سَأَلْتُ أنَسَ بنَ مَالِكٍ عَنِ القُنُوتِ، فَقالَ: قدْ كانَ القُنُوتُ.
قُلتُ: قَبْلَ الرُّكُوعِ أوْ بَعْدَهُ؟ قالَ: قَبْلَهُ، قالَ: فإنَّ فُلَانًا أخْبَرَنِي عَنْكَ أنَّكَ قُلْتَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَقالَ: كَذَبَ؛ إنَّما قَنَتَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا، أُرَاهُ كانَ بَعَثَ قَوْمًا يُقَالُ لهمُ: القُرَّاءُ، زُهَاءَ سَبْعِينَ رَجُلًا، إلى قَوْمٍ مِنَ المُشْرِكِينَ دُونَ أُولَئِكَ، وكانَ بيْنَهُمْ وبيْنَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَهْدٌ، فَقَنَتَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَهْرًا يَدْعُو عليهم.
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري
| المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 1002 | خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ]
التخريج : أخرجه البخاري ( 1002 )، ومسلم ( 677 )
الصَّلاةُ عِبادةٌ تَوقيفيَّةٌ، وقد علَّمَنا النبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ كلَّ أفعالِها، وآدابِها، وما يَتعلَّقُ بها، والدُّعاءُ والقُنوتُ في الصَّلاةِ مِن هذه الأُمورِ التي وضَّحَتْها السُّنَّةُ النَّبويَّةُ، خاصَّةً في النَّوائبِ،
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التابعيُّ عاصِمٌ الأَحْولُ أنَّه سَألَ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضيَ
اللهُ عنه عن مَشروعيَّةِ القُنوتِ، والمرادُ به: الدُّعاءُ أثْناءَ الصَّلاةِ، حيثُ يَشرَعُ الإمامُ عندَ الرُّكوعِ الأَخيرِ في الدُّعاءِ ويُؤمِّنُ على دُعائِه المأْمُومونَ، فأجابَه أنسٌ رَضِيَ
اللهُ عنه أنَّه مَشروعٌ وقد فَعَلَه النبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، فسَألَه: أقَبْلَ الرُّكوعِ أو بعْدَه؟ فأجابَه بأنَّه قبْلَ الرُّكوعِ، فقال عاصِمٌ لأنسٍ رَضيَ
اللهُ عنه: فإنَّ فُلانًا أخبَرَني عنك أنَّك قُلتَ: إنَّه بعْدَ الرُّكوعِ؟ فقال أنَسٌ: كَذَبَ،
أي: أخْطَأَ- والعرَبُ تَقولُ لمَن أخطَأَ: «
كَذَبْتَ»- ثمَّ أخبَرَ أنسٌ رَضيَ
اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ قَنَتَ بَعدَ الرُّكوعِ شَهرًا؛ وفي لفظٍ عِندَ البُخاريِّ: «
وذلك بدْءُ القُنوتِ، وما كنَّا نَقنُتُ» وفائدتُه: أنَّ تلك الحالة تختصُّ بالنوازلِ التي تَنزِلُ بالمسلِمينَ، وذلك أنَّه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ قد بَعَثَ قَومًا مِن أهلِ الصُّفَّةِ يُقالُ لَهم: القُرَّاءُ -وكان عدَدُهم سَبعينَ رَجُلًا- إلى قَومٍ مِن المُشركينَ -وهمْ أهلُ نَجْدٍ مِن بني عامِرٍ-؛ لِيَدْعوهم إلى الإسْلامِ، ويَقْرَؤوا عليهم
القُرآنَ، فلمَّا نَزَلوا بِئرَ مَعونةَ قَصَدَهم عامِرُ بنُ الطُّفيلِ ومعه أحياءٌ مِن العرَبِ -وهم: رِعْلٌ وذَكْوانُ وَبَنو لَحْيانَ وعُصَيَّةُ- وقاتَلوهم فقَتَلُوهم، ولم يَنْجُ منهم إلَّا كَعبُ بنُ زَيدٍ الأنصاريُّ، وكان ذلك في السَّنةِ الرابعةِ مِن الهِجرةِ.
وقولُه: «
إلى قَومٍ مِن المُشركينَ دونَ أولئكَ»،
أي: وكان عدَدُ القُرَّاءِ أقلَّ مِن عدَدِ المبعوثينَ إليهم، وقيل: معناهُ: أنَّ رسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ إنَّما أرسَلَ القُرَّاءَ إلى قَومٍ مِن المشركينَ الذين كانوا لهم معه عَهْدٌ، لا الذين ليس لهم عَهْدٌ، فنَقَضوا العَهْدَ وغَدَروا بالقُرَّاءِ، فقَنَتَ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ شَهرًا مُستمِرًّا في القُنوتِ دون انقِطاعٍ، يَدْعو علَيهم في صَلاةٍ الفَجرِ كما في رِوايةِ الصَّحيحَينِ عن أنسٍ رَضيَ
اللهُ عنه، أنَّه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ «
قنَت شهرًا في صَلاةِ الفَجرِ، وَيَقُولُ: إنَّ عُصيَّةَ عَصَوُا اللهَ ورسولَه»، وعِندَ أبي داودَ عن ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ
اللهُ عنهما: «
قنَتَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شهرًا مُتتابِعًا في الظُّهرِ، والعَصرِ، والمغرِبِ، والعِشاءِ، والصُّبح».
وفي الحديثِ:
وفيه: مَشروعيَّةُ القُنوتِ قبْلَ الرُّكوعِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ القُنوتُ بعدَ الرُّكوعِ في الصَّلاةِ عِندَ النَّوازلِ.
وفيه: الدُّعاءُ على أهْلِ الغَدرِ والظالِمينَ والإعلانُ باسمِهم، والتَّصريحُ بذِكْرِهم في الصَّلاةِ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم