كان النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ دائِمَ الخَوفِ مِنَ
اللهِ تعالَى، ودائمَ الخَوفِ على أُمَّتِه أنْ يُصيبَها عَذابٌ بسَبَبِ ذُنوبِ المُذنِبينَ.
وفي هذا الحَديثِ تَروي أُمُّ المُؤمِنينَ عائشةُ رَضيَ
اللهُ عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ كان إذا رَأى مَخِيلةً -أي: سَحابةً يُخالُ فيها المَطَرُ- أقبَلَ وأدبَرَ ذَهابًا وإيابًا، ودَخَلَ وخَرَجَ، وتَغيَّرَ وَجْهُه؛ خَوفًا أنْ تُصِيبَ أُمَّتَه عُقوبةٌ بذُنوبِ العُصاةِ، فإذا أمطَرَتِ السَّماءُ سُرِّيَ عنه،
أي: كُشِفَ عنه ما خالَطَه مِنَ الخَوفِ والوَجَلِ، فعَرَّفتْ عائِشةُ رَضيَ
اللهُ عنها ما بالنَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، فذَكَرتْ ما كان يَعرِضُ له في هذه الحالِ؛ لِتَعرِفَ السَّبَبَ، فقال صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
ما أدْري لَعَلَّه كما قال قَومٌ» يُريدُ بهم عادًا؛ قَومَ نَبيِّ
اللهِ هُودٍ عليه السَّلامُ، حيثُ قال
اللهُ تَعالى عنهم:
{ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [
الأحقاف: 24 ]، وقَولُه تَعالى:
{ فَلَمَّا رَأَوْهُ }، أيِ: السَّحابَ،
{ عَارِضًا }،
أي: عَرَضَ في أُفُقِ السَّماءِ،
{ مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ } مُقبِلًا على صَحَاريهم ومَحَالِّ مَزارِعِهم،
{ قَالُوا } ظَنًّا منهم أنَّه سَحابٌ يَنزِلُ منه المَطرُ:
{ هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا }،
أي: هو سَحابٌ عَرَضَ لِيُمطِرَ؛ فقال تَعالى رَدًّا عليهم:
{ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ } مِنَ العَذابِ؛ الذي هو
{ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ }.
فإنْ قيلَ: كيف يَخشى النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُعذَّبَ القَومُ وهو فيهم، مع قَولِ
اللهِ تَعالى:
{ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } [
الأنفال: 33 ]؟ فالجَوابُ: أنَّ في الآيةِ احتِمالَ التَّخصيصِ بالمَذكورينَ، أو بوَقتٍ دُونَ وَقتٍ، أو أنَّ مَقامَ الخَوفِ يَقتَضي غَلَبةَ عَدَمِ الأمْنِ مِن مَكرِ
اللهِ تعالَى، وأنَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ كان في أغلَبِ الأحوالِ يُعلِّمُ أُمَّتَه، ومِن ذلك أنَّ الإنسانَ لا يَأمَنُ مَكرَ
اللهِ، كما في قَولِ
اللهِ تَعالى:
{ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } [
الأعراف: 99 ].
وفي الحَديثِ: بَيانُ أنَّه لا يَنبَغي لِأحَدٍ أنْ يَأْمَنَ مِن عَذابِ
اللهِ تعالَى.
وفيه: الاستِعدادُ بالمُراقَبةِ للهِ، وبالالتِجاءِ إليه عِندَ اختِلافِ الأحوالِ وحُدوثِ ما يُخافُ بسَبَبِه.
وفيه: تَذَكُّرُ ما يَذهَلُ المَرءُ عنه ممَّا وَقَعَ لِلأُمَمِ الخاليةِ، والتَّحذيرُ مِنَ السَّيرِ في سَبيلِهم؛ خَشيةَ وُقوعِ مِثلِ ما أصابَهم.
وفيه: شَفَقَتُه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ على أُمَّتِه ورَأفَتُه بهم، كما وَصَفَه
اللهُ تَعالى
{ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [
التوبة: 128 ].
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم