احتجَّت الجنَّةُ والنَّارُ فقالتِ الجنَّةُ ما لي لا يدخلني إلَّا فقراءُ النَّاسِ وقالتِ النَّارُ ما لي لا يدخلني إلَّا الجبَّارونَ والمتَكبِّرونَ فقال للنَّارِ أنتِ عذابي أصيبُ بِك من أشاءُ وقالَ للجنَّةِ أنتِ رحمتي أصيبُ بِك من أشاءُ ولِكلِّ واحدةٍ منكما ملؤُها فأمَّا الجنَّةُ فإنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ ينشئُ لَها ما شاءُ وأمَّا النَّارُ فيلقونَ فيها وتقولُ هل من مزيدٍ حتَّى يضعَ قدمَه فيها فَهنالِك تمتلئُ ويزوى بعضُها إلى بعضٍ وتقولُ قَطْ قَطْ
الراوي : أبو هريرة | المحدث : ابن جرير الطبري
| المصدر : تفسير الطبري
الصفحة أو الرقم: 13/2/207 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
التخريج : أخرجه أحمد ( 7704 )، والنسائي في ( (السنن الكبرى )) ( 11522 ) واللفظ له
قَدَّر
اللهُ سُبحانَه وتعالى المَقاديرَ قبلَ أن يَخلُقَ السَّمواتِ والأرضَ، وكَتَبَ العذابَ بالنَّارِ على العَاصِينَ والكَافِرِينَ، وأَوْجَبْ الجنَّةَ لعبادِهِ الطائِعين المُؤمِنين.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم: "احْتَجَّت الجنَّةُ والنارُ"،
أي: اخْتَصَمَتِ الجنةُ والنارُ عندَ خالقِهما سُبحانَه وتَعالَى، وهذه المُحاجَّةُ جاريةٌ على التحقيقِ؛ فإنَّه تعالى قادر على أنْ يجعلَ كُلَّ واحدةٍ منهما مُميَّزةً مُخاطَبةً، "فقالتِ الجنَّةُ ما لي لا يَدْخُلُني إلَّا فُقراءُ الناسِ"،
أي: السَّاقِطون مِن أَعيُنِ الناسِ لفقرِهم وضَعفِهم، "وقالتِ النارُ ما لي لا يَدْخُلُني إلَّا الجبَّارون والمُتكبِّرون"،
أي: اختُصِصْتُ بأهْلِ الكِبر والتجبُّر، فقال
اللهُ عزَّ وجلَّ للنارِ: "أنْتِ عذابي أُصيبُ بكِ مَن أشاءُ.
وقال للجنَّةِ: أنْتِ رَحمتي أُصيبُ بكِ مَن أشاءُ، ولكلِّ واحدةٍ منكما مِلْؤُها"،
أي: مِلْؤُها بسُكَّانِها، ولكنْ بين الساكنيْنِ تفاوُتٌ عظيمٌ؛ "فأمَّا الجنَّةُ؛ فإنَّ
اللهَ عزَّ وجلَّ يُنشِئُ لها ما شاء" يعني: يُنشِئُ لها أُناسًا لم يَعْمَلوا خيرًا، فيُدخِلُهم إيَّاها، وهذا فَضْلٌ مِن
الله تعالى، وفي هذا دليلٌ على أنَّ أصْلَ دُخولِ الجنَّةِ ليس في مُقابَلَةِ عَمَلٍ بل العملُ سَببٌ لدخولها ولا يكونُ إلَّا برَحمةِ
اللهِ تعالى ورِضوانِه، "وأمَّا النارُ؛ فيْلْقَوْن فيها"،
أي: يُرمَى فيها العُصاةُ، "وتقولُ هل مِن مَزيدٍ؟"،
أي: لا تَمْتلِئُ بل تُنادي بمَزيدٍ من الداخلين فيها، "حتى يَضَعَ قَدَمَهُ فيها؛ فهنالك تَمْتلِئُ ويَزْوي بعضُها إلى بعضٍ، وتقولُ: قَطْ قَطْ"،
أي: كَفَى كَفَى، فهُنا تَمْتلِئُ ويَلْتَقِي بعضُها ببعضٍ على مَن فيها، ولا يَظلِمُ
اللهُ عزَّ وجلَّ مِن خَلْقِهِ شيئًا.
وسَمَّى الجَنَّةَ رحْمةً؛ لأنَّ بها تَظْهَرُ رحْمةُ
اللهِ، وسمَّى النارَ عذابًا؛ لأنَّه تُظهِرُ عذابَ
اللهِ وشِدَّتَه على العُصاةِ، وإلَّا فرحْمةُ
اللهِ وعذابُهُ من صِفاتِهِ التي لم يَزَلْ بها موصوفًا، ليس للهِ تعالى صِفَةٌ حادِثَةٌ، ولا اسمٌ حادِثٌ؛ فهو قديمٌ بجَميعِ أسمائِه وصِفاتِه جلَّ جلالُه، وتقدَّسَتْ أسماؤُه.
والقَدَمُ والرِّجْلُ صِفتانِ ثابِتَتَانِ لله عزَّ وجلَّ، مُنَزَّهَتان عن التَّكْييفِ والتّمثيلِ
( ).
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم