أتانا ابن مربع الأنصاري ونحن بعرفة في مكان يباعده عمرو عن الإمام فقال

الوُقوفُ بعرَفةَ كان مِن سُنَّةِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ القَديمةِ، غيرَ أنَّ قُريشًا غيَّرَتْها وبدَّلَتْها، فلمَّا جاءَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أحياها؛ فمَن وقَف َبعَرفةَ فقد وافَق سُنَّتَه، وتمَّ حَجُّه، ومَن لم يَقِفْ فيها فلا حَجَّ له.
وفي هذا الحديثِ يُخْبِرُ يَزيدُ بنُ شيبانَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أرْسَل لهم وهم بعَرَفةَ زيدَ بنَ مِرْبَعٍ الأنصاريَّ رَضِيَ اللهُ عنه، فأتى ابنُ مِرْبَعٍ الحَجيجَ "في مكانٍ يُباعِدُه عمرٌو عن الإمامِ"، وهو: عمرُو بنُ دينارٍ أحَدُ رواةِ الحديثِ، أي: يُظْهِرُ ابنُ مِرْبَعٍ أنَّه كان في مكانٍ بعيدٍ عن إمامِ الحجيجِ، فقال لهم: "أمَا إنِّي رسولُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليكم"، أي: أَرْسَلني النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إليكم برسالةٍ، "يقولُ لكم: قِفُوا على مَشاعِرِكم"، أي: مَواضِعِ نُسُكِكم ومَعالِمِ عِبادتِكم، ومنها: الطَّوافُ والوقوفُ بعَرَفَةَ والحَلْقُ والرَّمْيُ؛ "فإنَّكُمْ على إرثٍ مِنْ إرثِ أبيكم إبراهيمَ"، أي: إنَّ تلك المشاعرَ جزءٌ مِنْ ميراثِ نبيِّ اللهِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ، وقيل: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أراد بذلك أنْ يَجعَلَ لهم سَعَةً في الوقوفِ بعَرَفَةَ، وأنَّ عَرَفَةَ كلَّها موقفٌ؛ حتَّى لا يُخْتَصَّ فيه مكانٌ دونَ آخَرَ.