صم يوما من كل شهر ولك أجر ما بقي

كان عبدُ اللهِ بنُ عمرِو بنِ العاصِ رَضِي اللهُ عَنهما مِن الصَّحابةِ المَشهورين بالاجتِهادِ في العِبادةِ، حتَّى إنَّه كان يَسأَلُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كَثرةَ الصِّيامِ وقِراءةِ القُرآنِ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُقلِّلُ له مِن إكثارِه فيهِما؛ تيسيرًا عليه وعلى الأُمَّةِ بَعدَه، وتعليمًا أنَّ الإسلامَ دِينُ اليُسرِ والوَسطيَّةِ والمُوازنةِ بينَ حَياةِ الجَسَدِ وحَياةِ القُلوبِ والأَرْواحِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لعبدِ اللهِ بنُ عمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما: "صُمْ يوْمًا مِن كلِّ شهرٍ، ولك أجْرُ ما بَقِيَ"، أي: أنَّه يُكْتفى في صِيامِ التَّطوُّعِ أنْ يَصومَ يوْمًا من كُلِّ شَهْرٍ، ويُكتَبُ له أجْرُ باقي الشَّهْرِ، وهذا معَ إِخْلاصِ النِّيَّةِ للهِ بأنْ يكونَ الصِّيامُ للعِبادَةِ، والِإْفطارُ للتَّقوِّي على شَرائِعِ الدِّينِ، وذلك لِمَن لا يَقْوَى ولا يُطيقُ أكثرَ مِن ذلك في التطوُّعِ، وهو أيضًا مَحْمولٌ على أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قد تدرَّجَ معه حتى وَصَلَ إلى صِيامِ يومٍ وإِفْطارِ يومٍ، كما جاء في الرواياتِ الأخرى، ومنها رِوايَةُ أبي داوُدَ، وفيها: "فلمْ يَزَلْ يُناقِصُني، وأُناقِصُه".
وفي الحديث: بيانُ واسِعِ فَضلِ اللهِ تعالى على هذِه الأُمَّةِ، وتَفضُّلِه بالأجرِ الكبيرِ على العَملِ اليسيرِ .