعيدُ بنُ جُبَيرٍ أنَّه سأَلَ عبدَ اللهِ بنَ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما عن مُوسى صاحبِ الخَضِرِ، وأنَّه قد زَعَمَ نَوْفٌ البِكاليُّ -وهو تابعيٌّ مِن أهلِ دِمَشقَ، فاضلٌ عالِمٌ، لا سيَّما بالإسرائيليَّاتِ، وكان ابنَ زَوجةِ كَعبِ الأحبارِ- أنَّه ليس بمُوسى رَسولِ بَني إسرائيلَ، فكذَّبه ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما، وأجاب سَعيدًا بأنَّه هو مُوسى النبيُّ المُرسَلُ إلى بني إسرائيل، ثمَّ أخبَرَه بحَديثٍ عن أُبيِّ بنِ كَعبٍ رَضيَ اللهُ عنه سَمِعَه مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في قِصَّةِ مُوسى عليه السَّلامُ والخَضِرِ، فقد أخبَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه بيْنَما نَبِيُّ اللهِ مُوسَى في جَماعةٍ مِن بَنِي إسْرائِيلَ، جاءَهُ رجُلٌ فسَأَلَه: هلْ تَعْلَمُ أحَدًا أعْلَمَ مِنْكَ في الأرضِ؟ فنَفى مُوسَى عليه السَّلامُ بظَنِّه أنْ يُوجَدَ أحدٌ أكثَرُ عِلمًا منه؛ لأنَّه نَبيٌّ ويُوحى إليه، فعَتَبَ اللهُ عليه إذ لم يَرُدَّ العِلمَ إليه، وقيل: جاء هذا تَنبيهًا لمُوسى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَعليمًا لمَن بعْدَه، ولئلَّا يَقتدِيَ به غيرُه في تَزكيةِ نفْسِه والعُجبِ بحالِه، فيَهلِكَ، فأوْحَى اللهُ عزَّ وجلَّ إليه: أنَّه يُوجَدُ مَن هو أعلَمُ منك ممَّن آتاهُ اللهُ عِلمًا مِن عندِه غيرَ ما أوحاهُ لك، وهو عَبْدٌ اسمُه خَضِرٌ، وهو عندَ «مَجْمَع البَحرَينِ»: وهما بَحْرُ فارِسَ مِمَّا يَلي المَشرِقَ، وبَحرُ الرُّومِ مِمَّا يَلي المَغْرِبَ.
وَقيلَ: مَجْمَعُ البَحرَينِ عِندَ طَنْجةَ في أقْصى بِلادِ المَغرِبِ.فسَأَلَ مُوسَى: كيف يَصِلُ إلَيْهِ؟ قال اللهُ تعالَى: اطْلُبْه على الساحلِ عندَ الصَّخرةِ، قال: يا ربِّ، كيف لي به؟ قال: تَأخُذُ حُوتًا في مِكتَلٍ -وهو القُفَّةُ- فإذا فقَدْتَ الحُوتَ فارْجِعْ إلى مَوضعِ فقْدِه؛ فإنَّكَ سَتَلْقاهُ، فقِيل: أخَذَ سَمَكةً مَملوحةً، وقال لِفتاهُ: إذا فقَدْتَ الحُوتَ فأخْبِرْني.
فلمَّا وَصَلا عِندَ الصَّخْرةِ على البحرِ، وضَعَا رُؤُوسَهُما ونامَا، فخَرَجَ الحُوتُ مِن الوِعاءِ في غَفلةٍ منهما، ودخَلَ في ماءَ البحرِ وذهَبَ، وكان ذلك لِمُوسَى وفَتَاهُ عَجَبًا، حيث إنَّ الحُوتَ رُدَّت إليه الرُّوحُ وانسَلَّ مِن الوِعاءِ ودخَلَ الماءَ، ثمَّ تَوقَّفَ الماءُ به، ثمَّ انْطَلَقا بَقِيَّةَ لَيْلَتِهما ويَومَهُما، فلمَّا أصْبَحَ قال مُوسَى لِفَتاهُ وخادِمِه يُوشعَ بنِ نُونَ: آتِنَا غَداءَنا لنَأكُلَ؛ فقدْ وجَدْنا تَعَبًا بسَببِ السَّفرِ، ولَمْ يَجِدْ مُوسَى شُعورًا بالتَّعبِ حتَّى تَجاوَزَ المَكانَ الذي أُمِرَ به؛ ليَلْقى الخَضِرَ، فقالَ الخادمُ لِمُوسَى: { أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ }، وذلك أنَّهما بعدَ راحةٍ على البحرِ نَسِيَ الخادِمُ الحوتَ، ثمَّ سارا لفَترةٍ، فلمَّا تَذكَّرَ الفَتى الخادمُ ذلك أخبَرَ به مُوسى عليه السَّلامُ، فقالَ له: «ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا»، فرَجَعَا يَتتبَّعانِ الأثرَ حتَّى وَصَلَا إلى المكانِ الذي فَقَدا فيه الحُوتَ، فوَجَدَا الخَضِرَ وهو مُغطًّى بثَوبِه، فسلَّمَ عليه مُوسى، فقال الخَضِرُ: «وأنَّى بأرْضِكَ السَّلَامُ؟ وهو استفهامُ استبعادٍ يدُلُّ على أنَّ أهلَ تلك الأرضِ لم يَكونوا إذ ذاك مُسلمينَ، وفي روايةٍ عندَ مُسلمٍ: «فقال مُوسى للخَضِرِ: السَّلامُ عليكمْ، فكَشَفَ الثَّوبَ عن وَجْهِه، وقال: وعليكمُ السَّلامُ»، ويُجمَعُ بيْن الرِّوايتينِ بأنَّه استَفْهَمَه بعْدَ أنْ رَدَّ عليه السَّلامَ.فطَلَبَ منه مُوسى عليه السَّلامُ أنْ يَتَّبِعَه؛ ليَتعلَّمَ مِن عِلمِه، ولكنَّ الخَضِرَ أوضَحَ له أنَّه لنْ يَستطيعَ أنْ يَصبِرَ على ما سَيراهُ؛ وذلك لاختلافِ العِلمِ الذي يَعلَمُه كلٌّ منهما، وكلُّه مِن عندِ اللهِ، فوَعَدَه مُوسى عليه السَّلامُ أنَّه سيَتحلَّى بالصَّبرِ، ولنْ يُعقِّبَ معه على شَيءٍ مِن أفعالِه، فمَشَيَا على ساحِلِ البَحْرِ، فمَرَّتْ بهِما سَفِينةٌ، فطَلَبَا مِن أصحابِها أنْ يَحْمِلُوهما، فعَرَفوا الخَضِرَ فحَمَلُوهما بغَيرِ أُجرةٍ إكرامًا له.ثمَّ جاءَ عُصْفُورٌ، فجلَسَ على حَرْفِ السَّفِينةِ، فنَقَرَ بمِنقارِه نَقْرَةً أوْ نَقْرَتَينِ، فأخَذَ مِن ماءِ البَحْرِ، وكان في ذلك مَثلٌ أوضَحَه الخَضِرُ لمُوسى بأنَّ عِلمَ كلِّ واحدٍ منهما لا يُساوي في عِلْمِ اللهِ إلَّا كَنَقْرَةِ هذا العُصْفُورِ في البَحْرِ، ثمَّ نزَعَ الخَضِرُ لَوْحًا مِن ألْوَاحِ السَّفِينةِ يَقصِدُ بذلك أنْ يَعيبَها، فتَعجَّبَ مُوسى عليه السَّلامُ مِن فِعلِه، خاصةً بعدَ إكرامِ أهْلِ السَّفينةِ لهما، وسَأَلَ الخَضِرَ عن سَببِ ذلك، فقال له الخَضِرُ: { أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا }؟ فاعتذَرَ مُوسى عليه السَّلامُ، فكانتِ المرَّةُ الأُولَى مِن مُوسَى نِسْيانًا، ثمَّ خَرَجَا مِن السَّفينةِ، فوَجَدا فتًى صَغيرًا يَلْعَبُ مع الغِلْمَانِ، فأمسَكَ الخَضِرُ برَأْسِهِ مِن أعْلَاهُ، فاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بيَدِهِ، دونَ سَببٍ أو جِنايةٍ واضحةٍ، وهنا تَعجَّبَ مُوسى أيضًا، وخرَجَ مِن شَرْطِ الصَّبرِ، وسَأَلَه مُتعجِّبًا عن ذلك؛ فقد قتَلَ نفْسًا بَريئةً بغَيرِ ذَنْبٍ وبغَيرِ قتْلٍ وقَعَ منها، وهذه المرَّةُ الثانيةُ لعَدَمِ صَبْرِه عليه السَّلامُ، ثمَّ مَشَيَا ودَخَلا قَريةً، فطَلَبوا الطَّعامَ والضِّيافةَ مِن أهْلِهَا، فرَفَضوا، ومع ذلك فإنَّ الخَضِرَ لمَّا وَجَد جِدارًا مائلًا قد قارَبَ على الوُقوعِ، أقَامَهُ وعدَّلَ بِناءَه حتى لا يَسقُطَ، فقال له مُوسَى: لو شِئْتَ لَاتَّخَذتَ عليهِ أجْرًا نَظيرَ بِنائِه، وهذه المرَّةُ الثالثةُ لعَدَمِ صَبْرِ مُوسى عليه السَّلامُ، وكان هذا فِرَاقُ ما بيْنهما، فافتَرَقا بعْدَ أنْ بيَّنَ له الخَضِرُ الحِكمةَ مِن كلِّ ذلك، كما جاء في قولِ اللهِ تعالى: { أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا } [ الكهف: 79 - 82 ].ثمَّ قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى، لَوَدِدْنا لو صَبَرَ» وهو بَيانٌ لرَغبتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَلتزِمَ مُوسى عليه السَّلامُ بشَرْطِ الصَّبرِ مع الخَضِرِ حتَّى يُقَصَّ عَلَيْنا مِن الأعاجيبِ والغرائبِ التي كانت ستُصاحِبُهما في رِحلتِهما.
وقد تَبيَّن لمُوسى عليه السَّلامُ بعْدَ ذلك مَدى عِلمِ الخَضِرِ بما أعلَمَه اللهُ مِن الغُيوبِ وحَوادثِ القُدرةِ، ممَّا لا تَعلَمُ الأنبياءُ منه إلَّا ما أُعلِموا به مِن الخالقِ عزَّ وجلَّ.
وفي الحديثِ: احتمالُ المشقَّةِ في طَلبِ العلمِ.
وفيه: الازديادُ في العِلمِ، وقصْدُ طلبِه، ومَعرفةُ حقِّ مَن عندَه زِيادةُ عِلمٍ، وفَضيلةُ طلَبِ العلمِ، والأدبِ مع العالِمِ.
وفيه: لُزومُ التَّواضُعِ في طلَبِ العلمِ، وخِدمةُ طالِبِ العِلمِ لمُعلِّمِه إذا كان أصغَرَ منه.
وفيه: أصلٌ عَظيمٌ مِن الأصولِ الشَّرعيَّةِ، وهو أنَّه لا اعتراضَ بالعقلِ على ما لا يُفهَمُ مِن الشَّرعِ، وأنْ لا تَحسينَ ولا تَقبيحَ إلَّا بالشَّرعِ.
وفيه: الاعتذارُ عندَ المُخالَفةِ.
وفيه: الحُكمُ بالظَّاهرِ حتَّى يَتبيَّنَ خِلافُه.
وفيه: أنَّ الكذِبَ هو الإخبارُ على خِلافِ الواقعِ، عمْدًا أو سَهوًا.
وفيه: إذا تَعارضَتْ مَفسدتانِ يَجوزُ دفْعُ أعظَمِهما بارتكابِ أخَفِّهما.

شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم

قم بقراءة المزيد من الأحاديث النبوية


الكتابالحديث
تخريج صحيح ابن حبانأن عبد الله بن عباس أخبره أنه كان يقرئ عبد الرحمن بن عوف
تخريج صحيح ابن حبانكان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة
تخريج صحيح ابن حبانأن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم
تخريج صحيح ابن حبانلا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية
تخريج صحيح ابن حبانلم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج
تخريج صحيح ابن حبانجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله
تخريج صحيح ابن حبانكنت أدفع الناس عن ابن عباس فاحتبست أياما فقال ما حبسك قلت
تخريج صحيح ابن حبانمن لم يجد الإزار فليلبس سراويل ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين
تخريج صحيح ابن حبانالسراويل لمن لم يجد الإزار والخفان لمن لم يجد النعلين
تخريج صحيح ابن حبانالسراويل لمن لم يجد الإزار والخفان لمن لم يجد النعلين قال فقال
تخريج صحيح ابن حبانسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات من لم يجد نعلين
تخريج صحيح ابن حبانعكاظ وذو المجاز أسواق كانت لهم في الجاهلية فلما جاء الله بالإسلام كأنهم


أشهر كتب الحديث النبوي الصحيحة


صحيح البخاري صحيح مسلم
صحيح الجامع صحيح ابن حبان
صحيح النسائي مسند الإمام أحمد
تخريج صحيح ابن حبان تخريج المسند لشاكر
صحيح أبي داود صحيح ابن ماجه
صحيح الترمذي مجمع الزوائد
هداية الرواة تخريج مشكل الآثار
السلسلة الصحيحة صحيح الترغيب
نخب الأفكار الجامع الصغير
صحيح ابن خزيمة الترغيب والترهيب

قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Thursday, August 1, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب