شَرَعَ
اللهُ عزَّ وجلَّ اللِّعانَ بيْن الزَّوجَينِ حينَ تَقَعُ الفاحشةُ ولا تُوجَدُ البيِّنةُ؛ لحِفْظِ الأنسابِ ودَفْعِ المعَرَّةِ عنِ الأزْواجِ، ولدَرْءِ حدِّ القَذْفِ عن الزَّوجةِ، وهذا المتْنُ جُزءٌ مِن حديثٍ له قصَّةٌ يَرْويها عبدُ
اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِيَ
اللهُ عنه؛ قال: "لَمَّا قذَفَ هِلالُ بنُ أُميَّةَ امرأتَه" كان قَذَفَها بشَرِيكِ بنِ سَحْماءَ، والقَذفُ هو الاتِّهامُ بالزِّنا، وكان هِلالُ بنُ أُميَّةَ أوَّلَ رجُلٍ لاعَنَ في الإسلامِ، "قِيل له: لَيَجْلِدَنَّك رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ ثمانينَ جَلدةً"؛ لأنَّه قذَفَ امرأتِه دونَ شُهودٍ أو بيِّنةٍ، "قال:
اللهُ أعدَلُ مِن ذلك أنْ يَضرِبني ثمانينَ ضَربةً"، وهذا مِن ثِقَتِه في
اللهِ، وحُسنِ ظَنِّه وإيمانِه، "وقد علِمَ أنِّي رأيتُ حتى استيقَنْتُ، وسَمِعْتُ حتى استثْبَتُّ"، والمعنى: رأَيْتُهما معًا يَفعلانِ الفاحشةَ، وسَمِعتُ بأُذُني كلامَهما، "لا و
اللهِ، لا يَضرِبُني أبدًا"، فنزَلَت آيةُ الملاعَنةِ"، والمُلاعَنةُ: أنْ يُقسِمَ الرَّجلُ أرْبَعَ مرَّاتٍ أنَّه صادقٌ في رَمْيِ زَوجَتِه بالزِّنا، وفي الخامسةِ يُقسِمُ أنَّ عليه لَعنةَ
اللهِ إنْ كان كاذبًا، ثمَّ تَتَقدَّمُ المرأةُ فتُقسِمُ أرْبَعَ مرَّاتٍ أنَّ زَوجَها كاذبٌ، وفي الخامسةِ تُقسِمُ أنَّ عليها غَضَبَ
اللهِ إنْ كان صادقًا، كما جاء في قولِه تعالى:
{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ } [
النور: 6 - 9 ]، "فدَعا بهما النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ"،
أي: استَدْعاهما إلى مَجلسِه، "حين نزَلَتِ الآيةُ، فقال:
اللهُ يَعلَمُ أنَّ أحدَكما كاذبٌ" فيما يقولُه ويدَّعِيه، "فهلْ منكما مِن تائبٍ؟" بمعنى أنْ يَرجِعَ عن قولِه قَبْلَ الملاعَنةِ، "فقال هِلالٌ: و
اللهِ إنِّي لَصادقٌ، فقال له: احلِفْ ب
اللهِ الذي لا إلهَ إلَّا هو إنِّي لَصادقٌ"، وهذا قسَمٌ مُغلَّظٌ ب
اللهِ الذي لا مَعبودَ بحقٍّ سِواه على أنَّه صادقٌ في رَمْيِها بالزِّنا، "يقولُ ذلك أربَعَ مرَّاتٍ، فإنْ كنتُ كاذبًا فعلَيَّ لَعنةُ
اللهِ"،
أي: يَشهَدُ على نفْسِه أنَّه يَستحِقُّ اللَّعنَ والطَّردَ مِن رَحمةِ
اللهِ إنْ كان كاذبًا فيما رَمى به زَوجتَه، "فقال رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: قِفُوه عند الخامسةِ؛ فإنَّها مُوجِبةٌ"،
أي: تَجعَلُ اللَّعنَ واقعًا عليه إنْ كان كاذبًا، وتلك فُرصتُه الأخيرةُ؛ حتى يَتراجَعَ عن رَمْيِه لِزَوجتِه بالزِّنا إنْ كان كاذبًا، "فحلَفَ"، وأنفَذَ مُلاعَنتَه وأتمَّها دونَ أنْ يَرجِعَ عن اتِّهامِه، "ثمَّ قالتْ"،
أي: المرأةُ زوجةُ هِلالِ بنِ أُميَّةَ" أربعًا: "و
اللهِ الذي لا إلهَ إلَّا هو، إنَّه لمِن الكاذبينَ"،
أي: حلَفَتْ أنَّ زوجَها كاذبٌ في ادِّعائه عليها بالزِّنا، "فإنْ كان صادقًا فعليها غضَبُ
اللهِ"،
أي: تَشهَدُ على نفْسِها أنَّها تَستحِقُّ وُقوعَ غضَبِ
اللهِ عليها إنْ كان زوجُها صادقًا في ادِّعائه، "فقال رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: قِفُوها عند الخامسةِ؛ فإنَّها مُوجِبةٌ"،
أي: تَجعَلُ غضَبَ
اللهِ واقعًا عليها إنْ كانت كاذبةً في حَلِفِها وكان زوجُها صادقًا، وتلك فُرصتُها الأخيرةُ للتَّراجُعِ والاعترافِ، "فترَدَّدَت وهمَّتْ بالاعترافِ"،
أي: كادت أنْ تُقِرَّ بالذَّنْبِ والفاحشةِ، "ثم قالت: لا أفضَحُ قَومي"، فخافَتِ الفَضيحةَ على قَومِها في الدُّنيا، فأمضَتِ الخامسةَ، "فقال رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: إنْ جاءت به أكحَلَ"،
أي: أسودَ الأجفانِ، "أدْعَجَ"،
أي: شَدِيدَ سَوادِ العَينينِ، "سابِغَ الألْيَتَينِ"،
أي: كبِيرَ المُؤَخِّرةِ، "ألَفَّ الفَخِذينِ، خدَلَّجَ الساقينِ"،
أي: فَخِذاهُ وساقاهُ مُمتلِئَتانِ؛ "فهو للَّذي رُمِيَت به، وإنْ جاءت به أصفَرَ"،
أي: أبيضَ شَدِيدَ الشُّقْرَةِ، "سَبْطًا"،
أي: صاحبَ شَعرٍ مُسْترسِلٍ، "فهو لِهلالِ بنِ أُميَّةَ"؛ لأنَّه على هذا الوصْفِ، "فجاءت به على صِفَةِ البَغِيِّ"،
أي: على وَصْفِ مَن اتُّهِمَت به .
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم