المُتعةُ في الشَّرعِ لَفظٌ مُشترَكٌ بيْن المُتعةِ بالعُمرةِ إلى الحجِّ، وبيْن مَعنى زَواجِ المُتعةِ، ويُفهَمُ بحسَبِ السِّياقِ الَّذي يَرِدُ فيه، وكانَ الخلافُ حوْلَ زَواجِ المُتعَةِ قائمًا بيْنَ بَعضِ أَصحابِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم ما بيْن مُبيحٍ ومانِعٍ، بحَسبِ ما فَهِمَ كُلُّ فَريقٍ مِن سنَّةِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم، وكذلكَ الخِلافُ حوْلَ التمتُّعِ بالعُمرَةِ إلى الحجِّ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي التَّابعيُّ أبو نَضْرةَ المنذرُ بنُ مالكٍ البصْريُّ أنَّ عبدَ
اللهِ بنَ عبَّاسٍ رَضِي
اللهُ عنهما كانَ يَأمُرُ بالمُتعَةِ، وكانَ عبْدُ
اللهِ بنُ الزُّبَيرِ رَضِي
اللهُ عنهما يَنهى عَنها، والاختلافُ واقِعٌ في تَفسيرِ مَعنى المُتعَةِ هُنا؛ إمَّا أن تَكونَ مُتعَةَ الحجِّ أو زَواجَ المُتعَةِ، وفي روايةٍ لمُسلمٍ: «
إنَّ ابنَ عبَّاسٍ وابنَ الزُّبيرِ اختَلَفا في المُتعتَينِ» والمَقْصودُ بمُتْعةِ النِّساءِ زَواجُ المَرْأةِ لمُدَّةٍ مُعيَّنةٍ، بلَفظِ التَّمتُّعِ على قَدْرٍ منَ المالِ، وقدْ كان هذا الزَّواجُ مُباحًا أوَّلَ الأمْرِ، ثمَّ نَهى النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم عنه مِن يومِ خَيْبرَ إلى يومِ القِيامةِ.
والتَّمتُّعُ في الحَجِّ هو أنْ يُحْرِمَ الحاجُّ بالعُمْرَةِ في أشهُرِ الحَجِّ، ثمَّ يَحِلَّ منها، ثمَّ يُحْرِمَ بالحَجِّ مِن عامِه، فإذا قَدِمَ مَكَّةَ في أشهُرِ الحجِّ واعتَمَر وانْتَهى مِن عُمرتِه، فله أنْ يَتحلَّلَ مِن إحرامِه، ويَتمتَّعَ بكلِّ ما هو حَلالٌ حتَّى تَبدَأَ مَناسِكُ الحجِّ.
فذكَرَ أبو نَضْرةَ ذلكَ الاختِلافَ لجَابرِ بنِ عبدِ
اللهِ رَضِي
اللهُ عنهما، فقالَ: «
على يَدي دارَ الحَديثُ»،
أي: وقَعَ في حَضْرتي ذلك الحديثُ، وبيَّن رَضِي
اللهُ عنه أنَّهم تَمتَّعوا على عهْدِ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم، ويَشمَلُ جَوابُ جابرٍ رَضِي
اللهُ عنه مُتعةَ الحجِّ ومُتعةَ الزَّواجِ، «
فلمَّا قامَ عُمرُ»،
أي: بأمرِ الخلافةِ، قالَ: «
إنَّ اللهَ كانَ يُحِلُّ لرَسولِهِ ما شاءَ» مِن الأحكامِ، «
بمَا شاءَ» بالوحيِ الَّذي شاء إنزالَه؛ مِن الآياتِ القرآنيَّةِ، أو الأحاديثِ النَّبويَّةِ، يُشيرُ بذلك إلى أنَّ مِثلَ تلك المُتَعِ كانت خاصَّةً بهم، «
وإنَّ القُرآنَ قدْ نزَلَ مَنازَلَهُ»،
أي: تمَّ نُزولُه وتَرتيبُه، واكتَمَلتْ أوامِرُه وثبتَتْ، واستقرَّت أحكامُه، فلا يَقبَلُ النَّسخَ ولا التَّبديلَ بعْدَ أنْ تُوفِّيَ رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم،
وفيه الأَمرُ بإتمامِ الحَجِّ والعُمرةِ، قال تعالى:
{ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } [
البقرة: 196 ]، و
يَعني بذلك: أنَّ مُتْعةَ الحجِّ قدْ رُفِعَت لمَّا أمَرَ
اللهُ بإتمامِ الحجِّ والعُمرةِ، ومُتعةُ النِّكاحِ أيضًا كذلك؛ لمَّا ذكَرَ
اللهُ شَرائطَ النِّكاحِ في كِتابِه، وبيَّن أحكامَه، فلا يُزادُ فيها، ولا يُنقَصُ منها شَيءٌ، ولا يُغيَّرُ، «
فأتمُّوا الحَجَّ والعُمرةَ للهِ، كما أمَرَكُم اللهُ»، وكانَ عُمرُ رَضِي
اللهُ عنه يَرى أنَّ إتمامَ الحَجِّ والعُمرةِ يَكونُ بإِفرادِ كلِّ نُسكٍ على حِدَةٍ.
وظاهِرُ كَلامِ عُمَرَ رَضِي
اللهُ عنه هذا إنكارُ فسْخِ الحجِّ إلى العُمرةِ، وليس مُرادُ عُمَرَ رَضِي
اللهُ عنه بذلكَ مُخالَفةَ
القُرآنِ والسُّنَّةِ، وقد رَوَى مُسلمٌ: «
أنَّ أبا مُوسى سَأَلَ عُمرَ عن ذلِك، فقال عُمرُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قَدْ فَعَلَهُ وَأَصْحَابُهُ، وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ يَظَلُّوا مُعْرِسِينَ بِهِنَّ فِي الْأَرَاكِ، ثُمَّ يَرُوحُونَ فِي الْحَجِّ تَقْطُرُ رُؤُوسُهُمْ»، ومعْناه: كَرِهْتُ التَّمتُّعَ؛ لأنَّه يَقتضي التَّحلُّلَ ووَطْءَ النِّساءِ إلى حِينِ الخُروجِ إلى الحجِّ.
وقدْ ثبَتَ في الصَّحيحينِ أنَّ سُراقةَ بنَ مالكٍ سَأل النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم لمَّا أمَرَ أصحابَه بفسْخِ الحجِّ إلى عُمرةٍ والتَّمتُّعِ بها إلى الحجِّ، قال: ألِعامِنا هذا أمْ للأبدِ؟ فقال النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم: بلْ للأبَدِ.
وقال عمرُ رَضِي
اللهُ عنه في مُتعةِ النِّساءِ: «
وأبِتُّوا»،
أي: اقطَعُوا وأنهُوا هذا الأَمْرَ، وهو نِكاحُ هذِه النِّساءَ؛
يَعني المُتعَةَ، «
فلنْ أُوتى برُجلٍ نكَحَ امرأةً إلى أجَلٍ، إلَّا رَجمْتُه بالحِجارةِ»، فهو يَرى أنَّ نِكاحَ المُتعَةِ مِثلُ الزِّنا، وقد أجاز النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم نِكاحَ المتعةِ في بادئِ الأمرِ، ثُمَّ نَهى عنه بعْدَ ذلك في غَزوةِ خَيْبرَ إلى يَومِ القيامةِ، وحرَّمها في حَجَّةِ الوداعِ، كما روى ذلك البُخاريُّ ومُسلمٌ وغيرُهما.
وفي الحَديثِ: التَّحذيرُ مِن فعْلِ ما نَهى النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم عَنه.
وفيه: الزَّجرُ عن نِكاحِ المُتعَةِ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم