كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُصَلِّي في رَمَضَانَ، فَجِئْتُ فَقُمْتُ إلى جَنْبِهِ وَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَامَ أَيْضًا حتَّى كُنَّا رَهْطًا، فَلَمَّا حَسَّ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أنَّا خَلْفَهُ جَعَلَ يَتَجَوَّزُ في الصَّلَاةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَحْلَهُ، فَصَلَّى صَلَاةً لا يُصَلِّيهَا عِنْدَنَا، قالَ: قُلْنَا له حِينَ أَصْبَحْنَا: أَفَطَنْتَ لَنَا اللَّيْلَةَ؟ قالَ: فَقالَ: نَعَمْ، ذَاكَ الذي حَمَلَنِي علَى الذي صَنَعْتُ، قالَ: فأخَذَ يُوَاصِلُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَذَاكَ في آخِرِ الشَّهْرِ، فأخَذَ رِجَالٌ مِن أَصْحَابِهِ يُوَاصِلُونَ، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ما بَالُ رِجَالٍ يُوَاصِلُونَ؟! إنَّكُمْ لَسْتُمْ مِثْلِي، أَمَا وَاللَّهِ، لو تَمَادَّ لي الشَّهْرُ لَوَاصَلْتُ وِصَالًا يَدَعُ المُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ!
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : مسلم
| المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 1104 | خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ]
العباداتُ أُمورٌ تَوقيفيَّةٌ تؤدَّى كما أمَرَ بها الشَّرعُ، وقد أُمِرْنا أنْ نتَّقيَ
اللهَ قَدرَ الاسْتطاعةِ دونَ مشقَّةٍ على الأنفُسِ، وألَّا نتشدَّدَ في الدِّينِ؛ لأنَّ النَّاسَ يختَلِفونَ في قُدْراتِهم وتَحمُّلِهم، وحتَّى لا تملَّ النُّفوسُ منَ العباداتِ ومن أوامِرِ الدِّينِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ
اللهُ عنه أنَّ رسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يتنفَّلُ في اللَّيلِ في رمَضانَ ذاتَ ليلةٍ، وكان ذلك في المسجِدِ، فجاءَ ووقَفَ إلى جَنبِهِ الأيمنِ يُصلِّي معَه، وجاءَ رجلٌ آخرُ فقامَ أيضًا يُصلِّي معَ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وظلَّ النَّاسُ يأْتونَ ويُصلُّونَ خلفَ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى أصْبَحوا «
رَهطًا»، وهو ما دُونَ العَشَرةِ أو أكثَرَ مِن ذلكَ إلى أربَعينَ رجلًا، فلمَّا أحسَّ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّهم يُصلُّونَ خلفَه، بدأَ يُخفِّفُ في الصَّلاةِ، تَيْسيرًا وتَخْفيفًا عليهم، وهذا على غيرِ عادَتِه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ في قيامِ اللَّيلِ إذا صلَّى وحدَه، ثمَّ بعدَ ما سلَّمَ منَ الصَّلاةِ دخَلَ «
رَحلَهُ»،
أي: المَنزلَ، ورَحْلُ الرَّجلِ عندَ العربِ هو مَنزلُه، فصلَّى صلاةً طويلةً لم يُصلِّ مثلَها معَهم، فأخبَرَ أنسٌ رَضيَ
اللهُ عنه أنَّهم حينَ أصْبَحوا من ليلَتِهم تلك، قالوا للنَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
أَفَطَنْتَ لَنا»،
أي: هل شعَرتَ بِنا تلك الليلةَ حينَ صلَّيْنا خلفَكَ؟ فقال صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
نعمْ»،
أي: فطَنْتُ لصَلاتِكم وَرائي، ثمَّ قالَ لهمُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
ذاكَ الَّذي حمَلَني على الَّذي صنعْتُ»،
أي: ما فعلتُمُوهُ مِنَ الصَّلاةِ خَلْفي هو الَّذي دفَعَني إلى تَخفيفِ الصَّلاةِ والذَّهابِ إلى بَيتي والصَّلاةِ فيه، وتَركِ الخُروجِ إليكم حتَّى لا تُفرَضَ عليكُم، فالنَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أرفَقُ النَّاسِ وأرحَمُ النَّاسِ بأُمَّتِهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ.
ثُمَّ أخبَرَ أنسٌ رَضيَ
اللهُ عنه أنَّ رسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ جعَلَ يواصِلُ في قِيامِ اللَّيلةِ كلِّها ويواصِلُ الصَّومَ ليلًا ونَهارًا لا يُفطِرُ، وكان ذلك الوِصالُ في آخِرِ شَهرِ رَمضانَ، فبَدأَ رجالٌ مِن أصْحابِه يُواصِلونَ، ويفعَلونَ مِثلَه؛ لظنِّهم أنَّ نَهيَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ نَهيُ تَنزيهٍ لا تَحريمٍ، فغَضِبَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ وأنكَرَ عليهم، حيثُ إنَّ الوِصالَ لَم يُشرَعْ للأُمَّةِ، وإنَّما هو خُصوصيَّةٌ مِن خُصوصيَّاتِه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، ولذلك قالَ لهمُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
ما بالُ رجالٍ يُواصِلونَ» الصَّومَ؟! «
إنَّكم لستُمْ مِثْلي»،
أي: إنَّكم في هذا الأمْرِ لَستُم مِثْلي، بل علَيكُم بالأيسَرِ لكُم؛ لأنَّه ثبَتَ في الصَّحيحَينِ أنَّه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ يَبيتُ عندَ ربِّه، فيُطعِمُه
اللهُ ويَسْقيه، وهذا من تمامِ شَفَقةِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، ورَحمتِه بأُمَّتِه، وخَوفِه عليها منَ المَللِ منَ العِبادةِ والتَّعرُّضِ للتَّقصيرِ في بعضِ وظائفِ الدِّينِ.
ثُمَّ أقسَمَ لهمُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
أمَا واللهِ لو تمادَّ لي الشَّهرُ»،
أي: زادَ شهرُ رَمضانَ في أيَّامِه، وذلك أنَّهم قد رأَوُا الهلالَ بعدَ وِصالِهم هذا بيومٍ أو يومَينِ، كما في الصَّحيحَينِ من حديثِ أبي هُريرةَ رَضيَ
اللهُ عنه، «
لواصَلتُ وصالًا»،
أي: لاستمَرَّ على وصالِه هذا، حتَّى يترُكَ «
المتعمِّقُونَ» وهمُ المتكَلِّفونَ المُتشدِّدونَ، والتَّعمُّقُ المبالغةُ في تكلُّفِ ما لم يكلَّفْ به، «
تعمُّقَهم»،
أي: حتَّى يكونوا همُ التَّاركينَ له عن تعَبٍ ومَشقَّةٍ ليتأكَّدوا بأنفسِهم رفقَ رسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بهم لمَّا نَهاهم عنِ الوِصالِ، والنَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ إنَّما سيَزيدُ لهمُ الوصالَ زَجرًا لهم وتَنكيلًا بهم لتَركِ استِجابَتِهم لأمْرِه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحَديثِ: بيانُ رفْقِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بأمَّتِه وعدمِ تَحْميلِهم ما لا يُطيقونَ.
وفيه: التَّحذيرُ مِنَ المُبالَغةِ في العِباداتِ.
وفيه: التَّحذيرُ مِنَ التَّكلُّفِ الزَّائدِ في النَّوافِلِ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم