شرح حديث قلت يا رسول الله قد كانوا ينتفعون من ضحاياهم يحملون
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
المُجتمعُ المسلِمُ مُترابطٌ كالجسَدِ الواحدِ؛ متى نزَلَتْ بأحدِهم نازلةٌ، تكاتَفَ الجميعُ لإزالتِها عنه، ومِن هذا المعنى ما جاءَ في هذا المتْنِ الذي هو جُزءٌ مِن حديثٍ عندَ مُسلمٍ، وفيه تَحكي أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "دَفَّ أهلُ أبياتٍ مِن أهلِ الباديةِ حضْرةَ الأضْحى زمَنَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، والمعنى: أنَّهم أقْبَلوا مِن الباديةِ بسَببِ ضِيق أحوالِهِم، والجُوعِ الذي أصابَهُم؛ رَجاءَ أنْ يَحصُلوا على شَيءٍ مِن اللَّحمِ عندَ دُخولِ عيدِ الأضْحى، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ادَّخِروا ثلاثًا، ثمَّ تَصدَّقوا بما بقِيَ"، أي: أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصحابَ الأضاحي أنْ يُبقُوا عندَهم ما يَكْفيهم ثلاثةَ أيَّامٍ مِن الأضحيَّةِ، ثمَّ يَتصدَّقوا بما بقِيَ، قالت عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "قلتُ: يا رسولَ اللهِ، قد كانوا يَنتفِعون مِن ضَحاياهم" جمْعُ ضَحيَّةٍ؛ وهي ما يُذبَحُ تقرُّبًا للهِ تعالى في عِيدِ الأضْحى، والمُرادُ أنَّ عائشةَ ذكَرَت عن الناسِ في العامِ التَّالي -كما في رِوايةِ مُسلمٍ- أنَّهم كانوا يتَّخِذون مِن الأضاحي ما قد يُنتفَعُ به وليس مُجرَّدَ الطَّعامِ، إشارةً منهم للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لِيُبيحَ لهم ما قد نَهى عنه، ومِن تلك المنافعِ: "يَجْمُلون منها الودَكَ"، أي: يُذِيبون منها الدُّهنَ ودَسَمَ اللَّحمِ، "ويتَّخِذون منها"، أي: مِن جُلودِها "الأسقيةَ" جمْعُ سِقاءٍ، أي: القِرْبةَ التي يُحفَظُ فيها الماءُ، "قال: وما ذاك؟" أي: ما الذي منَعَهم مِن ذلك؟ "قالت: نَهَيتَ عن إمساكِ لُحومِ الأضاحي بعدَ ثلاثٍ" يَحتمِلُ أنْ يكونَ ابتداءُ الثلاثِ مِن يَومِ ذَبْحِها، ويَحتمِلُ مِن يومِ النَّحرِ وإنْ تأخَّرَ ذَبْحُها إلى أيَّامِ التَّشريقِ، فبيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لها سببَ ذلك، فقال: "إنَّما نَهيتُكم للدَّافَّةِ التي دفَّتِ"، ودافَّةُ الأعرابِ: مَن يَرِدُ منهم المِصْرَ، والمرادُ هنا مَن ورَدَ مِن ضُعفاءِ الأعرابِ للمُواساةِ، أي: كان سببُ منْعِ الادِّخارِ مَجِيءَ هؤلاء ومَشروعيَّةَ إكرامِهم، أمَا وقد زالَتِ الضَّرورةُ "فكُلوا وتَزوَّدوا وتَصدَّقوا"، أي: أباح لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الانتفاعَ بما ذكَروا، وكذلك أباحَ ادِّخارَ اللَّحمِ فوقَ ثلاثٍ، مع ما يَشتمِلُ ذلك مِن الصَّدقةِ، فأظهَرَ لهم أنَّ حُكمَ النَّهيِ كان لوقتٍ مَخصوصٍ لحالةٍ كانت قائمةً، فإنْ زالَت زال معها الحُكْمُ.
وفي الحديثِ: مُراعاةُ أحوالِ الناسِ ومصالحِهم، والحثُّ على التَّكافُلِ الاجتماعيِّ بيْن المؤمنينَ.
وفيه: أدَبُ الصحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم، وطاعتُهم لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: الحدُّ والمنعُ مِن بعضِ المباحاتِ؛ للضَّرورةِ والمَصْلحةِ العامَّة إذا رآها الحاكمُ المؤتَمَنُ( ).
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم