عُرِضَتْ عليَّ الليلةَ الأنْبياءُ [ وأُمَمُهُمْ وأَتْباعُها من ] أُمَمِها ، فَجعلَ النبيُّ يَمُرُّ ومَعَهُ الثَّلاثَةُ من أُمَّتِهِ ، وجعلَ النبيُّ يَمُرُّ ومَعَهُ العِصابَةُ من أُمَّتِهِ ، [ والنبيُّ وليسَ مَعَهُ إلَّا الوَاحِدُ من أُمَّتِهِ ، والنبيُّ ليس مَعَهُ أحدٌ من أُمَّتِهِ ] ، حتى مَرَّ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ [ في كَبْكَبَةٍ من بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فلمَّا رأيْتُهُمْ أَعْجَبُونِي ، فقُلْتُ : يا رَبِّ ! من هؤلاءِ ؟ قال : أَخُوكَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ ] ومَنْ تَبِعَهُ من بَنِي إِسْرَائِيلَ ، قُلْتُ : يا رَبِّ ! فأينَ أُمَّتي ؟ قال : انْظُرْ عن يَمِينِكِ ، فنظرْتُ ؛ فإذا الظِّرَابُ ظِرَابُ مكةَ قَدِ سدَّ بِوجُوهِ الرِّجَالِ ، فقُلْتُ : يا رَبِّ ! مَنْ هؤلاءِ ؟ قال : هؤلاءِ أمتك ؛ أَرَضِيتَ ؟ فقُلْتُ : يا رَبِّ ! قد رَضِيتُ ، قال : انْظُرْ عن يَسارِكِ ، فنظرْتُ ؛ فإذا الأُفُقُ قد سُدَّ بِوجُوهِ الرِّجَالِ ، فقُلْتُ : [ يا رَبِّ ! مَنْ هؤلاءِ ؟ قال : هؤلاءِ أُمَّتُكَ ، أَرَضِيتَ ؟ فقُلْتُ : ] رَبِّ ! رَضِيتُ ، قيل : [ ف ] إِنَّ مع هؤلاءِ سبعينَ ألفًا بِلا حِسابٍ .
قال : فَأنْشَأَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ أَحَدُ بَنِي أَسَدِ بنِ خُزَيْمَةَ ؛ فقال : يا رسولَ اللهِ ! ادْعُ اللهَ أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ ! قال : فإنَّكَ مِنْهُمْ .
قال : ثُمَّ أنْشَأَ آخَرُ فقال : يا رسولَ اللهِ ! ادْعُ اللهَ أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ ! قال : سَبَقَكَ بِها عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ .
[ قال نَبِيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : فدَى لَكُمْ أبي وأمِّي ، إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَكُونُوا مِنَ السَّبْعِينَ ألفًا فَكُونُوا ، فإنْ عَجَزْتُمْ وقَصَّرْتُمْ ؛ فَكُونُوا من أَهْل الظرابِ ، فإنْ عَجَزْتُمْ وقَصَّرْتُمْ ؛ فَكُونُوا من أهلِ الأُفُقِ ؛ فإني رأيْتُ ثَمَّ أُناسًا يتهوشونَ كثيرًا
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : الألباني
| المصدر : صحيح الموارد
الصفحة أو الرقم: 2235 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
التخريج : أخرجه أحمد ( 3806 )، وأبو يعلى ( 5339 )، وابن حبان ( 6346 ) واللفظ له.
رَحْمةُ
اللهِ بهذه الأُمَّةِ واسِعَةٌ، وقد تفضَّل عليها في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وأَعْطَى نَبيَّنا مُحمَّدًا الشَّفاعَةَ، وأَرْضاه في أُمَّتِه، وبشَّرنا نبيُّنا بهذه الرَّحَماتِ، كما في هذا الحديثِ الذي يقولُ فيه النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم: "عُرِضَتْ عليَّ اللَّيلَةَ"،
أي: رَأَيْتُ في المَنامِ، "الأنبياءُ وأُمَمُهم وأَتْباعُها من أُمَمِها"،
أي: رأى جَميعَ الأنْبياءِ، وكيف كانتْ أُمَّةُ كُلِّ نَبيٍّ، وما تَبِعَه منها، "فجَعَلَ النَّبيُّ يمُرُّ ومعه الثَّلاثَةُ من أُمَّتِه، وجَعَلَ النَّبيُّ يمُرُّ ومعه العِصابَةُ من أُمَّتِه"،
أي: الجَماعَةُ، والعِصابَةُ: تُطلَقُ على الأَرْبَعينَ فما فوْقَ، "والنَّبيُّ وليس معه إلَّا الواحِدُ من أُمَّتِه، والنَّبيُّ ليس معه أحَدٌ من أُمَّتِه، حتى مَرَّ موسى بنُ عِمرانَ في كَبْكبَةٍ"،
أي: جَماعَةٍ مُتضامَّةٍ، "مِن بني إسرائيلَ، فلما رَأَيْتُهم أَعْجَبوني، فقُلتُ: يا رَبِّ مَنْ هؤلاءِ؟ قال: أَخوك موسى بنُ عِمرانَ، ومَنْ تَبِعَه من بني إسرائيلَ، قُلتُ: يا رَبِّ فأين أُمَّتي؟ قال: انْظُرْ عن يَمينِكَ، فنَظَرْتُ؛ فإذا الظِّرابُ ظِرابُ مَكَّةَ" الظِّرابُ جَمْعُ ظَرِبٍ، وهو الرَّبْوةُ الصَّغيرةُ، " قد سُدَّ بوُجوهِ الرِّجالِ" إشارَةٌ إلى كَثْرةِ أتْباعِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم، "فقُلتُ: يا ربِّ مَنْ هؤلاءِ؟ قال: هؤلاءِ أُمَّتُكَ؛ أَرضيتَ؟ فقُلتُ: يا رَبِّ قد رَضيتُ، قال: انْظُرْ عن يَسارِكَ، فنَظَرْتُ؛ فإذا الأُفُقُ قد سُدَّ بوُجوهِ الرِّجالِ، فقُلتُ: يا رَبِّ مَنْ هؤلاء؟ قال: هؤلاءِ أُمَّتُكَ، أَرضيتَ؟ فقُلتُ: رَبِّ رَضيتُ" والأُفُقُ هو الجِهَةُ، والمَعْنى: أنَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم رأى كَثْرةَ أتْباعِه يومَ القيامةِ بِالمُقارَنَةِ إلى أَتْباعِ الأنْبياءِ الآخَرينَ، فالمُسلِمونَ أَعْدادُهم مَلَأتِ الجِهاتِ مِن كَثْرَتِها، وهذا من فَضْلِ
اللهِ على نبيِّه، وعلى أُمَّةِ الإسْلامِ، ومع هذا الفَضْلِ فإنَّه "قيل: فإنَّ مع هؤلاءِ سَبْعينَ أَلْفًا بلا حِسابٍ"،
أي: يَدْخُلونَ الجنَّةَ بفَضْلِ
اللهِ من غَيرِ أنْ يُحاسَبوا.
وفي رِوايَةِ البُخاريِّ من حديثِ ابنِ عباسٍ رضِيَ
اللهُ عنهما بيَّن النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم صِفَتَهم فقال: "هم الذين لا يَسْتَرْقونَ"،
أي: لا يَطْلُبونَ الرُّقْيَةَ مِن أَحَدٍ؛ وذَلِكَ لِشِدَّةِ تَوَكُّلِهمْ على
اللهِ، وإيمانِهم بأنَّه المَلْجأُ، "وَلا يَتَطَيَّرونَ"،
أي: لا يَتشاءَمونَ، "ولا يَكْتَوونَ"،
أي: لا يَكْتَوونَ بالنارِ طَلَبًا للشِّفاءِ، وقد وَرَدَ النَّهْيُ عن الاكْتِواءِ، "وعلى ربِّهم يتوكَّلونَ"،
أي: هم في كلِّ أحوالِهم -ومِنها ما سَبَقَ ذِكْرُه- يتوكَّلونَ على
اللهِ حقَّ توكُّلِه، فاستَحَقُّوا أنْ يَدْخُلوا الجنَّةَ بغيْرِ حِسابٍ.
قال ابنُ مسعودٍ رضِيَ
اللهُ عنه: "فأَنْشَأَ عُكَّاشَةُ بنُ مِحْصَنٍ أحَدُ بني أَسَدِ بنِ خُزَيْمةَ؛ فقال: يا رسولَ
اللهِ، ادْعُ
اللهَ أنْ يَجْعَلَني منهم"،
أي: مِن أُولَئِكَ الذينَ يدْخُلونَ الجنَّةَ بغَيْرِ حِسابٍ، فقال النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم: "فإنَّك منهم.
قال: ثم أَنْشَأَ آخَرُ"،
أي: رَجُلٌ آخَرُ يقولُ مِثلَ عُكَّاشَةَ بنِ مِحصَنٍ، "فقال: يا رسولَ
اللهِ، ادْعُ
اللهَ أنْ يَجْعَلَني منهم، قال: سَبَقَكَ بها عُكَّاشَةُ بنُ مِحْصَنٍ"،
أي: إنَّ عُكَّاشةَ فازَ بها لاستِباقِه إليها.
وسَبَبُ قولِه: "سَبقَكَ عُكَّاشَةُ" أنَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم قدْ يَكونُ عَلِمَ بوَحْيٍ مِن
اللهِ تَعالَى أنَّه يُجابُ دَعوتُه لعُكَّاشَة، ولم يَكُن ذلِك للآخَرِ، أو لأنَّه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم كان يَعلَمُ أنَّ السائِلَ الآخَرَ ممَّن لا يَستحِقُّ ذلك، فأجابَه النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم بلَفْظٍ مُشترَكٍ، وبكَلامٍ يَحتمِلُ أنَّ سَبْقَ عُكَّاشةَ بالسُّؤالِ مَنَعَه مِن إجابتِه، وسَتَرَ حالَ السائِلِ ولم يَهتِكْ سِترَه، وهو مِن بابِ المعاريضِ الجائِزَةِ، ولم يُصرِّحْ له بأنَّه ليس منهم ولا مُستحِقًّا لتِلك المَنْزِلَةِ، وهذا مِن حُسْنِ عِشْرتِه، وجَميلِ صُحْبتِه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم، وأيضًا لِيَسُدَّ البابَ؛ إذ لو قالَ للثاني: نَعَمْ، لأَوْشَكَ أنْ يقومَ ثالثٌ ورابعٌ وهكذا، ويَسألَه الدَّعْوةَ أنْ يكونَ منهم، وليسَ كلُّ الناسِ يَصلُحُ لذلِك.
قال ابنُ مسعودٍ رضِيَ
اللهُ عنه: "قال نَبيُّ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم: فِدًى لكم أبي وأُمِّي" وهذا من إشْفاقِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم عليهم، "إنِ اسْتَطَعْتُم أنْ تكونوا من السَّبْعينَ أَلْفًا فكونوا، فإنْ عَجَزْتُم وقصَّرْتُم، فكونوا من أهْلِ الظِّرابِ" وهي الجِبالُ الصِّغارُ، "فإنْ عَجَزْتُم وقصَّرْتُم؛ فكونوا من أهْلِ الأُفُقِ" وهم المشارُ إليهم في صَدْرِ الحديثِ في قولِه: "فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال"وهم المشارُ إليهم في صَدْرِ الحَديثِ في قولِه: "فإذا الأفقُ قد سُدَّ بوُجوهِ الرِّجالِ"؛ فإنِّي رَأْيَتُ ثَمَّ أناسًا يَتهَوَّشونَ كثيرًا" والتَّهاوُشُ والتَّهوُّشُ: الاخْتِلاطُ والاضْطِرابُ،
أي: يَدْخُلُ بعضُهم في بَعْضٍ، وهذا حثٌّ منه وترغيبٌ للناسِ أنْ يَحرِصوا على بُلوغِ أعلى دَرجاتِ الجَنَّةِ، ويَحذَروا أن يكونوا مما يَجعَلُ أحوالهم مُضطربةً يومَ القِيامةِ، وذلك بعَملِ الطاعاتِ واجتنابِ النواهِي.
وفي الحديثِ: بيانُ مَكانةِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم عندَ
اللهِ؛ حيثُ أَطْلعَه على أحْوالِ يومِ القيامَةِ، وبيانُ عِظَمِ ما أكْرَمَ
اللهُ تَعالى به نَبيَّه مُحمَّدًا صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم وأُمَّتَه .
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم