حَرَّمَ الإسلامُ أمورَ الجاهليَّةِ مِن الشِّركِ والخَبائثِ، وأقرَّ التَّوحيدَ للهِ، وأحلَّ الطَّيِّباتِ للنَّاسِ، كما يُبيِّنُ هذا الحديثُ، وهو مُختصَرٌ مِن رِوايةٍ أخرى،
وفيها أنَّ رَسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ عامَ الفَتحِ وهو بِمكَّةَ -وكان ذلك في العامِ الثَّامنِ مِن الهِجرةِ-: "إنَّ
اللهَ ورسولَه حرَّمَ" في ذكرِ
اللهَ تعالى قَبلَ ذِكرِ رَسولِه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ تَوْطِئَةً لذِكْرِه، وإيذانًا بأنَّ تحريمَ الرَّسولِ كتَحريمِ
اللهِ تعالى؛ لأنَّه رَسولُه وخَليفتُه، وقوله "بَيْعَ الخَمرِ"، وهي كلُّ ما خامَرَ العَقلَ وغيَّبَه، ويَدخُلُ فيه تَحريمُ بَيعِ كلِّ مُسْكِرٍ؛ مائعًا كانَ أو جامدًا، عَصيرًا أو مطبوخًا.
"وحَرَّمَ بَيْعَ المَيتةِ"، ويَدخُلُ فيه كلُّ ما يُسمَّى مَيْتَةً؛ سواءٌ ماتَ حَتْفَ أَنفِهِ، أو ذُكِّيَ ذَكاةً لا تُفِيدُ حِلَّه، "وحرَّمَ بَيْعَ الخنزيرِ"، ويَتناولُ ذلك جُملَتَه وجميعَ أجزائِه الظَّاهرةِ والباطنةِ، "وحَرَّم كذلك بَيعَ الأصنامِ"، ويُسْتفادُ منه تَحريمُ بَيعِ كلِّ آلةٍ مُتَّخَذَةٍ لِلشِّرْكِ على أيِّ وجْهٍ كانتْ، ومِن أيِّ نوعٍ كانَتْ؛ صَنَمًا، أو وَثنًا، أو صَليبًا.
"فَقيلَ: يا رسولَ
اللهِ أرأيْتَ شُحومَ الْميْتَةِ؟"
أي: أَخْبرْنا عن حُكْمِها؛ "فَإنَّها"
أي: شُحومَها "تُطْلَى بها السُّفنُ"
أي: أَخْشابُها، "وتُدْهَنُ بها الجلودُ، ويُستصْبَحُ بها"
أي: يَجعلونَها في مَصابيحِهم، لِتُضيءَ لهم؟ فقال صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا هُوَ حَرامٌ"،
أي: إنَّ بَيْعَها مع كلِّ ذلك لا يَجوزُ، "ثُمَّ قال صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ عند ذلك: قاتَلَ
اللهُ اليهودَ!"
أي: أهلَكَهُم ولَعَنَهم "إنَّ
اللهَ لَمَّا حرَّمَ شُحومَها"،
أي: شُحومَ الميتةِ أو شُحومَ البقرِ والغنمِ، كما أخْبَر تعالى بِقولِه:
{ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا } [
الأنعام: 146 ]، "أَجْمَلُوه"،
أي: أَذابُوه واستخْرَجُوا دُهْنَه، "ثُمَّ بَاعُوه فَأكَلُوا ثَمَنَه"،
أي: أخَذوا في ثَمنِه أموالًا وهو حرامٌ، والمرادُ بقولِه: "لا، هو حرامٌ" تحريمُ البيعِ لا تحريمُ الانتفاعِ؛ لأنَّه قد أحَلَّ الانتفاعَ بحُلودِ الميتةِ.
وإنَّما سألَه المسلِمون عن شُحومِ الميتةِ؛ لأنَّهم ظنُّوا أنَّ هذه المنافعَ تكونُ سببًا للرُّخصةِ لهم في البيعِ، فذَكَروا ذلك للنبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ لعلَّه أنْ يُبيحَ البيعَ لذلك، فلم يَفعلْ.
وفي الحَديثِ: تَحريمُ ثلاثةِ أجناسٍ، وهي: مَشارِبُ تُفسِدُ العقولَ، ومَطاعِمُ تُفسِدُ الطِّباعَ، وتُغَذِّي غِذاءً خَبِيثًا، وأعيانٌ تُفسِدُ الأديانَ، وتَدْعو إلى الفِتنةِ والشِّركِ.
وفيه: أنَّ الشَّيءَ إذا حُرِّمَ عينُه حُرِّمَ ثَمنُه
( ).
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم