نزل ملك من السماء يكذبه بما قال لك فلما انتصرت وقع الشيطان

مَن نالَه أذًى، فلَه أن يُجازي مَن آذاهُ بمثلِ ما جُوزيَ بهِ، وليس له أنْ يَزيدَ، ولكنَّه إنْ صَبَر واحتَسَب ذلك عندَ اللهِ تعالى فإنَّه سيَجِدُ جزاءَ صَبرِه هذا في الدُّنيا والآخِرَةِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ سَعيدُ بنُ المسَيَّبِ: "بينما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم جالسٌ ومعه أصْحابُه، وقَعَ رجلٌ بأبي بكْرٍ"، أي: شتَمَه وسبَّه فآذاهُ، "فصَمَتَ"، يَعني: سكَتَ عنه أبو بكرٍ ولم يرُدَّ عليه إساءتَه، "ثمَّ آذاه الثَّانيةَ، فصمَتَ عنه أبو بكرٍ، ثمَّ آذاه الثَّالثةَ فانتصَرَ منه أبو بكْرٍ"، يَعني: انتقَمَ أبو بكرٍ لنَفْسِه ورَدَّ عليه إساءتَه، "فقام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم حين انتصَرَ أبو بكْرٍ"، أي: انصرَف رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن المَجلِس حِين فعَلَ أبو بكرٍ ذلك، فقال أبو بكْرٍ: "أوجَدْتَ علَيَّ يا رسولَ اللهِ؟"، ومعناه: أغضِبْتَ عليَّ يا رسولَ اللهِ حين فعلْتُ ما فعلْتُ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "نزَلَ ملَكٌ من السَّماءِ يُكذِّبُه"، أي: يكذَّبُ الرَّجلَ بما قال لكَ وآذاك "فلمَّا انتصرتَ لنَفْسِك وقعَ الشَّيطانُ"؛ لأنَّ غايةَ ما يُريدُ الشَّيطانُ أن يَحدُثَ خِصامٌ ومُنازعَةٌ، "فلمْ أكُنْ لأجلِسَ إذ وقَعَ الشَّيْطانُ"، أي: حَضَر الشيطانُ، ولم أكُنْ لأجلِسَ في مكانٍ نزَلَ ووقَعَ فيهِ الشَّيطانُ بشَرِّه وغابَتْ عنه المَلائكةُ.