قال: قال رَجلٌ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ العملِ أفضَلُ؟ قال: إيمانٌ باللهِ وتَصديقٌ، وجِهادٌ في سَبيلِ اللهِ، وحَجٌّ مَبرورٌ، قال الرَّجلُ: أكثَرْتَ يا رسولَ اللهِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فلِينُ الكلامِ، وبَذلُ الطعامِ، وسَماحٌ، وحُسنُ خُلُقٍ، قال الرَّجلُ: أُريدُ كلمةً واحدةً، قال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اذهَبْ فلا تتَّهِمِ اللهَ على نفْسِكَ.
الراوي : عمرو بن العاص | المحدث : شعيب الأرناؤوط
| المصدر : تخريج المسند لشعيب
الصفحة أو الرقم: 17814 | خلاصة حكم المحدث : محتمل للتحسين لشواهده
التخريج : أخرجه أحمد ( 17814 )
كان الصَّحابةُ رضِيَ
اللهُ عنهم-لحِرْصِهم على الطَّاعاتِ وما يُقرِّبُ مِن رِضا
اللهِ عزَّ وجَلَّ- كثيرًا ما يَسأَلون النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم عن أفضَلِ الأعمالِ، وأكثَرِها قُربةً إلى
اللهِ تَعالَى، فكانتْ إجاباتُ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم تَختلِفُ باختلافِ أشْخاصِهِم وأحْوالِهِم، وما هو أكثَرُ نَفْعًا لكلِّ واحدٍ منهم.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عَمرُو بنُ العاصِ رضِيَ
اللهُ عنه أنَّ رجُلًا جاء إلى النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ يَسأَلُه:أيُّ العمَلِ مِنَ الطَّاعاتِ والصَّالِحاتِ أفضَلُ، وأكثَرُ ثَوابًا، وأنفَعُ لفاعِلِه؟ فأخبَرَه النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
إيمانٌ باللهِ، وتَصديقٌ به»؛ فيُقِرُّ بلِسانِه وقلْبِه بتَوحيدِ
اللهِ عزَّ وجَلَّ، فالإيمانُ ب
اللهِ مِن أفضَلِ الأعمالِ على الإطلاقِ، وأعظَمِها عندَ
اللهِ أجْرًا وثَوابًا؛ لأنَّه شرْطٌ في صِحَّةِ جميعِ العباداتِ الشَّرعيَّةِ؛ مِن صَلاةٍ، وزَكاةٍ، وصَومٍ، وغَيرِها.
«
وجِهادٌ في سَبيلِه»؛ وهو القتالُ لإعلاءِ كلِمةِ
اللهِ، لا لأيِّ غرَضٍ مِنَ الأغراضِ الأُخْرى، وإنَّما كانَ الجهادُ أفضَلَ بعْدَ الإيمانِ ب
اللهِ ورسولِه مِن غَيرِه؛ لأنَّه بذْلٌ للنَّفْسِ في سَبيلِ
اللهِ.
«
وحَجٌّ مَبْرورٌ»؛ وهو الحجُّ الخالصُ لوجْهِ
اللهِ تَعالَى، المقبولُ عندَه؛ لخُلوصِه مِنَ الرِّياءِ والسُّمْعةِ والمالِ الحرامِ.
وظاهرُ الحَديثِ يَقتضي أنَّ الجهادَ أفضَلُ مِنَ الحجِّ، وهو مَحمولٌ على حجِّ النَّافلةِ، وأمَّا حَجَّةُ الإسلامِ فإنَّها أفضَلُ مِنَ الجهادِ، هذا إذا كان الجهادُ فرْضَ كِفايةٍ، أمَّا إذا كان فرْضَ عَينٍ فإنَّه مُقدَّمٌ على حَجَّةِ الإسلامِ قطْعًا؛ لوُجوبِ فِعلِه على الفَورِ.
فقال الرَّجُلُ للنَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
أكثَرتَ يا رسولَ اللهِ!»
أي: أتَيتَ بأعمالٍ شاقَّةٍ على النَّفْسِ؛ فأخبَرَ الرَّجُلُ أنَّه يَرغَبُ مِنَ الأعمالِ ما هو أقَلُّ مِن ذلكَ في الجُهدِ والمَشقَّةِ، ويكونُ أقدَرَ عليه، والإشارةُ تَعودُ إلى الجهادِ؛ إذ إنَّ الإيمانَ ب
اللهِ هو رأْسُ كلِّ الأعمالِ، فلا يَنزِلُ به إلى غَيرِه، وهو أيضًا عمَلٌ قلْبيٌّ، لا يكونُ فيه مَشقَّةٌ أو تعَبٌ بدَنيٌّ، وأيضًا فإنَّ الحَجَّ فرْضٌ على المستطيعِ مالًا وبدَنًا؛ على عكْسِ الجهادِ؛ فهو عِبادةٌ بدنيَّةٌ، ولعلَّ رَغبتَه عنِ الجهادِ إلى ما هو أقَلُّ؛ لعدَمِ قُدْرتِه عليه، أو أنَّه يَبحَثُ عنِ الأعمالِ الَّتي يَحرِصُ عليها المسلِمُ في الوَقتِ الَّذي لا يكونُ فيه جِهادٌ.
فأرشَدَه النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ إلى أعمالٍ فيها فضْلٌ وأجْرٌ عظيمٌ لصاحبِها؛ فأمَرَه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بلِينِ الكلامِ، وهو الرِّفقُ معَ الآخَرينَ، وإذا كان الأمْرُ في الكلامِ فمِنَ الأَوْلى أنْ يكونَ أيضًا في الأفعالِ.
«
وبذْلُ الطَّعامِ»؛ ابتغاءَ وجْهِ
اللهِ تعالَى، فيَدخُلُ في ذلكَ الضِّيافةُ، والوَليمةُ، والصَّدقةُ، وغَيرُها.
«
وسَماحٌ»: مِنَ السَّماحةِ؛ وهي اللِّينُ والرِّفْقُ معَ النَّاسِ، وعَدَمُ مُضايَقتِهِم، والبَذْلُ، والإحسانُ، والجُودُ، وسَخاءُ النَّفْسِ.
وقيلَ: السَّماحةُ هي السَّماحُ بأداءِ الفَرائِضِ.
وقد تُفسَّرُ السَّماحةُ بما جاء في حَديثِ أحْمدَ: أنَّ عُقْبةَ بنَ عامرٍ رضِيَ
اللهُ عنه سأَلَ رسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ عن فَواضِلِ الأعمالِ، فقال صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
يا عُقْبةُ، صِلْ مَن قطَعَكَ، وأَعْطِ مَن حرَمَكَ، وأعرِضْ عمَّن ظلَمكَ».
ثُمَّ أرشَدَه النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ إلى حُسنِ الخُلُقِ؛ وهوَ التَّخلُّقُ بالأخلاقِ الطَّيِّبةِ، فيُحسِنُ المرْءُ أخلاقَهُ معَ
اللهِ عزَّ وجَلَّ؛ بالرِّضا بقَضاءِ
اللهِ وقدَرِه، والصَّبرِ، والحَمدِ في البلاءِ، والشُّكرِ عندَ النِّعمةِ، ويكونُ حَسَنَ الخُلُقِ معَ النَّاسِ؛ بكفِّ الأَذَى عنهم، وطَلاقةِ الوجْهِ، والإحسانِ إليهم، وبَذْلِ العَطاءِ فيهم، معَ الصَّبرِ على أَذاهُم.
فأخبَرَ الرَّجُلُ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه يُريدُ كلِمةً واحدةً تَجمَعُ إليه ما سبَقَ، أو تَكْفيهِ عَذابَ
اللهِ عزَّ وجَلَّ يَومَ القيامةِ، فقال له رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
اذهَبْ فلا تَتَّهِمِ اللهَ على نفْسِكَ»، وفي رِوايةٍ لأحمدَ مِن حَديثِ عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رضِيَ
اللهُ عنه؛ أنَّه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «
لا تتَّهِمِ اللهَ في شَيءٍ قَضَى لكَ به»؛ واتِّهامُ
اللهِ يكونُ بعدَمِ الرِّضا بقَضائِه وقدَرِه، والجَزَعِ عندَ المُصيبةِ والبلاءِ؛ فهذا مِمَّا يُحذِّرُ منه النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ الإنسانَ المسلِمَ، ويَنْهاه عنه.
وفي الحَديثِ: الحثُّ على الإيمانِ بقَضاءِ
اللهِ وقدَرِه، والرِّضَا به.
وفيه: الحضُّ والتَّرغيبُ في الجهادِ.
وفيه: الحَثُّ على حُسنِ الخُلُقِ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم