وقد كان النَّاسُ انهزَموا عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى انتهى بعضُهم إلى دونِ الأعراضِ إلى جَبلٍ بناحيةِ المدينةِ ثمَّ رجَعوا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقد كان حَنْظَلةُ بنُ أبي عامرٍ التقى هو وأبو سُفيانَ بنُ حَربٍ فلمَّا استعلاه حَنظلةُ رآه شدَّادُ بنُ الأسودِ فعلاه شدَّادٌ بالسَّيفِ حتَّى قتَله وقد كاد يقتُلُ أبا سُفيانَ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( إنَّ صاحبَكم حَنْظلةَ تغسِلُه الملائكةُ فسَلُوا صاحبتَه ) فقالت : خرَج وهو جُنُبٌ لَمَّا سمِع الهائعةَ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( فذاك قد غسَلَتْه الملائكةُ )
الراوي : عبدالله بن الزبير | المحدث : شعيب الأرناؤوط
| المصدر : تخريج صحيح ابن حبان
الصفحة أو الرقم: 7025 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
وَقَعَتْ غَزْوةُ أُحُدٍ في السَّنةِ الثَّالِثةِ مِنَ الهِجرةِ، وأُحُدٌ جَبَلٌ يَقَعُ بالمَدينةِ، في شَمالِيِّها الغَربيِّ، بيْنَه وبيْنَ المَدينةِ -على عَهدِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ- ثَلاثةُ أميالٍ، وقد أجمَعَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ على الحَرْبِ خارِجَ المَدينةِ بَعدَ مَشورةِ أصحابِه، فعَسكَرَ عِندَ جَبَلِ أُحُدٍ، وجَعَلَ خَمسينَ راميًا فَوقَ الجَبَلِ، فلَمَّا الْتَقى الجَيشانِ انهَزَمَ المُشرِكونَ في أوَّلِ الأمْرِ، فعِندَ ذلك طَمِعَ الرُّماةُ في الغَنيمةِ، وأسْرَعوا ليأخُذوها، فلَمَّا وَقَعَ ذلك منهم نَظَرَ خالِدُ بنُ الوَليدِ –وكان وقتَها في جيشِ المشركين قبْلَ أنْ يُسلِمَ- إلى مُؤخِّرةِ الجَيشِ، فرَأى الجَبَلَ خاليًا، ولم يَبْقَ عليه سِوى القَليلِ، فكَرَّ بخَيلِه عليهم، وهاجَمَ مُؤخِّرةَ الجَيشِ الإسلاميِّ، فارتَبَكَ المُسلِمونَ، وصارَ يَضرِبُ بَعضُهم بَعضًا، ووَقَعتِ الهَزيمةُ فيهم، فأُصيبَ منهم سَبعونَ قَتيلًا.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عَبدُ
اللهِ بنُ الزُّبَيرِ عن بعضِ ما كانَ في تلك الغَزوةِ فيقولُ: "وقد كانَ الناسُ انهَزَموا عن رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ"،
أي: فَرُّوا وابتَعَدوا عنِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، "حتى انْتَهى بَعضُهم إلى دُونِ الأعراضِ، إلى جَبَلٍ بناحِيةِ المَدينةِ، ثمَّ رَجَعوا إلى رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد كانَ حَنظَلةُ بنُ أبي عامِرٍ الْتَقى هو وأبو سُفيانَ بنُ حَربٍ"،
أي: تَقاتَلَا، "فلَمَّا استَعْلاه حَنظَلةُ" وأصبَحَ فَوقَ أبي سُفيانَ، "رآهُ شَدَّادُ بنُ الأسوَدِ" مِنَ المُشرِكينَ، "فعَلَاه شَدَّادٌ بالسَّيفِ حتى قَتَلَه"،
أي: قَتَلَ شَدَّادٌ حَنظَلةَ؛ فنَجا أبو سُفيانَ "وقد كادَ" حَنظَلةُ "يَقتُلُ أبا سُفيانَ؛ فقالَ رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ صاحِبَكم حَنظَلةَ تُغَسِّلُه المَلائِكةُ"،
أي: تَقومُ على تَنظيفِه وتَغسيلِه، مع أنَّ الشَّهيدَ لا يُغَسَّلُ، "فسَلُوا صاحِبَتَه"، وهي زَوجَتُه جَميلةُ بِنتُ أُبَيٍّ ابنِ سَلولَ، فسَأَلُوها؛ لِمَعرِفةِ حالِ حَنظَلةَ عِندَ خُروجِه لِلجِهادِ، وسَبَبِ تَغْسيلِ المَلائِكةِ له، "فقالت: خَرَجَ وهو جُنُبٌ"،
أي: كانَ على صِفةِ الجَنابةِ إشارةً إلى أنَّه خرَج للغَزْوِ والجهادِ سريعًا بعدَ جِماعِ زَوجتِه ولم يَتأخَّرْ حتى للغُسلِ مِن الجَنابةِ، وهي تُطلَقُ على كُلِّ مَن جامَعَ زَوجَتَه أو احتَلَمَ أو أنزَلَ المَنيَّ بشهوةٍ، وسُمِّيَتْ بذلك؛ لاجتِنابِ صاحِبِها الصَّلاةَ والعِباداتِ حتَّى يَطهُرَ منها، "لَمَّا سَمِعَ الهائِعةَ"، وهي صَوتُ النِّداءِ لِلجِهادِ، "فقالَ رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: فذاكَ قد غَسَّلَتْه المَلائِكةُ"؛ فكَونُه كانَ جُنُبًا هو سَبَبُ تَغسيلِ المَلائِكةِ له، فكانَ يُقالُ له: الغَسيلُ.
أو يُقالُ له: غَسيلُ المَلائِكةِ.
وكَفَى بهذا شَرَفًا.
وفي الحَديثِ: بَيانُ مَنقَبةِ حَنظَلةَ بنِ أبي عامِرٍ؛ بأنْ سارَعَ للجهادِ وهو على جَنابةٍ، فغَسَّلَتْه المَلائِكةُ.
وفيه: أنَّ أحكامَ البشَرِ لا تُقاسُ على أحْكامِ الملائكةِ، وما حصَلَ لِحَنْظَلةَ رضِيَ
اللهُ عنه هو مِن بابِ الكَرامةِ، وليس مِن بابِ التَّكليفِ .
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم