شرح حديث
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُمَّتَه ببعضِ الأمورِ الغَيبيَّةِ التي أعْلَمَها اللهُ له؛ لِيُحذِّرَنا منها، فنَعمَلَ على تجنُّبِها ونَدْعوَ اللهَ أنْ يُنجِّيَنا مِن شَرِّها، ومِن ذلك العلاماتُ الصُّغرى والكُبرى التي إذا ظهَرَتْ فإنَّ القيامةَ تكونُ قد أظلَّتِ النَّاسَ، ومِن هذه الفِتَنِ فِتنةُ الدَّجَّالِ، وكذلك عذابُ القبْرِ ونَعِيمُه.
وفي هذا الحديثِ تُخبِرُ أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها، فتقولُ: "جاءتْ يهوديَّةٌ، فاستطْعَمَتْ على بابي"، أي: طلَبَت طعامًا تأكُلُه، "فقالت: أطْعِموني، أعاذَكُم اللهُ"، أي: وَقاكم وحَماكم، "مِن فِتنةِ الدَّجَّالِ" وهو مسيحُ الضَّلالةِ الذي يكونُ في آخرِ الزَّمانِ، والفِتنةُ: هي الابتلاءُ والاختبارُ، "ومِن فِتنةِ عذابِ القبرِ"، وهو ما يَحدُثُ للميِّتِ مِن سُؤالِ الملَكَينِ وضَمَّةِ القبرِ، ويَشمَلُ التَّعوُّذَ مِن الأسبابِ التي تُؤدِّي إلى العذابِ فيه، قالت عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "فلم أزَلْ أحبِسُها"، أي: أمْنَعُها مِن الذَّهابِ والانصرافِ، "حتَّى جاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما تقولُ هذه اليهوديَّةُ؟ قال: وما تقولُ"، يَستفسِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن قولِها الذي قالَتْه لعائشةَ رضِيَ اللهُ عنها، "قلتُ: تقولُ: أعاذَكُم اللهُ مِن فِتنةِ الدَّجَّالِ ومِن فِتنةِ عذابِ القبرِ، قالتْ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: فقام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فرفَعَ يدَيْه مدًّا"، أي: رفَعَهما رفعًا طويلًا ومدَّهما إلى السَّماءِ، "يَستعيذُ باللهِ مِن فِتنةِ الدَّجَّالِ ومِن فِتنةِ عذابِ القبرِ"، وفِعْلُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تأكيدٌ لمعنَى وحقيقةِ ما قالَتْه اليهوديَّةُ لعائشةَ رضِيَ اللهُ عنها، ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أمَّا فِتنةُ الدَّجَّالِ: فإنَّه لم يكُنْ نَبِيٌّ إلَّا قد حذَّرَ أُمَّتَه منه، وسأُحَذِّرُكموه تحذيرًا لم يُحذِّرْه نبِيٌّ أُمَّتَه"، أي: ببَيانِ صِفَتِه التي لم يُبيِّنْها نبيٌّ مِن قبْلُ، "إنَّه أعورُ"، أي: يُبصِرُ بعينٍ واحدةٍ، "واللهُ عزَّ وجلَّ ليس بأعورَ"، بلْ له أوصافُ الكمالِ والجَلالِ، بيْنما الدَّجَّالُ "مكتوبٌ بيْن عَينَيه ( كافرٌ ) يَقْرَؤه كلُّ مُؤمنٍ"، أي: يُمكِّنُ اللهُ كلَّ إنسانٍ مُؤمِنٍ مِن قراءةِ هذه الكلمةِ، سواءٌ كان يَعرِفُ القراءةَ أو لا يَعرِفُ، أو فيَخلُقُ اللهُ للمؤمنِ الإدراكَ دونَ تعلُّمٍ، فيَعلَمُ معنى المكتوبِ بيْن عَيْنَيِ الدَّجَّالِ، وهذا مِن التَّثبيتِ للمؤمنينَ، أمَّا الكفَّارُ فلا يَرَون ذلك ولا يَقْرؤونَه، "فأمَّا فِتنةُ القبرِ"، أي: الابتلاءُ والاختبارُ في القبرِ، "فبي تُفْتَنون، وعنِّي تُسْأَلون"، أي: سببٌ فِتنتُكم في قُبورِكم بَعْثَتي ورِسالتي، "فإذا كان الرَّجلُ الصَّالحُ"، أي: صاحبُ العملِ الصَّالحِ في الدُّنيا قبْلَ موتِه، "أُجْلِسَ في قبْرِه غيرَ فَزِعٍ ولا مَشعوفٍ"، أي: غيرَ خائفٍ ولا مُتردِّدٍ، "ثمَّ يُقال له" مِن قِبَلِ الملائكةِ التي تأْتِيه في قبْرِه: "فِيمَ كنتَ؟" أي: فِيمَ كنتَ تَعتقِدُ في دُنياك، "فيقولُ: في الإسلامِ، فيُقال: ما هذا الرَّجلُ الذي كان فيكم؟" أي: كان مُرسَلًا فيكم مِن اللهِ، "فيقولُ: محمَّدٌ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، جاءنا بالبيِّناتِ مِن عندِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فصدَّقْناهُ، فيُفرَّجُ له فُرْجةٌ"، أي: تُفْتَحُ له فَتحةٌ، "قِبَلَ النَّارِ"، أي: مِن جِهَتِها، "فيَنظُرُ إليها يَحطِمُ بعضُها بعضًا"، أي: يَصدِمُ ويَضرِبُ بعضُها بعضًا مِن شِدَّتِها وقوَّتِها، "فيُقال له: انظُرْ إلى ما وَقاك اللهُ عزَّ وجلَّ"، أي: نجَّاك اللهُ منه، "ثمَّ يُفرَّجُ له فُرجةٌ"، أي: تُفْتَحُ له فَتحةٌ، "إلى الجنَّةِ، فيَنظُرُ إلى زَهرتِها"، أي: جَمالِها وبَهجتِها، "وما فيها، فيُقالُ له: هذا مقعدُك منها، ويُقال: على اليقينِ كنتَ"، أي: هذا مقعدُك لأنَّك كنتَ في الدُّنيا على اليقينِ في أمْرِ الدِّينِ، "وعليه مِتَّ، وعليه تُبْعَثُ إنْ شاء اللهُ"؛ لأنَّ الإنسانَ يُبعَثُ على ما كان عليه في الدُّنيا.
ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وإذا كان الرَّجلُ السُّوءُ"، أي: صاحبُ العملِ السَّيِّئِ، "أُجْلِسَ في قبْرِه فَزِعًا مَشْعوفًا"، أي: خائفًا مُتردِّدًا مُهتزًّا، "فيُقال له: فِيمَ كنتَ"، أي: فِيمَ كنتَ تَعتقِدُ في دُنياك؟ "فيقولُ: لا أدْري"، أي: لا أعرِفُ، "فيُقال: ما هذا الرَّجلُ الذي كان فيكم"، أي: كان مُرسَلًا فيكم مِن اللهِ، "فيَقولُ: سمِعْتُ النَّاسَ يقولون قولًا، فقلْتُ كما قالوا"، أي: أنَّه اتَّبعَ النَّاسَ الكَفرةَ والعاصينَ فيما قالوا عن الرَّسولِ، فلم يُؤمِنْ به مِثْلَهم، "فتُفرَّجُ له فُرجةٌ"، أي: تُفتَحُ له فَتحةٌ، "قِبَلَ الجنَّةِ، فيَنظُرُ إلى زَهرتِها"، أي: جمالِها وبَهجتِها، "وما فيها، فيُقال له: انظُرْ إلى ما صرَفَ اللهُ عزَّ وجلَّ عنك"، أي: أبْعَدَه عنك، "ثمَّ يُفرَّجُ له فُرجةٌ قِبَلَ النَّارِ، فيَنظُرُ إليها يَحطِمُ بعضُها بعضًا"، أي: يَصدِمُ ويَضرِبُ بعضُها بعضًا مِن شِدَّتِها وقوَّتِها، "ويُقال له: هذا مقعدُك منها"؛ جزاءً على عمَلِك السَّيِّئِ، "كنتَ على الشَّكِّ" وهو التَّردُّدُ والتَّكذيبُ وعدمُ اليقينِ، "وعليه مِتَّ، وعليه تُبْعَثُ إنْ شاء اللهُ"، أي: تُبْعَثُ على ما كنتَ تَعتقِدُه في الدُّنيا، "ثمَّ يُعذَّبُ" على عمَلِه السَّيِّئِ.
وفي الحديثِ: إثباتُ وُقوعِ فِتنةِ القبرِ وعذابِ القبرِ، وفِتنةِ الدَّجاَّلِ.
وفيه: أنَّ اللهَ تعالى واسِعُ المغفرةِ والفضلِ لمَن أحسَنَ في الدُّنيا، وشديدُ العقابِ لمنَ أساء.
وفيه: بيانُ أنَّ فِتنةَ الدَّجَّالِ هي أعظمُ فِتنِ المحيا -سَلَّمَنا اللهُ منها .
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم