حذَّرَنا النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم من البِدَعِ والغُلوِّ في الدِّينِ؛ لأنَّ ذلك يُؤدِّي إلى إفسادِ المجتمَعاتِ، وربَّما أدَّى التَّشدُّدُ مع عدَمِ الفِقه في الدِّينِ إلى تَبديعِ وتَكفيرِ المجتمَعاتِ المسلِمةِ، والخروجِ على الحُكَّامِ بغيرِ وَجه حقٍّ.
وفي هذا الحديثِ يَذكُرُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم قومًا يَكونون في أُمَّتِه -ويَقصِدُ بهم الخوارجَ- يَخرجُون عن جَماعةِ المسلِمين، ويَظهَرون من جِهَةِ مَشرِقِ المدينةِ؛ كَنَجدٍ، وما بَعدَهُ، وكان ابتداءُ خُروجِهم في العِراقِ، وقد خرَجُوا في عَهدِ الخَليفةِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ
اللهُ عنه، وقاتَلَهم بمَن معهُ، ومِن مُعتَقَدِهِم: تَكفيرُ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ رَضيَ
اللهُ عنه، وأنَّه قُتِلَ بِحَقٍّ، ولم يَزالُوا مع عليٍّ رَضيَ
اللهُ عنه، حتَّى وَقَعَ التَّحكيمُ بين الخَليفةِ عليٍّ وبين مُعاويةَ رَضيَ
اللهُ عَنهُما بِصِفِّينَ سَنةَ سَبعٍ وثَلاثين منَ الهِجرةِ، فاعتَرَضوا عليه، وخَرَجوا على عليٍّ رَضيَ
اللهُ عنه، وكفَّروه.
ثمَّ أخبر النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم عن بَعضِ صِفاتِهم وأخبارِهم؛ فهم يَقرَؤون
القُرآنَ، ولا تَتعدَّى قِراءتُهم «
تَراقيَهم»، جَمعُ تَرقُوةٍ، وهي عَظمٌ يَصِل ما بين ثَغرةِ النَّحرِ والعاتِقِ،
أي: أنَّهُم لا يَفقهونه، ولا يَنتفِعون بتلاوتِهِ، فلا يتَدبَّرونَ آياتِه ولا يتفَكَّرونَ في مَعانيه، فلا تَصِلُ إلى قُلوبِهم بالتَّدبُّرِ والخُشوعِ، ولا تَصعَدُ إلى السَّماءِ، فلا يَكونُ لهم بها أجرٌ ولا ثوابٌ.
ومن صِفاتِهم أنَّهم «
يَمرُقون منَ الدِّينِ»،
أي: يَخرُجون من مِلَّةِ الإسلامِ سَريعًا، ولا يَتعَلَّقونَ مِنه بشَيءٍ، «
كما يَمرُقُ السَّهْمُ منَ الرَّمِيَّةِ»، مِثلَ السَّهمِ القويِّ السَّريعِ الَّذي يَخترِقُ الهَدَف المَرميِّ إليه، ويَنفُذُ في الصَّيدِ، ومِن قُوَّتِه وسُرعتِه يَدخُلُ من جِهةٍ، ويَخرُجُ منَ الجِهةِ المُقابِلةِ ولا يكونُ فيه أثرٌ من دَمٍ أو لَحمٍ، ثم إنَّهم لا يَرجِعون إلى الدِّينِ، كما لا يَرجِعُ السَّهمُ إلى مَوضِعِه منَ القَوسِ.
ثمَّ سَألَ الصَّحابةُ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم عن مَزيدٍ من أوصافِهم؛ ليَعرِفوهم، ولا يَفتَتِنُوا بهم، فـقيلَ: «
ما سِيمَاهُمْ؟»،
أي: ما عَلامتُهم؟ قال صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم: عَلامَتهُمُ «
التَّحْلِيقُ»، وهو إزالةُ شَعرِ الرَّأسِ، أو «
التَّسْبِيدُ»، وهو التَّحليقُ، أو هو أبلَغُ منه، فهو: استِئصالُ الشَّعرِ، أو تَركُ غَسلِهِ، ودَهنِهِ، وذلك دليلٌ على زُهدِهم في زينةِ الدُّنيا.
وفي الحَديثِ: عَلَمٌ من أعلامِ النُّبوَّةِ، وقد وقع ما أخبَرَ به صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم.
وفيهِ: بَيانُ عَلاماتِ الخَوارِجِ وأماراتِهم للتَّحذيرِ منهم.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم