أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي بالناس صلاة الظهر فتفل

المساجِدُ خيرُ بِقاعِ الأرضِ، وقد بُنيتْ للذِّكرِ والصَّلاةِ وعِبادةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وقد أرشَدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الأمَّةَ إلى حِفظِها ونظافَتِها، وصَونِها عن كُلِّ دَنَسٍ؛ فتُرفعُ منها النَّجاساتُ والقاذوراتُ وكلُّ ما يُستقذَرُ.
في هذا الحديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بن عَمْرٍو رضِي اللهُ عنهما: "أَمَرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي بالناسِ صلاةَ الظُّهْرِ"، ولعلَّ إمامتَه للناسِ أنَّهم كانوا وفدًا، "فتَفَلَ"، أي: بَصَقَ نُخامتَه ولُعابَه، "في القِبْلَةِ"، أي: في جِهتِها، "وهو يُصلِّي"، أي: أثناءَ صَلاتِهِ بالناسِ، وفي روايةِ أبي دَاوُدَ من حَديثِ السائِبِ بن خَلَّادٍ رضِي اللهُ عنه: "ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ينْظُرُ"، قال عبْدُ اللهِ بن عَمْرٍو رضِي اللهُ عنهما: "فلمَّا كان صلاةُ العَصْرِ أرْسَلَ"، أي: لَمَّا حان وقتُ صَلاةِ العَصرِ أرسلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "إلى آخَرَ"، أي: مَنَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرَّجُلَ الأوَّلَ أنْ يؤُمَّ الناسَ في صلاةِ العَصْرِ، وجَعَلَ رَجُلًا آخَرَ يُصلِّي بهم، "فأشْفَقَ الرَّجُلُ الأوَّلُ"، أي: خافَ بسَبَبِ منْعِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يكونَ أساءَ، وهو لا يُدرِكُ، وظاهِرُ الحديثِ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يُبيِّنْ له سببَ إبعادِهِ من الإمامةِ، "فجاء إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فقال: يا رسولَ اللهِ، أنَزَلَ فيَّ؟"، أي: ظنَّ الرَّجُلُ أنَّ إبعادَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ له من الإمامةِ لقُرْآنٍ أُنزلَ فيه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا"، أي: لم يَنْزِلْ فيك قُرْآنٌ، "ولكنَّك تَفَلْتَ بين يَديْكَ، وأنت تؤُمُّ الناسَ؛ فآذيْتَ اللهَ ورسولَهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: إنَّك فعلْتَ فِعْلًا لا يُرْضِي اللهَ ورسولَهُ، وفي هذا تشديدٌ عظيمٌ، حيثُ قال اللهُ تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا } [ الأحزاب: 57 ].
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن البَصْقِ في المسجِدِ عامَّةً، وفي القِبْلَةِ خاصَّةً.
وفيه: حِفْظُ المساجِدِ عن كلِّ ما يُدنِّسُها صغيرًا أو كبيرًا.
وفيه: بيانُ بعضِ آدابِ الإمامِ في الصَّلاةِ، وأنَّه يَنبغي أنْ يُختارَ للإمامةِ مَن يَتحلَّى بها( ).