وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُقوِّمُها على أهلِ القُرى ، أربعُ مائةِ دينارٍ ، أو عدلُها من الورِقِ ، ويُقوِّمُها على أهلِ الإبلِ إذا غلتْ رفعَ في قيمتِها ، وإذا هانت نقصَ من قيمتِها على نحوِ الزمانِ ما كان ، فبلغ قيمتُها على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ما بين الأربعِ مائةِ دينارٍ إلى ثمانِ مائةِ دينارٍ ، أو عدلُها من الورِقِ ، قال : وقضى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنَّ من كان له عقلُه في البقر على أهلِ البقرِ مائتي بقرةٍ ، وأنَّ من كان له عقلُه في الشاةِ ألفي شاةٍ ، وقضى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنَّ العقلَ ميراثٌ بين ورثةِ القتيلِ على فرائضِهم فما فضل فللعصَبةِ ، وقضى رسولُ اللهِ أن تعقلَ المرأةَ عصبتُها من كانوا ، ولا يرثون منها شيئًا إلا ما فضل من ورثتِها ، وإن قُتلتْ فعقلُها بين ورثتها ، وهم يَقتلون قاتلَها
الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : ابن دقيق العيد
| المصدر : الإلمام بأحاديث الأحكام
الصفحة أو الرقم: 2/732 | خلاصة حكم المحدث : [ اشترط في المقدمة أنه ] صحيح على طريقة بعض أهل الحديث
التخريج : أخرجه النسائي ( 4801 )، وابن ماجه ( 2630 ) باختلاف يسير.
الدِّيةُ هي المالُ المُؤَدَّى إلى المَجْنيِّ عليه أو وَليِّه، بسببِ الجِنايةِ على النَّفسِ أو ما دُونَها.
وفي هذا الحَديثِ بَيانٌ لأنواعِ وَقِيمةِ الدِّياتِ الَّتي تُدفَعُ في القَتلِ الخطَأِ مِن الإبلِ أو البقَرِ أو الغنمِ، أو القيمةِ الماليَّةِ، بحسَبِ اختلافِ المكانِ والزَّمانِ؛ فيُخبِرُ عبدُ
اللهِ بنُ عمرٍو عن النَّبيِّ صَلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: "مَن قُتِل خطَأً فدِيتُه مائةٌ مِن الإبلِ"،
أي: مَنْ وقَعَ عليه القَتْلُ بطريقِ الخطأِ، فتُدفَعُ دِيَتُه مائةً مِن الإبلِ، وذلك إذا دُفِعَت مِنَ الإبلِ، وتَقسيمُها يكونُ كالتالي: "ثَلاثون بِنتَ مَخاضٍ"، والمَخاضُ: النَّاقةُ الحاملُ، وبِنتُها: هي الَّتي أتَتْ عليها سَنَةٌ، ودخَلَت عليها الثَّانيةُ، وحمَلَت أمُّها، "وثلاثونَ بِنتَ لَبُونٍ"، وهي النَّاقةُ الَّتي دخَلَت في السَّنةِ الثَّالثةِ، سُمِّيَت بذلك؛ لأنَّ أُمَّها ولَدَت غيرَها، فصارَ لها لبَنٌ، والذَّكَرُ ابنُ لَبونٍ، "وثلاثونَ حِقَّةً"، وهي النَّاقةُ الَّتي أتَى عليها ثَلاثُ سِنينَ، ودخَلَتْ في الرَّابعةِ، وتَحمَّلَتِ الفَحلَ، "وعَشْرةُ بَني لَبونٍ ذُكورٍ".
ثُم قال عبدُ
اللهِ بنُ عمرٍو رَضِيَ
اللهُ عَنهما: "وكان رسولُ
اللهِ صَلَّى
اللهُ علَيه وسلَّمَ يُقوِّمُها"،
أي: يُحدِّدُها بما يُعادِلُها في الأُموالِ الأُخرى، "على أهلِ القُرى"،
أي: يَجعَلُ قِيمتَها عليهم، والمُرادُ بهم: مَن لا يَملِكون بَهائمَ، "أربَعَ مِائةِ دِينارٍ، أو عِدْلَها مِنَ الوَرِقِ"،
أي: أربعَ مِائةِ دِينارٍ مِن الذَّهبِ، أو بما يُساويها مِن الفِضَّةِ، والمُرادُ الدَّراهمُ، "ويُقوِّمُها على أهلِ الإبلِ"،
أي: الَّذين يَملِكون الإبِلَ، وتَكونُ أموالُهم فيها، "إذا غَلَت"،
أي: زادَت وارتفَعَ ثَمنُها، "رفَع في قِيمَتِها"،
أي: رفَعَ النَّبيُّ صَلَّى
اللهُ علَيه وسلَّمَ قِيمَةَ دِيَةِ أهْلِ القُرى بالدَّنانيرِ بما يُعادِلُ غُلوَّها في ذلك الزَّمنِ، "وإذا هانَت"،
أي: رَخُصَ ثَمنُها، "نقَصَ مِن قِيمَتِها"،
أي: خفَضَ فيما يُعادِلُها مِن الدَّنانيرِ والدَّراهِمِ، "على نَحوِ الزَّمانِ ما كان"،
أي: بما يتَناسَبُ مع سِعرِها في كلِّ زمانٍ يَخفِضُ ويَرفَعُ النَّبيُّ صَلَّى
اللهُ علَيه وسلَّمَ الدِّيَةَ بالدَّنانيرِ الذَّهبيَّةِ، قال عبدُ
اللهِ: "فبلَغَ قِيمتُها"،
أي: تَراوحتْ قِيمتُها بيْنَ النَّقْصِ والزِّيادةِ، "على عَهدِ رسولِ
اللهِ صَلَّى
اللهُ علَيه وسلَّمَ ما بينَ الأربَعِ مِائةِ دينارٍ إلى ثَمانِ مِائةِ دِينارٍ"، مِن الذَّهبِ، "أو عِدْلَها" وما يُساوِيها "مِن الوَرِقِ" وهو الفِضَّةُ المَضروبةُ دَراهمَ، قال عبدُ
اللهِ رَضِيَ
اللهُ عَنه: "وقَضى رسولُ
اللهِ صَلَّى
اللهُ علَيه وسلَّمَ: أنَّ مَن كان عَقْلُه في البقَرِ على أهلِ البقَرِ مِئتي بقَرةٍ"،
أي: وإذا كانتْ دِيَتُه ستُدفَعُ مِن البقرِ لِمَن يَملِكُ البقَرَ، فقَدْرُها يكون مِائتي بقَرةٍ، "ومَن كان لَه عَقلُه في الشَّاةِ"،
أي: وإن كانت دِيَتُه ستُدفَعُ بالغنَمِ، فقَدرُها يكونُ: "ألْفَيْ شاةٍ".
والمعنى: أنَّه صَلَّى
اللهُ علَيه وسلَّمَ وسَّعَ على القاتِلِ خطَأً وأوليائِه؛ حيثُ لم يُلزِمْهم بدَفعِ العَقلِ مِن الإبلِ فقطْ، بل جَوَّزَ العَقْلَ في البقَرِ والشَّاءِ؛ فمَن لم يَكُنْ له إبِلٌ وكانتْ له بقَرٌ، أدَّى العَقْلَ مِنها، وهي مِائتَا بقَرةٍ، ومَن لم يكُنْ له إبلٌ وكانت له شَاءٌ، أدَّى العقْلَ مِنها، ومِقْدارُها ألْفَا شاةٍ، ثمَّ قال عبدُ
اللهِ رضِيَ
اللهُ عنه: "وقَضى رسولُ
اللهِ صَلَّى
اللهُ علَيه وسلَّمَ: أنَّ العقْلَ مِيراثٌ"،
أي: يَكونُ سَبيلُه سَبيلَ الْمِيراثِ في التَّوزيعِ، "بيْنَ ورَثةِ القَتيلِ على فَرائضِهم"،
أي: بالمِقدارِ الَّذي حدَّدهُ الشَّارعُ لكلِّ نَصيبِ وارثٍ فيهم، "فما فضَلَ"،
أي: بَقِيَ مِن تلك الدِّيَةِ بَعدَ تَوزيعِها على الورَثةِ، "فلِلعَصَبةِ"،
أي: لأقاربِ القَتيلِ وأوليائِه الذُّكورِ الَّذين ليسَتْ لهم فَريضةٌ، وَقَد استَعمَلَ الفُقهاءُ كلمةَ العَصَبَةِ في الواحدِ، إذا لم يَكُنْ غيرُه؛ لأنَّه قام مَقامَ الجَماعةِ في إحرازِ جَميعِ المالِ، وَعَصبَةُ الرَّجُلِ: أولياؤُه الذكورُ مِنْ ورَثَتِه، قال عبدُ
اللهِ رَضِي
اللهُ عَنه: "وقضَى رسولُ
اللهِ صَلَّى
اللهُ علَيه وسلَّمَ: أنْ تَعقِلَ المرأةَ"،
أي: أنَّ الَّذي يَدفَعُ دِيةَ المرأةِ إذا كانت قاتِلةً، "عَصَبتُها مَن كانوا"،
أي: تُوزَّعُ على القَريبِين منها والبَعيدين، وعَصَبةُ المرأةِ: ذَوو أَرحامِها مِن الرِّجالِ، "ولا يَرِثون منها شيئًا"،
أي: وليس لهم مِن مِيراثِ مالِها وتَرِكَتِها ودِيَتِها شَيءٌ إذا كانتْ هي المقتولةَ، "إلَّا ما فضَلَ عن ورَثتِها"،
أي: لهم أنْ يَأخُذوا ما تبَقَّى مِن الورَثةِ بَعدَ تمامِ فُروضِهم الشَّرعيَّةِ؛ وذلك حتَّى لا يتَوهَّمَ العَصَبةُ أنَّهم إذا كانوا هم الدَّافِعينَ للدِّيةِ في حالِ كَونِها قاتِلَةً، فيَحسَبون أنَّهم ورَثتُها في حالةِ إذا كانَت مَقتولةً، فنَفَى ذلك رسولُ
اللهِ صَلَّى
اللهُ علَيه وسلَّمَ، "وإنْ قُتِلَت"، وإنْ كانتِ المرأةُ مَقتولةً خطَأً، "فعَقْلُها بيْن ورَثتِها"،
أي: ودِيَتُها تَكونُ بينَ الورَثةِ أصحابِ الفُروضِ على قَدْرِ مِيراثِهم، وليس للعصَبةِ، "وهم يَقتُلون قاتِلَها"،
أي: وإنْ قُتِلَتْ عَمدًا، فالورثةُ هم مَن يَطلُبون بدَمِها لا العَصَبةُ، والمُرادُ: أنَّ القِصاصَ حَقٌّ للورَثةِ في حالةِ القَتلِ العمدِ، فإنْ شاؤوا اقتَصُّوا، وإنْ شاؤوا عفَوْا، ولا حَقَّ في ذلك لغيرِهم مِن الأقاربِ، كالعصَباتِ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم